محمد نجم الدين يكتب: الفضاء الإلكتروني والجزر المنعزلة
يقول ”بريان سوليس" وهو أحد الخبراء المعروفين في قيادة الفكر والتحول الرقمي إن “وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بعلم الاجتماع وعلم النفس أكثر من تعلقها بالتقنية والتكنولوجيا”.
ومن البديهي أن زيادة التواصل بين البشر يتبعه زيادةً في الأُلفةِ والمودةِ فيما بينهمن إلا أن الواقع نجده على خلاف ذلك، حيث أسهمت وسائل التواصل الحديثة في تعميق الخلافات وغرس بذور الفُرقَةِ وجعل أفراد الأسرة الواحدة يعيشون في جزرٍ منعزلة لا يفصل بينهم بحور وإنما يفصلهم عن بعضهم البعض تلك الجدران الباردة من الفضاء الإليكتروني.
حتى إن بعض الجلسات والتجمعات العائلية نجد فيها أغلب الحضور منشغل بهاتفه المحمول لمتابعة مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصا موقع (فيس بوك) المنتشر استخدامه بشدة في مصر وموقع (إكس-تويتر سابقا) المنتشر أكثر في دول الخليج العربي، وهذا لا شك سلوك دخيل على مجتمعاتنا العربية التي كانت الألفة والمحبة تظللها منذ عقود معدودة وكانت تلك التجمعات العائلية فرصة سانحة لتبادل الأخبار وتجاذب أطراف الحديث ونقل الخبرات الحياتية من الكبار إلى الصغار مما يعمق أواصر المحبة بين الأهل ويقوي روابط الأخوة إلى حد بعيد.
ذلك إضافةً إلى الكثير من الأضرار النفسية والإجتماعية التي تؤثر بشكل خطير على الفرد والمجتمع جراء إستخدام تلك المواقع والتطبيقات بشكل مفرط على سبيل المثال لا الحصر مشكلة تعرض العديد من المستخدمين وخصوصا في فترة المراهقة للتحرش الجنسي والعنف الإليكتروني وكثيرا ما يترتب على ذلك تراكم للضغوط التي تؤثر سلبيا بشكل كبير على الصحة النفسية لهؤلاء المراهقين.
وهناك أيضا مشكلة كبيرة يعاني منها أغلب مستخدمي مواقع وتطبيقات التواصل الإجتماعي ألا وهي انتهاك الخصوصية وتسريب البيانات والمعلومات الخاصة ؛ فبعض الافراد ينشر أدق تفاصيل حياته وجولاتها السياحية ولا يتخيل ان البعض قد يستخدم ذلك للإيقاع به كفريسة لمحاولات النصب أو الابتزاز كما أن البعض الآخر قد يستخدم بيانات المستخدمين المتاحة على تلك المواقع في أغراض تجارية كتطفل الكثير من مروجي السلع والخدمات علينا تليفونيا بمكالمات بيعية لا تقع نهائيا في نطاق اهتمامنا بما يمثل إزعاج صريح وخصوصا مع تكرار تلك المكالمات.
ومع ذلك نجد ان لهذه المواقع والتطبيقات العديد من الإيجابيات والاستخدامات النافعة ومن المهم أن نستفيد بتلك المزايا العصرية ونتجنب سلبياتها القاتلة حتى لا تساهم في زيادة الفجوة النفسية والاجتماعية داخل الأسرة العربية".