حسين معوض يكتب : بيع بطاقات الموتى

مقالات الرأي

حسين معوض يكتب :
حسين معوض يكتب : بيع بطاقات الموتى

تنتشر حكايات المال الحرام على أطراف المدن.. صائدو الثرواث يسكنون هناك دائما، طمعا فى قطعة أرض اقترب منها العمران، أو صفقة مقاولات مشبوهة يبتعد بها صاحبها عن «أضواء المدينة» سعيا وراء اسم جديد يختبئ وراءه ويتلاعب من خلاله فى أموال الناس.. هناك تسمع عن حيل واختراعات آخر طبعة من الفساد، منها حكايات صغيرة، ومنها ما هو خيوط تسحبك إلى عالم أسطورى من الفساد.

على أطراف المدن تنتشر ظاهرة «الكمبوند» أو «المدن المغلقة» بداخلها قصور وفيللات وشقق فاخرة وسلاسل المحلات الراقية، أصحاب الكمبوند حصلوا على الارض بالمجان أو بدولار واحد للمتر، ليبيعوها بعد ذلك بآلاف الاضعاف، نعم آلاف الاضعاف، المتر الذى حصلوا عليه بدولار واحد باعوه بعشرات الآلاف من الجنيهات، بدون مبالغة.. لكن المفارقات فى مصر لم تترك أهل «الأطراف» على حالهم.. فقد طالتهم الأزمات السياسية وتورطوا فى حسابات أنظمة أسقطتهم وأفلستهم معها.

وبينما كانت مدن «الاطراف» مغلقة تحمل لقب «كمبوند» كانت هناك مدن اخرى مفتوحة، بدأت تزحف فى غفلة من الجميع، شوارع تمتد لكيلو مترات، على جانبيها إبراج شاهقة، مملوكة غالبا لمقاولين لم يجدوا سوى التيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين ملجأً لهم، هؤلاء اعتمدت تجارتهم على بطاقات الموتى، يقدمونها دائما لمهندس الحى الفاسد، ليكتب المهندس الذى يمثل الجهة الرقابية تقاريره التى تدين «الميت»، ويصدر الحكم بالسجن على «الميت»، والغرامة على «الميت»، بينما المقاول الكبير يجلس فى المسجد يسبح بحمد الله على نعمة التجارة فى بطاقات الأموات.. ومثلما سقط اصحاب «المدن المغلقة» على الاطراف.. بدأ الآن موسم سقوط اصحاب «المدن المفتوحة»، فقد استنزفوا الشوارع بتكديس آلاف البشر فيها بدون تخطيط، وعادوا للشوارع ليقتطعوا منها لحساب محلاتهم، حتى بارت تجارتهم وطالهم الافلاس بعد أن تجمدت أموالهم فى هيئة ابراج شاهقة خالية اثمانها غالية لا تجد من يشتريها.

لقد حكمنا تجار العقارات فى نهايات زمن مبارك، وتعاقب علينا تجار الحارات فى زمن الإخوان، ويبحث الآن تجار آخرون عن مستقبلهم السياسى فى جيوبنا.

لكن تجار العقارات لا يجلسون وحدهم على اطراف المدن، معهم تجار آثار، وهؤلاء لغتهم فى الارقام تبدو اكبر من قدرتنا على العد، ومفرداتهم غريبة، ويتداخل فى عقولهم ما هو خيالى بما هو واقعى، فمثلا الساحر عندهم شخصية ذات مكانة، وعظام الموتى وجماجمهم لها ثمن، وبعض حكاياتهم تبدو اسطورية، اعتقدنا فترات طويلة أن سيرة تجار الآثار تأتينا دائما فى صيغة مبالغات، حتى وجدناهم يجوبون العالم بما نهبوا فى أيام الثورة، وفى كل قرية أو مدينة يعرف الناس تجار الآثار بالاسم، وبعضهم معروف وصف ورسم وثمن القطع الاثرية التى نهبوها، وإن كان بعض تجار المخدرات الكبار يختبئون فى زى تجار الآثار، فمازال اهل القرى يعتقدون أن تجارة الآثار لا تقلل من شرفهم ولا تعيبهم وليست حرامًا.