للحكاية مغزى سياسي
عاجل.. البقرة الحمراء والذبح العاشر: سر مخطط هدم المسجد الأقصى.. كيف يستمد الصهاينة فكرَتَهُم من سِفْرٍ توراتيِّ قَدِيم؟
كان اليهود ينتظرون الأبقار الحمراء لتحقيق هدفهم في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث، وهو ما يعرف بالتطهير، من خطيئة الموتى وقتل الأنبياء من أجل العودة إلى أرضهم، باتت هذه المعلومات حديثًا داخل أوساط معنية وعلى درجة من الاهتمام بالأمر، لا سيما على السوشيال ميديا ومجموعات التواصل الاجتماعي.
تتابع بوابة الفجر كل جديد حول التحرُّكات اليهودية في تلّ أبيب، وبخاصة التي تستهدف التوجُّه نحو المسجد الأقصى؛ ولكي لا تبقى الكلمات في طيِّ الأحاديث المُغلقة والمنشورات وباب القيل القال، استأثرنا الدخول إلى هذه القصة من بدايتها.
عادت المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي تكتب حول المخطط اليهودي الصهيوني في الأقصى بعد ظهور ما سُمِّي بالأبقار الحمراء أو الثلاث بقرات، التي بحث عنها اليهود لسنوات عديدة.
مدلول البقرة عند بني إسرائيل
البقرة لدى اليهود عمومًا لها مدولات ديني، ففي قصة أجدادهم من بني إسرائيل، كانت القرة محور قِصَّة كشف ما كانوا فيه يختلفون، فأحيَّت ميِّت بعجزة، وكشفت عن قاتل.
سميت السورة الثانية وأطول سورة في القرآن بسورة البقرة. تم سرد أحداث القصة في السورة: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٦٧ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ٦٨ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ٦٩ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ٧٠ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ٧١ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٧٢ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٧٣﴾ [البقرة:67–73]
وبحسب تفسير ابن كثير، ووفقًا لابن عباس وعبيدة، فقد أظهر عناد بني إسرائيل، الذين طرحوا أسئلة لا داعي لها على الأنبياء دون اتباع أي وصية من الله. لو أنهم ذبحوا بقرة، أيّ بقرة، لكان ذلك كافيًا لهم، ولكن بدلًا من ذلك جعلوا الأمر أكثر صعوبة فجعل الله الأمر أكثر صعوبة عليهم، بأنَّ كانت محددة في بقرة صفراء لا تسقي الحرث.
إذًا ما قصة البقرات الحمراء؟
رُبَّما ما سبق يُعدّ مَدخلًا أنسب لقصتنا حول البقرات الحمراء، التي ينوي أبناء الكيان الصهيوني ان يذبخونها، فوق جبل الزيتون في القدس مقابل المسجد الأقصى، وذلك وفق طقوس خاصة.
لماذا يفعلون ذلك؟
بخلاف قصة البقرة الصفراء، ففي سفر العدد - أولى الأسفار الخمسة المنسوب لكيلم الله موسى عليه السلام - فإنَّه ابقرة يتم تقديمها للكهنة تُسمَّى "ذبيحة" حسب التوراة. يستخدم رمادها فى طقوس تنقية "توم هاميت" أو نجاسة الميت، مع اى إسرائيلى كان له علاقة بالجثه.
تتم عملية التطهير وفقا للروايات اليهودية من خلال مزيج من رماد البقرة الحمراء المضحى بها، والغزل الأحمر، وخشب الأرز، والزوفا، ومياه الينابيع العذبة التي يجمعها أطفال طاهرون ولدوا ونشأوا في ظل ظروف معينة، كما يُعتقد أن خليط الرماد هذا يظل فعالًا لمدة تصل إلى 100 عام ويمكن خلطه بمياه الينابيع حسب الحاجة.
وبحسسب مُعتقداتهم، والمتمثلة في نصوص المشناة (شروح التوراة)، وهي جزء من كتاب التلمود، تأثي فكرة البقرة حمراء خالصة، بشروط البقرة الحمراء:
- ليس فيها شعرتان من لون آخر.
- خالية من التشوُّهات
- ألا تكون خضعت للتزاوج قط.
- لم تستخدم لأي أعمال خدمة مطلقا ولم يوضع في رقبتها حبل.
- ربيت في "أرض إسرائيل"، وعندما تبلغ العامين يمكن استخدامها في عملية تطهير.
- ينبغي أن تجري فوق جبل الزيتون في القدس مقابل المسجد الأقصى، حيث يتم ذبحها بطريقة وطقوس خاصة، ثم حرقها بشعائر مخصوصة، واستخدام رمادها في عملية "تطهير الشعب اليهودي".
عندها فقط يصبح الشعب قادرا على الصعود إلى بيت الرب (أي المسجد الأقصى المبارك) بعد أن أصبح طاهرا. وهذا ما يفسر وضع هذه البقرات في مزرعة سرية، فبمجرد أن يأتي شخص مثلا ويركب فوق ظهرها أو يضع في رقبتها حبلا ويجرها ولو مترا واحدا تصبح البقرة غير صالحة لإتمام هذه الطقوس.
لماذا في هذه الأيَّام بالذات؟
إن الممارسات الدينية المذكورة، كان يتعذر إنجازها، ويصعب توفر شروطها، لذلك لم يتمكن اليهود من تأديتها على مدى تاريخهم الطويل، سوى 9 مرات، كلُّها كانت قبل ميلاد السيد المسيح - عليه السلام - سوى التاسعة منذ ما يقارب 2000 عام.
- البقرة الأولى: أعدها النبي موسى عليه السلام، وكان ذلك في الشهر الأول للعام الأربعين من التيه، وهو ما يوافق نحو سنة 1455 قبل الميلاد. وقد قام بالطقوس نائب رئيس الكهنة “إليعازر”.
- البقرة الثانية: أعدها عزرا عام 515 قبل الميلاد.
- البقرة الثالثة والرابعة: أعدهما سمعان العادل عام 275 قبل الميلاد.
- البقرة الخامسة والسادسة: أعدهما الكاهن الأعظم لبني إسرائيل، يوحانان عام 200 قبل الميلاد.
- البقرة السابعة: أعدها اليوعيني بن قيافا عام 70 قبل الميلاد.
- البقرة الثامنة: أعدها حننمل المصري عام 37 قبل الميلاد.
- البقرة التاسعة: أعدها إسماعيل بن فابوس عام 59 ميلادي.
تخوفات من هدم المسجد الأقصى
ويمثل ظهور "البقرة الحمراء العاشرة" أهمية كبرى لدى اليهود، إذ يعتقدون أنها "إشارة من الرب" للسماح لهم بالصعود إلى "جبل الهيكل"، أي دخول المسجد الأقصى، الذي حُرم عليهم بسبب الدنس، ومن ثم هدمه لبناء “الهيكل الثالث” على أنقاضه. بالإضافة لأنَّ ذلك كله سيفتح المجال لملايين من اليهود المتدينين للمشاركة في الاقتحامات داخل الحرم القدُْسِي، بعد أن كانت لا تتعدى في أقوى حالاتها 2200 شخص.
فمثلًا أفراد التيار الحريدي الذين يشكلون سكان إسرائيل، ويصل عددهم إلى أكثر من 1.25 مليون نسمة، كانوا يرفضون الاستجابة لدعوات جماعات المعبد المتطرفة لاقتحام الأقصى بسبب فتوى الحاخامية الكبرى بتحريم دخول المسجد، بعد ذبح البقرة العاشرة "الذبح العاشر"، ربما يزول العائق فيقرروا المشاركة في اقتحام المسجد الأقصى المبارك خلال ما تسمى "ذكرى خراب المعبد"، وهذا سيزيد الوضه سُوءًا.
يعتقد بعض المتطرفين أن ذلك كله مقدمة لظهور "المسيح المخلص"، وتَحقق الخلاص للشعب اليهودي.
ما قصة الخمس بقرات الحمراء؟.. للحكاية جانب سياسي
في عام 2022، حصل الكهنة في دولة الاحتلال على 5 بقرات حُمر، أُعلن أنها تتمتع بالشروط المذكورة - سالفًا - والتي تؤهلها لطقوس البقرة العاشرة، ومع دخول البقرات عامها الثالث، مطلع العام الجاري 2024، باشرت المنظمات اليهودية بالتعاون مع السلطات الإسرائيلية الاستعدادات للطقوس، التي يجب تنفيذها -حسب المعتقدات اليهودية- في اليوم الثاني من شهر نيسان وفق التقويم العبري، والذي يوافق 10 أفريل الجاري بالتقويم الميلادي.
وكجزء من التدعيم السياسي والثقافي، عقدت الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة مؤتمرا في مستوطنة "شيلو القديمة"، أواخر مارس 2024، شارك فيه نحو 100 من الحاخامات من مختلف التيارات الدينية، بهدف مناقشة التحضيرات اللازمة لذبح البقرة الحمراء وحرقها.
وشارك في المؤتمر بجانب "إدارة جبل الهيكل" وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، وقسم الثقافة اليهودية في وزارة الاستيطان والبنية التحتية الوطنية، كجزء من البلورة للموضوع بشكل رسميِّ وسياسيِّ.
ختامًا قد يتسائل القارئ حول ما الضير في ذبح البقرة، وأنَّه رُبَّما تبقى هذه القصة برُمَّتِها قيد الأساطير والتكهُنَات، إلاَّ أنَّ جانبًا قد يخفى على البعض بأنَّ جميع ما سبق، يمكن أن يقف موقف الحيلولة بينَهُ وإِحْلَال السلام في المنطقة، أو أن تنشأ دولة للشعب الفلسطيني على حدود عام 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية، بأبسط التقديرات.