إيمان كمال تكتب: صلاح السعدني.. وداعًا "عمدة الدراما"

الفجر الفني

إيمان كمال
إيمان كمال

اتفاق ضمني مع أسامة أنور عكاشة لبعض الإضافات على الشخصيات.


موهبته الكبيرة انتصرت على الاضطهاد والظلم الذي لاحقه في بداية مشواره. 


انعزل بعد رحيل "أصدقاء" العمر وقرر الاكتفاء بما قدمه في مشواره..لكن لم "يعتزل". 


(وينفلت من بين إيدينا الزمان..كأنه سحبة قوس في أوتار كمان، وتنفرط الأيام عود كهرمان يتفرفط النور والحنان والأمان.. وينفلت من بين إيدينا الزمان).

 

تمر كلمات أغنية الشاعر الكبير الراحل سيد حجاب تتر أغنية "أرابيسك..أيام حسن النعماني" خلفية لمشهد الوداع..وداع مؤثر برحيل العمدة سليمان غانم، حسن النعماني أبو كيفه، الفنان الكبير صلاح السعدني، ووداع جيل من كبار الممثلين رحلوا عن عالمنا في السنوات الماضية،نور الشريف، محمود عبد العزيز، لينفرط الجيل الأكثر تأثيرا وبصمة في عالم الدراما التلفزيونية لسنوات طويلة، تاركين فراغا يليق بقيمتهم ومكانتهم التي لم يقترب منها أحد، لكنهم تركوا لنا تاريخا مشرفا من الأعمال.


(1)
الموهبة تنتصر

 

إذا اعتبرنا أن العمدة سليمان غانم في المسلسل الأكثرشعبية في تاريخ الدراما المصرية "ليالي الحلمية" وحسن النعماني في "أرابيسك" هى الشخصيات الأشهر في مشوار صلاح السعدني الذي رحل عن عالمنا قبل أيام عن عمر تجاوز الثمانين بقليل، على مستوى التأثير والشعبية، لكن خلال أكثر من 200 عمل شارك خلالها في السينما والتلفزيون والمسرح استطاع صلاح السعدني أن يترك بصمة بالشخصيات التي يقدمها.


ومن أشهر أعماله أيضًا مسلسل "الأصدقاء" ومسرحية "الملك هو الملك" وفيلم "فوزية البرجوازية".

 

فصلاح السعدني الولد الشقي خفيف الظل الذي درس في كلية الزراعة ليتزامل مع عادل إمام الذي كان وقتها في عامه الدراسي الرابع، بينما كان السعدني في سنة أولى جامعة وقرر أن يشارك في فرقة التمثيل لتتوطد صداقة عمر، فطالما أكد السعدني على دعم وتشجيع عادل إمام له في بداياته.

 

في إحدى حلقات برنامج "ونس" حكى الإعلامي الكبير محمود سعد أن الانطلاقة الأولى لصلاح السعدني التي حققت له شعبية كبيرة، كانت بتقديمه لشخصية ممدوح في مسلسل "لا تطفئ الشمس" وهو المسلسل الذي عرض عام 1965، وقدم صلاح الشخصية التي جسدها الفنان أحمد رمزي في الفيلم الذي تم تقديمه عن نفس قصة الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس.


يحكي "سعد" أن وفاة شخصية ممدوح أثناء كتابة إحسان عبد القدوس لحلقات القصة في روز اليوسف أثار ضجة كبيرة، حتى أن الجمهور طالبه بإعادة الشخصية مجددا ورفضوا موتها، هذا الصدى الكبير عاد مرة أخرى حين توفى ممدوح (صلاح السعدني) في المسلسل، فشهدت الحلقة حالة من الحزن الشديد، وتوقع الجميع للسعدني بعدها أن يحقق نقلة أكبر.
 

لكن العكس، عانى صلاح السعدني لسنوات من الاضطهاد والظلم والمنع كضريبة لكونه الشقيق الأصغر للكاتب الساخر الراحل وصاحب القلم الجرئ محمود السعدني، فتم منع صلاح من التمثيل لسنوات وكان من المفترض أن يشارك في العرض المسرحي "مدرسة المشاغبين" فاضطر المخرج والمنتج المسرحي سمير خفاجي أن يعرض عليه أن يتولى عملا إداريا ليتواجد في المسرح، وعلى الرغم من صعوبة تلك المرحلة إلا أن موهبة السعدني انتصرت في النهاية وتوالت أعماله ففي الثمانينات شارك في أعمال هامة مثل مسلسل "أديب" و"وقال البحر" و"أبواب المدينة" و"سفر الأحلام" وقدم شخصية ياسين في مسلسل "بين القصرين"، إلى جانب "ليالي الحلمية" الذي بدأ الجزء الأول منه في عام 1987.
 

(2)
العمدة 
 

(تستطيع أن تنزع الفلاح من الريف لكنك لا تستطيع أن تنزع الريف من الفلاح، مصر بداخلي، الأمة العربية بداخلي، بملامحها وثقافتها وحضارتها، أحلامها احباطاتها حتى الردئ قبل الجيد، أحمل بداخل كل ذلك، إلى جانب ملمح من ثقافتي الخاصة من علاقتي بالأشياء وتحضري ورغبتي في مستقبل أفضل، وإيماني بوحدة هذه الامة وأنها تستحق مكان أفضل تحت الشمس، كل ذلك أثر في حتى المكان الذي عشت ونشأت به)
 
في لقاء له مع الإعلامي مروان صواف تحدث صلاح السعدني عن تأثير أصوله الريفية في شخصيته، فنشأته في محافظة الجيزة مع أسرته التي انتقلت إلى هناك لم يزعزع تلك الأصول بداخله، هذا التأثير اتضح بشكل أكبر مع تقديمه لشخصية سليمان غانم على الشاشة في "ليالي الحلمية".
 

يقول السعدني: "جدي الشيخ معوض هو العمدة الحقيقي تأثيره داخل حدود قريتنا على ضفاف النيل، لكن العمدة سليمان غانم أكثر تأثيرا لأنه في ملحمة فنية رائعة تأثيرها أقوى من محدودية الزمن، فتأثير الفن ممتع وجذاب يسعد الجمهورويسبب لهم المتعة".

 

وتابع:" تأثير الشخصية التي رسمها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة وباقي شخصيات المسلسل أقوى بكثير، فمن خلال ليالي الحلمية رصد 50 عاما من السياسة والمجتمع والاقتصاد، والجزء الذي أخذته من جدي الشيخ معوض أفاد العمل وجعل تأثير الشخصية أكبر فتحولت الشخصية من مجرد شخصية أرسمها في خيالي إلى واقع، أصبح أنا وهو واقع واحد في الفترة التي كنت أصور فيها المسلسل".

(3)
الأكثر ثقافة..والأداء العفوي

 

(ما يميز صلاح السعدني هو أنه الأكثر ثقافة بين أبناء جيله، لكن هذه الثقافة لم تقف عائقا أمام تقديمه للشخصيات بل على العكس جعلته أكثر ثراء)
 

اعتبر يحيى الفخراني أن ثقافة صلاح السعدني التي ميزته عن الكثيرين لم تكن عائقا بينه وبين الجمهور مثل البعض، لكنه استطاع أن يطوع تلك الثقافة لتضيف له ثراء للشخصيات التي يقدمها، فاعتمد على العفوية في أدائه.

هذه الثقافة والوعى والفهم جعل الكاتب الكبير الراحل أسامة أنورعكاشة يسمح للسعدني بأن يقوم ببعض الإضافات الطفيفة للشخصية، قال عنها صلاح السعدني: "حصل اتفاق ضمني بيني وبين أسامة أنور عكاشة فكان يتركني اتصرف لكن من خلال الحدود، ولم يكن الأمر خروج عن النص لكنه كان إضافات طفيفة، ففي بعض الأوقات كنت أنهي المشهد ولدى شحنة لم تنتهي فكنت أستكمل المشهد بكلمات قليلة، وكان أسامة يرحب بذلك وأنا أحترمه كثيرا فكان على درجة من الثقافة والموهبة نادرا ما تتحث".

 

وأضاف: "يمكن اعتبار أننا نمر بفترة انحدار، ففي صغري كان أساتذة كبار يفتحون الطريق ويعلمون البشرية فكانوا كوادر، وجيل مؤمن بالثقافة، فكان هناك مثلا ندوات شبه يومية للفنان محمود مرسي، كنا نجلس مع أنا وعادل إمام وعمر عبد العزيز،وجلسات أخرى كان فيها كامل الشناوي وأنور الحداوي وصلاح جاهين، كل ذلك له تأثير كبير ".


فصلاح السعدني لديه نظرية أطلق عليها "الشبهية" قال عنها: "في الأمة العربية لدينا كل شئ كما هو في العالم، لدينا كرة قدم واتحاد وملاعب ومدرجات جمهور وغرفة ملابس لاعيبة و22 لاعب وحكام لكننا لا نلعب كرة القدم بل لعبة تشبه كرة القدم، وفي الفن لدينا كاميرات وتصوير ولكننا نقدم شبه السينما، وهو ما ينطبق على الاقتصاد والزراعة والصناعة وأتمنى أن نظرية الشبه تنتهي ونصبح بجد وليس مجرد شبه".


(4)
انعزال..وليس اعتزال

 

في عام 2013 قدم صلاح السعدني آخر أعماله وهو مسلسل "القاصرات"..لم يقرر صلاح السعدني اعتزال الفن، ورغم غيابه ظل حاضرا بأعماله التي قدمها طوال مشواره، لكنه فضل أن ينعزل ويبتعد بعد الخبطات التي تلقاها برحيل أصدقاءه المقربين، أسامة أنور عكاشة، عاطف الطيب، أبو بكر عزت، وآخرون من المقربين.



الحزن الذي خيم في القلوب برحيل عمدة الدراما صلاح السعدني، جاء موازيًا لملحمة حب من الجمهور الذي كان متعطشا لحضوره حتى وإن كان وداعه الذي تحول إلى ملحمة من الحب، وتأكيدًا على أن أصحاب الأثر الطيب والصادق لا يغيبون.