د. أحمد يونس يكتب : التشوهات الجنسية تصنع من الإنسان كلباً
الأخت الرقيقة، صاحبة الصون والعفاف، التى ذبحت سائق التاكسى فى المنصورة بالسكين على الملأ، فيمَ تختلف بالضبط عن هند بنت عتبة التى انتزعت كبد حمزة عم النبى، لتمضغه قبل أن يبرد، بينما هى تصدر أصواتاً تنم عن منتهى التلذذ بالدم الذى يسيل على شفتيها المتشققتين؟ هل لنا أن نسأل الأخت الرقيقة، صاحبة الصون والعفاف، عن مشاعرها الجنسية أثناء الذبح؟ فالأمر لا يمكن أن يكون مقطوع الصلة بالتشوهات النفسو جنسية التى تنخر فى قلوب الأخوات وعظامهن ومراكز الإدراك المعطلة داخل كل منهن، الحرائر اللائى يمزقن ثياب أستاذاتهن فى رحاب جامعة الأزهر أو على قارعة الطريق، لتصويرهن عاريات بالموبايل، الحرائر اللائى يعانين من الجوع العاطفى يتفوهن بألفاظ غاية فى البذاءة، على طريقة المواخير فى قلعة الكبش قبل ثلاثينيات القرن الماضى، الحرائر الطاهرات يهشمن أعمدة النور والأبواب الزجاجية ورخام الأرضيات، ويحرقن الأشجار وبيوت الطالبات والأجهزة العلمية، هل ينتمين بالفعل إلى الجنس البشري؟ الإخوة أصحاب اللحى والزبيبة وبقية عدة النصب الذين يعربدون فى الطرقات، يلقون بالأطفال من فوق أسطح المنازل، أو يطلقون الخرطوش أو الرصاص الحى على الشباب اللى مالهومش حد، أو يتسلون بقضاء أوقات الفراغ فى التمثيل بجثث قتلاهم، هل ينتسبون إلى سلالة الآدميين؟ كل الأدلة تثبت غير ذلك.
قطعان العضاضين أو العضاضات من الكلاب السعرانة المعدلة تختلف عن السلالات التقليدية، ليس فى الشكل فقط، إنما كذلك فى أنها بالاضافة إلى الأجساد أصبحت تغوص بأنيابها الموبوءة فى مساحات البهجة أو الشجن أو مواطن الحلم أو التذكر أو القدرة على العشق، الشوارع تعجُّ بالكلاب السعرانة، ولا يمنع العين الخبيرة من أن تميزها سوى الاعتياد، تراها العين الخبيرة فيمن يرتكبون حتى هذه اللحظة نفس الجرائم التى سمح لهم بها المخلوع أو الأخلع. مازالوا يغشون الأدوية أو دعامات القلب أو لبن الأطفال أو فلاتر أجهزة غسيل الكلى بالمستشفيات الميرى، أو هؤلاء الذين يقتلون الناس عشوائياً مقابل مكافأة سخية من أموال النفايات القادمة من التنظيم الدولى.
تراها فى حاخامات التكفير أو اعداء الحرية أو الإبداع أو كل أولئك الذين أدمنوا النهش، ما يحدث فى مصر الآن أخطر من أن نكتفى حياله بالفرجة أو التأمل، كما لو أنه يقع هناك بعيداً فى تاهيتى أو نيكارجوا، البعض يطلقون عليه من باب الاستسهال انفلاتاً أمنياً، أجرى يا حبيبى العب بعيد.
كالكلاب السعرانة هم بالفعل أولئك الذين يتعرضون إلى الدق داخل جامعات السمع والطاعة، لا يختلفون بالمرة فيما بينهم عن الجنيهات المعدنية التى تدقها دار صك العملة، كالكلاب السعرانة، ليس فقط لأن النزوع الغريزى إلى التوحش هو الذى يرونه الطريق الأوحد نحو الاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها رغم أنف الناس إلى الأبد، إنما أيضاً لأنها تشكل فى منحنى الارتقاء البيولوجى قفزة واسعة إلى ما وراء الوراء. بالضبط كالكلاب السعرانة هى كل الاتجاهات الشمولية بغض النظر عن طبيعة الشعارات التى تروِّج لها أو ماركة الوهم الذى تدفع ضحاياها الى تعاطيه، خاصة فى تلك الدول حيث كهنة الجماعات الفاشية المتسربلة بالدين ينحازون باستمرار إلى العضاض على حساب المعضوض، التشوهات الجنسية تصنع من الإنسان كلباً.
وقد ثبت بالدليل العلمى أن الذئب يحتل مرتبة بالغة التدنى بالمقارنة مع الكلب فى سلم التطور، كذلك فلقد ثبت بالدليل العلمى أن الكلب يصبح سعراناً حين يتعرض الى عضة ذئب، الفيروس المدمر - الذى يسرى مع هذه العضة الانتكاسية فى عروق الكلب المسالم غالباً، ليضرب مراكز المخ فى دماغه- هو المسئول الأول عن تلك السقطة الفجائية المرعبة فى ليل الاستذئاب، يكون الكلب المنزلى أو الضال قد أصبح سعراناً بالفعل عندما- بدلاً من النباح- يعوى، مطلقاً تلك الصرخات النحاسية المتقطعة التى تغمس الخبز الشمسى على طبليات الفقراء بملح الكوابيس، كلما بدا أن تلك المخلوقات الشبقة الى فقء العيون أو سحل الثوريات فى الشوارع أو مهاجمتهن بهدف الاغتصاب أو التحرش. السؤال هو: من عض الآخر أولاً لتنتقل إليه عدوى السعار؟ أخطبوط الإخوان المستمر بأذرعه الإرهابية أو المستوردة من كل دمامل العالم.. جماعات الذبح التى لا ترتوى إلا بالدم؟ أم طائفة البلطجية التى ترتكب المجازر الجماعية لمن يدفع بالدولار من قطر أو تركيا أو إسرائيل؟ الوقائع الدامغة تثبت كل يوم أن ما فعلته ثورة 30 يونيو هو أنها فتحت الدمل، ولم يخطر على بال أحد أن بداخله كل هذا الصديد.
المهم أن الكلب عندما يعتريه- بالضبط أيضاً كالذئاب- خوف جنونى من ظله الذى يتصور هو أنه يلاحقه عامداً أينما ذهب، وقد سيطر عليه هاجس- يأبى الانصراف- بأنه سينتهى- لا محالة- بافتراسه، خوف جنونى من النار التى يتدفأ عليها القرويون أو المهمشون فى عشوائيات المدن الأشبه بالقنابل الموقوتة التى لا يعرف أحد متى تنفجر، أو فى مواجهة الضوء الغائم الذى يتسرب فى نوافذ عشش الصفيح، ما يدفع إلى الدهشة حقاً هو أن الإنسان- إذا عضه كلب مسعور- بدأ فى المشى على أربع، فضلاً عن ظهور سائر الأعراض الغريبة الأخرى عليه، عندئذ، يكون الإنسان هو أيضاً قد هوى فى الفراغ نحو عصر الاستذئاب.
أظن أن داء السعار- بشكله التقليدى المتعارف عليه طبياً- ليس بالقطع هو الوحيد، مظاهر السعرنة أكثر فى الواقع من أن تحصى أو تعد، وعلى عكس ما يردده البشر غير المصابين، فلقد حقق العضاضون الذين تربوا تحت أقدام المخلوع أو الأخلع ثروات طائلة، عندما تمكنوا من تحويل أمراض فردية- كانت نادرة حتى عهد قريب- إلى أوبئة مقيمة تفتك بالملايين، وعلى رأسها: السعرنة. بالفعل استطاع خبراء العض جمع المليارات فى فترة قياسية، بفضل جرائم القتل الجماعى عن طريق الاغتيالات والقتل الممنهج ضد الثوار والجنود فى سيناء، الأغرب هو أن هناك من ينفق تلالاً من الأموال لينتشر داء العض بين الإخوان، أو مستخرجات الإخوان، على وزن مستخرجات الألبان، هناك من ينفق تلالاً من الأموال لكى لا ننجح فى علاج الكلاب السعرانة.
المأساة الحقيقية تكمن فى أن كل الأمصال أو الكمامات ما عادت تجدى، وأن جميع تلك الكلاب السعرانة مازالت تحتفظ- خارجياً- بملامح البشر، هنا- على وجه التحديد- تكمن المأساة الحقيقية هنا على وجه التحديد.