مطران طنطا للروم الارثوذكس.. المسيحية ديانه قوية
قال المطران نيقولا انطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الارثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، ووكيلها للشؤون العربية، في تصريح له ان المسيحية ديانة قوة، والدليل عظة يسوع على الجبل.
واضاف: البعض ممن هم من داخل الكنيسة وكثيرون ممن هم من خارجها يرون أن المسيحية هي ديانة ضعف واستسلام، ذلك على ما ورد من عظة يسوع على الجبل، بقوله في بشارة القديس متى: "أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فَحَوِّلْ له الآخر" (مت 39:5). وكذلك بقوله في بشارة القديس لوقا: "مَنْ ضربك على خدك فَاعْرِضْ (πάρεχε) له الآخر" (لو 29:6).
وتابع: عند متى الكلمة اليونانية στρέψον = strepson معناها "فَحَوِّلْ" أي "أَدِر"، وهذا المعنى هو حرفي. وهي تعني "الدوران تمامًا"، "التحويل إلى اتجاه آخر". أما عند لوقا الكلمة اليونانية πάρεχε = parekhe مصدرها الكلمة παρέχω وهي كلمة مركبة تتكون من مقطعين: المقطع الأول παρά = para ومن معانيه في الكلمات المركبة "الجانب". والمقطع الثاني الفعل ἔχω = ekho (بما في ذلك صيغة بديلة σχέω = skheo المستخدمة في أزمنة معينة فقط) ومن معانيه "أَرْجَع". وهو يستخدم في تطبيقات مختلفة جدًا: حرفيًا أو مجازيًا، ومباشرًا أو بعيدًا، ومثل الحيازة أو القدرة أو التواصل أو العلاقة أو الشرط. من هذه التطبيقات له الكلمة "πάρεχε"، فيكون معنى قول لوقا "فَاعْرِضْ (πάρεχε) له الآخر"، الذي هو "أَرْجَع له الجانب الآخر"، معنًا مجازيًا وليس حرفيًا، وذلك بالمقابله مع قول متى الحرفي الذي لا يقبل الترجيح بين الحرفي وبين المجازي. ذلك أن لكل كاتب من الإنجليين الأربعة حرية الأسلوب في الكتابة إن كان حرفيًا أو مجازيًا.
واردف: إن هذا القول المجازي للوقا الإنجيلي هنا استُخدم في الكتاب المقدس، فقد ذُكر أنه كان ليسوع الناصري أربعة أخوة بقول مرقص الإنجيلي: "أليس هذا هو النجار ابن مريم أخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان. أوليست أخواته تقيم عندنا" (مر 6:9)، مع أنه لا توجد آية واحدة في العهد الجديد تذكر أن أحد المدعوين إخوة يسوع ولدتهم مريم العذراء أم يسوع. كما دُعي لوط أخًا لإبراهيم في سفر التكوين رغم كون إبراهيم عمه (تك 8:13). كذلك يسوع في مثال الإنسان الذي كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا ووقع بين لصوص، عَرّف الغريب الذي صنع معه الرحمة بأنه صار "قريبه" (30:10-37). وأيضًا قول يوحنا الإنجيلي: "وكانت واقفات عند صليب يسوع، أمه، وأخت أمه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية" (25:19)، في تقليد كنيستنا أن مريم زوجة كلوبا هي ابنة خالة العذراء مريم أم يسوع، لأن العذراء مريم ليس لها أخت، كما يوحنا المعمدان. بالأخذ في الاعتبار أن البيئة التي نشأ وعاش فيها الإنجليون هي بيئة شرقية، إن كلمة "أخ" في المجتمعات السورية القديمة وكذلك في اللغة العبرية واللغة الآرامية تشمل جميع أبناء العائلة الواحدة ولا تنحصر بالأشقاء فقط. وفي لغاتنا اليوم تستخدم كلمة "أخ" للإشارة إلى ابن (بنت) العمّ أو أبن (بنت) الخال، ابن أو (بنت) العمّة وابن (بنت) الخالة.
واستطرد: مما سبق قوله، يكون قول يسوع في متى (الحرفي) وقوله في لوقا (المجازي) بالمعني هو: "مَنْ لطمك، ضربك، على خدك الأيمن فدِر (محولًا وجهك له بحيث يكون خدك الآخر مقابله) وترك المكان الواقف فيه الذي لطمك بعيدًا عنه". هذا العمل هو العمل بما أوصى به يسوع عند متى، بقوله: "لا تُقاوموا الشر"، أي لا ترد الشر بالشر. كما أن عند كل من متى ولوقا يسوع قال: "خدك الآخر"، ولم يقل: "خدك الأيسر".
واكمل: إن قول يسوع عند متى: "لا تُقاوموا الشر"، أوضحه بولس الرسول بأنه يعني "لا تُقاوموا الشر بالشر"، ذلك بقوله: "«لا تجازوا أحدا عن شر بشر». معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس. إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانا للغضب، لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. فإن جاع عدوك فأطعمه. وإن عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه. «لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير»" (رو 17:12-21).
واضاف: غير أن قول يسوع "لا تقاوموا الشر" لا يعني عدم مقاومة الشرور الواقعة علينا بغير حق بالاعتراض عليها. ذلك كما فعل يسوع عندما قال للخادم الذي لطمه: "إن كنت قد تكلمت رديًا فاشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني" (يو 18: 23)، فيسوع لم يقاوم الشر بالشر، فلم يلطم الخادم وصحح خطؤه باظهار أن ما فعله غير مقبول. وكما فعل أيضًا بولس الرسول عندما طلب رفع دعواه إلى قيصر عندما شعر أنه سيُظلم من اليهود في المُحاكمة بأورشليم (رو 7:25-12).
كما أن هذا القول ليسوع لا يعني أننا يجب ألا نقاوم الخطيئة، فيوحنا المعمدان وبخ الرئيس هيرودس على خطيئته مؤكدًا له أنه لا يحل له أن يتزوج هيروديا إمرأة فيلبس أخيه (مت 3:14-10)، وكذلك لا يعني أننا يجب ألا نقاوم البدع والهرطقات وتعاليمها، وأيضًا التعاليم المضللة والشرور الكثيرة أو عدم مقاومة أخطاء القادة..
وتابع: بالإضافة إلى ما سبق، فإن المسيحية تمتلك تقليدًا طويلًا مع معارضة العنف، وكتابات آباء الكنيسة أبرزت هذا، فكتب أوريجانوس: «لا يمكن أبدًا أن يذبح المسيحيين أعدائهم، حتى لو كان أكثر الملوك والحكام والشعوب إضطهادًا لهم، وكان ذلك سببًا لزيادة في عدد وقوة المسيحيين». وكتب إكليمندس الإسكندري: «قبل كل شيء، لا يُسمح للمسيحيين في استعمال العنف». كما جادل ترتليان بقوة ضد كل أشكال العنف، معتبرًا الإجهاض والحرب والعقوبات القضائية حتى الموت شكل من أشكال القتل. وتعتبر هذه المواقف لثلاثة من آباء الكنيسة والتي تتمسك بها اليوم الكنيسة الأرثوذكسية جزء أساسي من الإيمان المسيحي.
واختتم: في هذا السياق، من المناسب التحذير من فرض مفهوم خاطئ على هذه الآية. وتبرير انتشار الظلم بكل أشكاله والامتناع عن مقاومته باسم يسوع المسيح وما قاله في الموعظة على الجبل. فهذا تشويه لتعاليم يسوع المسيح ولتعاليم الكتاب المقدس. وهو أيضًا فهم مغلوط للآية وسياقها وخلفيتها ومعانيها.. في ضوء ما سبق، إن المسيحية ليست ديانة الضعفاء والبسطاء والمظلومين، بل هي ديانة قوة، كما قال الرسول بولس: "لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كور 10:12)؛ لأن الانتقام هو الطريق الأسهل والأقرب ولكن عواقبه ومتاعبه خَفِيّه لذلك فهو اختيار النفوس الهشة والضعيفة. أما النفس القوية فلا تقبل باختيارات الضعفاء، فمهما بدى الشر منتصر في البداية فإن الخير هو الفائز الأخير بالمعركة بأكملها. ولنتذكر دائمًا إن أفضل دواء للعنف هو العفو والتسامح.