فرد صاعقة مصرى سد فتحة نابالم بجسده
أسرار من داخل غرفة عمليات القوات المسلحة فى حرب الـ 10 من رمضان
لا تزال ملحمة العبور التى سطرتها القوات المسلحة المصرية فى شهر رمضان، لاسترداد أرض سيناء بالقوة، تعيد للأذهان عظمة وقدرة المصريين على التخطيط والتنفيذ، وكيف سحقت المؤسسة العسكرية المصرية فى ذلك الوقت أسطورة الجيش الذى لا يقهر، ودمرت كافة التحصينات المنيعة بأفكار لم تخطر على بال جيش نظامى فى ذلك الوقت، وأصبحت حرب الـ 10 من رمضان مادة علمية تدرس فى معظم الكليات العسكرية فى كثير من الدول، ليتعلم العالم كيف يمكن تحقيق المستحيل بإرادة وقدرة وإيمان عميق وانتماء متأصل فى جذور المصريين.
ولعل معظم أسرار معارك حرب الـ 10 من رمضان وما تلاها من أيام المعارك كانت فى أرض الميدان نفسه، إلا أن غرفة عمليات القوات المسلحة فى ذلك الوقت، كانت تتدفق فيها المعلومات من كافة مناطق المواجهة وهو ما يتذكره اللواء الدكتور أركان حرب " سمير فرج " مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية فيقول، " لازلت أذكر، جيدًا، جميع الأحداث التي مررنا بها من الهزيمة إلى الاستنزاف، ثم النصر يوم السادس من أكتوبر 73، كنت أصغر ضباط غرفة عمليات القوات المسلحة، سنًا، وأحدثهم رتبة، حيث كنت رائدًا، لم يمر أكثر من أسبوعين على تخرجي في كلية الأركان حرب ولما كان ترتيبي الأول، بتقدير امتياز، على دفعة قوامها 153 ضابطًا، من أكفأ الضباط، فقد تم توزيعي على هيئة عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، التي بدأنا التحرك منها لفتح مركز العمليات، الذي أديرت منه الحرب المجيدة ".
وقال اللواء أركان حرب " سمير فرج "، " فى نحو الساعة الثانية عشر ظهرًا، وصل الرئيس الراحل أنور السادات، مرتديًا زيه العسكري، يخلفه عدد من الجنود، يحملون صواني رصت عليها الشطائر والعصائر ولأن اليوم تزامن مع العاشر من رمضان، فلقد أمسك السيد الرئيس بالميكروفون، قائلًا، "إحنا في رمضان، وقد أفاد المفتي أننا في جهاد لتحرير الأرض المغتصبة، وعليه فقد أجاز الإفطار في نهار رمضان" ووجه بإبلاغ كل قواتنا، وأولادنا، على جبهة القتال في سيناء، بتلك الفتوى، بينما الجنود يمرون لتوزيع الشطائر، التي وضعناها، جميعًا، في الأدراج، ويشهد الله، أننا لم نتناول إلا الماء، عندما حان موعد آذان المغرب، وهو ما فعله الجميع على جبهة القتال ".
وأكمل مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية، " كان أسعد الأخبار التي تلقيناها، أولها نجاح قواتنا الجوية في الضربة الأولى بعدد 220 طائرة، ضد الدفاعات الإسرائيلية في سيناء، بعدها في نحو الثالثة ظهرًا، التقطت عناصر الاستطلاع اللاسلكي المصرية إشارة مفتوحة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، لجميع الطيارين الإسرائيليين، غير مشفرة لضمان سرعة قراءتها، يأمر قواته بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم، وهو مدى حائط الصواريخ المصري المضاد للطائرات، وهو ما يعني أن أي طائرة إسرائيلية تقترب لهذه المسافة، سيتم تدميرها وقتها أيقنت أننا سننتصر، وسوف نعبر القناة، وندمر خط بارليف، لأن القوات الجوية الإسرائيلية لن تتدخل في مرحلة العبور، رغم ادعاءات أنها "اليد الطولى" لإسرائيل ".
وتابع اللواء أركان حرب " سمير فرج "، قائلًا " أما ثاني الأخبار الثاني، رغم كونه حزين، إلا أنه دل على عظمة الجندي المصري؛ فقبل بدء عبور موجات القوارب، وعددها 12 موجة، كانت عناصر الصاعقة البحرية، قد غطست في قناة السويس؛ لسد فتحات "النابالم"، حيث كان العدو الإسرائيلي قد وضع في كل نقطة من نقاط خط بارليف، نحو 4 إلى 6 أنابيب نابالم، يتم ضخها في مياه القناة فور عبور قواتنا، فتتحول المياه إلى نار تحرق كل القوات التي تعبرها لذلك اندفعت قوات الصاعقة البحرية، حاملة عبوات لسد هذه الأنابيب، ففوجئت إحدى المجموعات، أن أحد نقاط خط بارليف به 6 مواسير بدلًا من 5، وهو ما لم يكن في الحسبان، إذ أن المجموعات المُكلفة بسد الفتحات، كانت تحمل إمكانات لسد خمسة، فقط ".
وأكمل اللواء " سمير فرج "، " قامت المجموعة بسد الفتحات الخمسة، أما السادسة، فقام أحد أفراد الصاعقة البحرية بسدها بجسمه، ورفض العودة مع باقي المجموعة ومع بدء عبور قواتنا لقناة السويس، تم إغلاق جميع الفتحات، بينما انفجرت تلك الفتحة، وحولت جسم هذا الشهيد العظيم إلى أشلاء، ولكنه نجح في منع النابالم من إشعال سطح مياه القناة، ونجحت قواتنا في العبور، ودمرت خط بارليف. هكذا كانت روح جنود مصر الأوفياء، الذين سيذكرهم التاريخ، دائمًا، فلولاهم، لما كنا نحتفل الآن بهذا النصر العظيم ".
واسترسل مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية قائلًا، " استمرت موجات عبور قناة السويس، بالقوارب، على مدار 12 موجة، كان خلالها رجال المشاة يقاتلون، دون دبابات، لصد كل الهجمات الاسرائيلية المدرعة، التي حاولت مقاومة قواتنا، وقهقرتهم للضفة الغربية، إلا أن أبطالنا المقاتلون، دون دبابات، والمعتمدين على سلاح "ر ب ج"، وصواريخ الفهد، فقط، تمكنوا بإصرارهم واستبسالهم وشجاعتهم، أن يدمروا جميع المدرعات الإسرائيلية، التي تصدت لهم، ونجحت قواتنا في التشبث بالأرض العزيزة في سيناء.
وأضاف اللواء " سمير فرج "، " ومع غروب شمس يوم السادس من أكتوبر، اندفعت العربات تحمل خراطيم الكباري، وتنزل مياه القناة، وتنجح، رغم ظلام الليل، في إنشاء خمس كباري على طول القناة وعلى ضوء القمر، وفقًا لحسابات خطة الهجوم، بدأت الدبابات والمدفعية تعبر إلى الضفة الشرقية للقناة، على الكباري المقامة، وفشلت كافة محاولات الطائرات الإسرائيلية في الاقتراب من قواتنا التي أنشأت الكباري، أو التي عبرت القناة، بفضل حائط الصواريخ المصري، الذي منع القوات الجوية الإسرائيلية من الاقتراب من قناة السويس، وصار، من يومها، أحد أهم أشكال الدفاع، في النظم العسكرية العالمية ".