عادل حمودة يكتب: ١٠ خطوط حمراء بين مصر وإسرائيل
نتنياهو وبايدن رجلان يدفعان المنطقة إلى عواصف النار أحدهما هارب من تجنيد النازية والآخر يعانى من الشيخوخة
نتنياهو يقامر بحياة الأسرى ومعاهدة السلام وعلاقته بالولايات المتحدة ومستقبل حكومته ويصر على دخول «رفح»
حملة بايدن تعترف للعرب فى أمريكا: أخطأنا فى حرب غزة
بايدن شريك فى مجازر نتنياهو ضد الفلسطينيين بالسلاح والفيتو ونصائح الحرب
فى زمن تحول فيه حكام العالم إلى ملاكمين ليس على العرب أن يديروا خدهم الأيسر لمن يضربهم على خدهم الأيمن.
ليس عليهم المشى من الحائط إلى الحائط طلبا للسترة.
لكن السترة فى عواصف النار ليست استراتيجية دفاعية وإنما سياسة جمعية خيرية.
ولو تصورت دولة! عربية واحدة أنها بعيدة عن شرر حرب إسرائيل فى فلسطين ما يكفى لضمان السلامة فهذا وهم يجب علاجه.
إن الجغرافيا السياسية ــ كما تفهمها إسرائيل ــ لا يكتبها المعلمون فى المدارس وإنما يكتبها قادتها المتطرفون وجنرالاتها العنصريون.
أكثر من رئيس أركان فى إسرائيل عبر بوضوح أن طائراته قادرة على الوصول إلى أبعد مكان فى الدول العربية.
ليست هناك دولة مواجهة ودولة مباعدة.
نحن العرب كأسنان المشط يجب أن تكسرها إسرائيل واحدة بعد الأخرى حتى تقيم على الأنقاض مملكة «يهوه» من البحر إلى النهر.
وعندما يقول «نتنياهو» إن الحرب ستغير الشرق الأوسط فهو لم يقصر فى تنبيهنا.
وعندما يرفع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة جديدة للدولة العبرية تتجاوز حدود فلسطين فهو يهددنا.
وعندما يصف جيشه بأنه أكثر جيوش العالم أخلاقية فعلينا أن نحذر تماما.
علينا أن ندرك أننا سنكون ــ بعد الفلسطينيين ــ الضحايا المحتملين.
الجيش الأخلاقى قتل وجرح نحو مائة ألف شخص فى أربعة أشهر.
الجيش الأخلاقى دمر مدن وقرى غزة وشرد شعبها.
فى يوم ٩ فبراير ٢٠٢٤ نشر «ناحوم بارمية» المحلل العسكرى لصحيفة «يديعوت أحرنوت» شهادة طبيب إسرائيلى استدعى للخدمة فى غزة.
اعترف الطبيب بصدمته عندما شاهد بنفسه جنود الجيش الإسرائيلى وهم يسرقون وينهبون كل شىء من بيوت الفلسطينيين.
مدوا أيديهم على أسطوانات الغاز وأجهزة التليفزيون والدراجات الهوائية والنارية والهواتف والحلى وحتى فرشات الأسنان.
وبعد أن ينتهوا من السطو يحرقون البيوت بلا سبب.
قائد الكتيبة دافع عنهم قائلا: «لا بأس».
الطبيب ليس ضد الحرب ولكنه غير مصدق أن من يرتدى ثياب الجيش يتصرف مثل اللصوص.
والحقيقة أن الجنود الإسرائيليين لم يخرجوا عن التعاليم الدينية بل مشوا عليها وكأنها الصراط المستقيم.
فى خريف عام ٢٠٠٩ نشر الحاخامان «إسحق شابيرا» و«يوسف إليتسور» كتاب «شريعة الملك» أو توراة الملك» أو بالعبرية «تورات هميلخ».
فى الكتاب سرد لا يتوقف من فتاوى قتل (العرب) الأغيار (غير اليهود) فى السلم والحرب ونهب ممتلكاتهم واغتصاب أراضيهم حتى يرضى الرب عن اليهود ويفسح لهم الجنات.
لا يفرق الكتاب بين عربى مقاتل وعربى مسالم.
لا يفرق بين عربى ضد التطبيع وعربى مع التطبيع.
كل العرب عند اليهود أغيار.
وإذا ما حانت الفرصة للجيش الإسرائيلى بالاقتراب من شعب عربى ما فإنه سيتصرف بالأخلاق نفسها التى تصرف بها فى فلسطين ومصر وسوريا والأردن ولبنان التى تعرضت شعوبها إلى مجازر جماعية لا تزال تكتشف حتى الآن.
والمؤكد أن «نتنياهو» يبيح لنفسه فعل كل ما يريد مهما غضب العالم منه وسخط عليه.
بل أكثر من ذلك لم يعد يعبأ بالرئيس الأمريكى أو الكفيل الأمريكى.
إن الأحداث التى وضعت الشرق الأوسط فى حزام الزلازل المدمرة فرضت علينا رجلين من طرز نبذهم التاريخ.
«نتنياهو» الهارب من متحف النازية حاملا معها أفكارها وأساليبها وجرائمها.
و«بايدن» الهارب من مستشفى لعلاج الشيخوخة حتى لا يتعرض إلى اختبار الخرف.
وهما معا يحاربان معركتهما الأخيرة للبقاء فى السلطة ولو سددنا نحن الكمبيالات نيابة عنهما.
وفى الوقت نفسه لم يعد كل منهما يطيق الآخر.
لقد تمرد «نتنياهو» على «بايدن» وأعلن العصيان السياسى عليه فى حالة غير مسبوقة لرئيس أمريكى من رئيس حكومة إسرائيلية.
فتح «بايدن» له مخازن الأسلحة الحديثة واستخدم الفيتو وحضر ومساعدوه الكبار اجتماعات «مجلس الحرب» لكن «نتنياهو» اعتبر ذلك واجبا مفروضا عليه لبقاء إسرائيل بؤرة استعمارية تحقق الأهداف الأمريكية فى المنطقة.
ساند «بايدن» القاتل ضد القتيل والسارق ضد المسروق والضارب ضد المضروب والظالم ضد المظلوم لكن «نتنياهو» لم يعترف بالجميل وإنما سعى إلى إحراجه واضعافه وربما إسقاطه فى الانتخابات الرئاسية القادمة.
وحاول «بايدن» أن يسترد أصوات العرب التى فقدها فبعث برجال من البيت الأبيض إلى ولاية ميتشجان- حيث أكبر جالية عربية- ليعترفوا بأن الحرب على غزة لم تكن قرارا صائبا.
وفى محاولة لكسب أصوات الشباب المنصرف عنه صرح علنا بأن ما تفعله إسرائيل تجاوز الحدود.
بل قاطع اتصالات «نتنياهو» عدة أسابيع لكنه عاد واستسلم.
وخرجت المظاهرات فى ولايات أمريكية تصفه بالقاتل الغارق فى دماء الأبرياء.
أليس هو من قدم الأسلحة والذخائر وصوت ضد إيقاف الحرب؟
ألم تنفخ سياسته الفاشلة فى عواصف النار حتى أدت إلى قتل وإصابة جنود أمريكيين فى حادث «البرج ٢٢» شمال شرقى الأردن؟
لكن «نتنياهو» يعرف جيدا أنه لم يعد يناسب البيت الأبيض والرهان عليه سينتهى بخسارة خاصة بعد أن تكالبت عليه أعراض ما بعد الثمانين.
يخلط بين الرئيس «السيسى» والرئيس «المكسيكي» ويتحدث عن لقاء بينه وبين الرئيس الفرنسى «فرنسوا ميتران» الذى رحل منذ ثلاثين سنة.
المثير للدهشة أن هذا حدث بعد أن دافع عن ذاكرته وسلامته العقلية.
وارتكب «بايدن» جريمة الاحتفاظ بوثائق سرية فى بيته التى اتهم بها «ترامب» من قبل.
احتفظ «بايدن» فى ولاية «ديلاوير» بتلك الوثائق منذ أن كان نائبا للرئيس «باراك أوباما».
والمؤكد أن الأمور اختلطت عليه.
ادعى أنها ليست وثائق سرية لكن المحقق «روبرت هور» أثبت أن بها معلومات شديدة الحساسية وادعى أنها كانت محفوظة فى مكان آمن ثم ثبت أنها وضعت فى جراج سياراته وادعى أنه لم يطلع عليها ثم ثبت أنه كشف ما فيها لكاتب مذكراته عن السنوات التى قضاها نائبا للرئيس.
برأ التقرير الذى وقعه «روبرت هور» بايدن من تهمة سوء التعامل مع الوثائق السرية لكنه وصفه بأنه «رجل مسن حسن النية وضعيف الذاكرة».
واستغل «ترامب» زلات لسان «بايدن» بهجوم شرس عليه مشددا أنه غير مؤهل لتولى الرئاسة أو خوض انتخاباتها.
اصطاد «ترامب» فى الماء العكر.
لم يكتف بالسخرية من «بايدن» بل ادعى أنه لو كان مكانه لأنهى الحرب فى يوم واحد لصالح إسرائيل.
بالقطع نزلت كلمات «ترامب» بردا وسلاما على قلب «نتنياهو» وربما شجعته على الاستمرار فى الحرب حتى يأتى إلى البيت الأبيض خلال الخريف القادم.
كان ضعف «بايدن» وتراجع فرص فوزه وراء عناد «نتنياهو».
كل ما فعل أنه لم يتصل به عبر الهاتف.
كأنها مشكلة شخصية أو مشكلة عائلية وليست مشكلة سياسية.
فى ٣١ يناير ٢٠٢٤ نشر «توماس فريدمان» وثيق الصلة بالخارجية الأمريكية مقالا فى صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «عقيدة بايدن حول الشرق الأوسط قيد التشكيل» لمعالجة آثار الحرب على المصالح الأمريكية حدد لها ثلاثة مسارات: موقف حاسم من إيران وأذرعتها ومبادرة غير مسبوقة لدولة فلسطينية وتحالف موسع مع السعودية.
ولكن «بايدن» بدأ أضعف من أن يفكر فى استراتيجية جديدة بعد أن رفض «نتنياهو» كل ما يطالبه به.
والحقيقة أن أنانية البقاء فى السلطة التى تمكنت من «نتنياهو» تجاوزت «بايدن» وغير «بايدن» وهو يصر على دخول مدينة رفح بريا.
يعترف بأنه سيخسر الحرب إذا لم يدخلها لتفكيك أربع كتائب للمقاومة.
لم يبال بأرواح الأسرى المحتجزين لدى حماس والذين قتل وجرح منهم الكثير فى العمليات العسكرية الإسرائيلية.
احتال على أسر المحتجزين والجنود الذين تظاهروا للإفراج عنهم.
تجاوز المظاهرات التى تطالب بانتخابات مبكرة والحرب مستمرة.
كان يعرف أن نتيجة الانتخابات لن تكون فى صالحه وأن نهايته لن تكون سياسية فقط وإنما جنائية أيضا.
توقعت استفتاءات الرأى العام أن يشكل «بينى جانتس» الحكومة بحصوله على ٣٧ مقعدا بينما هبطت المقاعد المتوقعة لنتنياهو إلى ١٨ مقعدا.
ودب الخلاف بينه وبين رئيس الأركان «هرتسى هاليفي» ومدير الموساد «ديفيد بنرنياع» ومدير الأمن الداخلى «الشابك» رونين بار» ومدير المخابرات الحربية «أمان» حول اقتحام رفح.
كانت وجهة نظرهم أن تلك الخطوة تهدد استمرار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وربما تؤدى إلى صدام مسلح بين البلدين.
كما أن العالم يتوقع مجازر يومية غير مسبوقة فى رفح بسبب وجود مليون ومائتى ألف فلسطينى فيها رغم أن سكانها لا يزيدون على مائتى ألف.
وساند محللو الصحف الإسرائيلية وجهات نظرهم وأضافوا أن الجيش المصرى أقوى جيوش المنطقة وأسلحته البرية والبحرية والجوية متطورة.
فلو انفض السلام مع مصر المستمر هادئا ٤٥ عاما فهل سيصمد مع دول عربية أخرى؟
كما أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لن ينهى المقاومة الفلسطينية بل سيمنحها حرية حركة أكبر فى التسلل إلى إسرائيل لتفجيرها ثم العودة بسهولة لطول الحدود.
لم يفهم «نتنياهو» أن تهديد الأمن المصرى لن يؤدى إلى استقرار اليهود على الجانب الآخر من الحدود.
لكن الأهم أنه لم يستوعب على ما يبدو أن أرض مصر وسيادتها وحدودها وسمعتها وكيانها عشرة خطوط حمراء لن يسمح للاقتراب منها.
لن نكون عقلاء فى غابة من المجانين.
لن نقبل بحلول وسط.
لن يكون خير الأمور الوسط.
لكن ألم يحن الوقت ليستوعب العرب الحقيقة التى أعلنها «نتنياهو» صريحة واضحة فاجرة بنفسه؟
إن العالم العربى ينام على مسلسلات الرعب ويصحو على مسلسلات الرعب.
اختلط عليه الأمر بين القنبلة والقرنفلة.
بتعبير «نزار قباني» لا يزال العالم العربى كمبيالة مؤجلة الدفع حتى إشعار آخر.