هل يجوز شرعًا رد الدين المتأخر بزيادة؟ عضو هيئة كبار العلماء يجيب
يتسائل الكثير من الأشخاص عن الرأي الشرعي في كيفية سداد الدين بالأخص لو كان قد مرعدة سنوات، عليه وبسبب الظروف الأقتصادية وتغير قيمة العملة فيجلعه يتسائل هل يرد نفس المبلغ الذي كان قد حصل عليه أم يردة بزيادة ؟ وهل يوجد الشرع الكريم شئ يؤيد الدفع بزيادة ويحللها أو يحرم ذلك ؟.
مثال أنه لو هناك شخص لنفترض اسمه "أ" قام بتسليف مبلغ من المال لنفترض ٥٠٠٠ لشخص أخر هو "ب" ولكن اشترط "أ" أن يرجع له ماله في خلال سنة ووافق "ب" على ذلك وبعد مرور السنة لم يستطيع "ب" رد المال ورده بعد سنتين مثلا أو أكثر أو أقل، فهل يوجد في الشرع الكريم أنه يجب علي "ب" أن يرد المبلغ بزيادة من نفسه أيا كانت مقدار هذه الزياده أم يعتبر حرام، وإذا قال له "أ" الـ٥٠٠٠ حاليا قيمتهم قلت بسبب التضخم أو بسبب حدوث شئ في الاقتصاد أدى لخفض قيمتهم ولا يشتروا شئ الأن كما كانوا يشتروا منذ سنة وأريد زيادة عليهم مع العلم من البداية لم يكن هناك اي شرط سوا موعد سداد الفلوس بعد سنة فقط فهل يجوز هذا أن يطلب "أ" ذلك ويكون فرض على "ب" أن يدفع بالزيادة أم يكون حرام وأخيرا إذا قام "أ" بتسليف "ب" مبلغ من المال ولم يحددوا موعد بينهم متي يأخذ "أ" ماله، وقام "ب" بإرجاع مبلغ السلف لـ "أ" بعد مدة طويلة هل في هذه الحالة يجب على "ب" أن يقوم بإرجاع المال بزيادة من تلقاء نفسة، وهل لو اشترط "أ" عند أخذ المال أنه يريد زيادة فهل يجوز مع العلم في هذه الحالة لم يكن هناك أي شرط من البداية على موعد رجوع الفلوس لـ "أ".
لمحاولة الإجابة عن كل هذه التساؤلات تواصلنا من خلال موقع الفجر مع أ د /فتحي عثمان الفقي * * عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف*
وجائت إجابته كالأتي:- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ومن سارعلى نهجهم إلى يوم الدين وبعد: فالدين بمعنى “السلف”، نوعان قرض حسن، وقرض غير حسن ولا مجال لبحث الثاني هذا لأنه إذا كان رده بزيادة مشترطة فهو من الربا المحرم قولا واحدا، ومعنى أن القرض الحسن أني لو أخذت منك 100 جنيه أردها إليك بعد شهر أو شهرين أو حسب الأجل المحدد أي المدة المتفق عليها في لتسديد المال، ولا بد أولًا أن يحدد أجل سداد الديون لقول الله تبارك وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ” فلا بد أن يكون لسداده أجل مسمى لأنه لو لم نحدد وقت سداد الدين فسوف يترتب على ذلك نزاع وخلاف بين المسلمين، وكما قال رسول الله ﷺ:" لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
فلا بد من تحديد موعد لسداد الدين حتى لا يحدث نزاع وبسبب ما يحدث الآن من تغير قيمة العملة، ونذكر مثالًا يوضح ذلك فعند حدوث أول تعويم للجنيه سنة 2016 م كان قبل حدوث التعويم بيوم كان الدولار بـ 6 جنيهات ونصف وبعد التعويم بيوم صار الدولار بـ 13 جنيه ونصف فلو أن هناك شخصا قد اقترض مبلغا من المال من صديقه مثلا قبل التعويم 10000 جنيه وعندما أراد تسديدها بعد 2016 ستلاحظ أن الجنيه انخفضت قوته الشرائية إلى النصف وهذا يحدث ضرراَعلى المقرض المقرض للمال، وهذا ممنوع شرعا ومنهي عنه،
إذن لا بد من تحديد أجل سداد الدين ولكن إذا كنا قد حددنا أجلا أي موعدا لسداد الدين وتغيرت قيمة العملة أي الجنيه بالانخفاض فهل في هذه الحالة أسدد الـ 1000 جنيه بنفس العدد أم أسددها بقيمتها ومعنى تسديدها بقيمتها أن أربط قيمة القرض بسعر سلعة من السلع قال الفقهاء: لا يجوز أن أربط قيمة المبلغ الذي قمت باقتراضه أو قمت بإقراضه لشخص بمستوى أسعار السلع والخدمات مثل ”الأرز، والسكر، والزيت، والمكرونة " قال بذلك المجامع الفقهيه: لا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة بقيمة سلعة من السلع ولكن أقوم بربطها بالمعيار الشرعي وهو الذهب بمعنى أن الـ 1000 التي أخذتها منك أحسب كم تستطيع أن تشتري من جرامات الذهب فلنفترض أن المبلغ يشتري نصف جرام ذهب إذا عند تسديد الدين بعد سنة أقوم بتسديده بقيمة الجرام الذهب في نفس الوقت أي وقت السدادسواء زاد أو نقص هذه الحسبة الثابتة التي نحسب بها.
ثانيا: عند تغير قيمة العملة عند سداد الدين: أولا عندما أخذت منك 1000 جنيه لم تشترط علي في البداية أن أسددها لك بالقيمة أو بالمثل فلا يوجد أي شرط بيننا ولكن عندما أردت رد الـ 1000 جنيه لك قمت بإضافة 100 جنيه فوقها من تلقاء نفسي دون شرط منك ولا يوجد أي اتفاق بيننا فهذا جائز شرعا وقد سماه النبي ﷺ حسن قضاء، لأنه عندما قام النبي ﷺ واستسلف بكرا من أحد الناس وعندما جاء يرده له قال لأصحابه: " ردوا له البكر" فبحث الصحابة في أبل الصدقة فلم يجدوا إلا خياراَ رباعياَ أي “جملا كبيرا ” فقال الصحابة للرسول ﷺ لم نجد إلا خياراَ رباعياَ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أعطوه اياه فإن أحاسنكم أخلاقاَ أحاسنكم قضاءاَ “ أي أنتم أحسن في القضاء، مثال آخر بالعكس بمعنى أن له في ذمتى 100 جنيه وأنا معي 900 الآن وعرضت عليه أن يأخذ ما معي وعند تيسر الحال سوف أرد الـ 100 الباقية، فمن الممكن أن يقول لك أعطنى الـ 900 وأنا مسامح في الـ 100 الباقية وهذا أيضا يجوز شرعاَ ما دام لم يكن هناك أي شرط من البداية وهذا يسمى "حسن اقتضاء من الدائن ".
إذاَ عندما أقوم بإعطاء زيادة على مبلغ الدين الذي أخذته يسمى “حسن قضاء” أما عندما أسدد الدين الذي أخذته ناقصا ويسامح صاحب المال فهذا يسمى “حسن اقتضاء من الدائن” وفي الحالتين يجوز ذلك شرعاَ ما دام دون شرط.
وتابع الأستاذ الدكتور فتحي عثمان قائلا:- أنه غير جائز شرعاَ وجود اتفاق بزيادة الدين عندما أقوم برده لأنه قرض حسن والقرض الحسن يرد بمثله عددا وإلا طبق عليه حديث النبي ﷺ “كل قرض جر نفعا، فهو ربا ” وبرغم وجود كلام للمحدثين عن الحديث من حيث تضعيفه إلا أنه مؤيد بروايات أخرى كثيرة تعضده وتقويه.
و رغم ذلك حدث خلاف بين الفقهاء نظراَ للكلام في الحديث فاختلف الفقهاء في تسديد الديون عندما تتغير قيمة العملة بالانخفاض مثال عند انخفاض قيمة الجنيه فهل أسدد الـ 5000 التي أخذتها دينا من شخص كما هي عندما أقوم بردها أم أسددها بقيمتها عندما تنخفض قيمة العملة، اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة آراء. هل أسدد الـ 5000 بمثلها 5000 أم أسددها بقيمتها أي أقول كم كانت تشتري وقتها جرامات من الذهب وأطلب منك أن تأتي بنفس عدد جرامات الذهب.
الثلاثة آراء هي كالآتي:-
1/ ذهب جمهور الفقهاء ومنهم المجامع الفقهية الثلاثة " مُجمعي الفقه ومجمع البحوث الإسلامية قالوا: إن الديون تسدد بمثلها عددا أي الـ 5000 تسدد 5000 ذهب فجمهور الفقهاء يرون أن القرض هو دينُ استقر في ذمة المقترض والأصل في الديون أن تقضى بإمثالها فلا يجوز ربط الدين الثابت في الذمة أياَ كان مصدره بمستوى الأسعار سواء أرتفعت أو انخفضت.
2/ ذهب إليه الإمام أبو يوسف من الحنفية أن القرض الثابت في الذمة في حالة تغير قيمة النقود يرد بقيمتهْ وليس بالمثل فيراعى تغير قيمة العملة صعودًا وهبوطًا.
مثال لو اقترض شخص مبلغ 5000 منك في بداية السنة وانخفضت قيمة العملة في السنة التالية وأريد أن أسدد الدين لك وأعرف كيف أسدد لك الدينُ أقوم بمعرفة ذلك عندما أخذت منك الـ 5000 منذ سنة كم كانت تساوي من جرامات الذهب عيار 21 مثلا كان الجرام ب2000 جنيه أقوم بقسمة الـ 5000 على 2000 فيظهر لي عدد الجرامات، ويكون لك وقت أن أقوم بالتسديد الأموال لك قيمة عدد الجرامات سواء زادات أو نقص سعر الجرام.
3/ وهو يعتبر أعدل الأراء وأرجحها في المسألة وقد ذهب إليه بعض “المالكية” أن القرض المؤجل في ذمة المقترض يقضى بالمثل دون زيادة أو نقصان إن كان التغير أقل من الثلث، أما أن كان التغير يبلغ الثلث فصاعدًا فإنه يعتبر تغيرا فاحشًا يورث الغبن أي الظلم والحديث نهى عن الظلم والجور على حق الدائن أي المقرض فيرد القرض بقيمته.وهذا هو الذي عليه الفتوى * والله أعلى وأعلم *