د. سوكارنو يكتب : قراءة فى قانون التظاهر المصرى مع مقارنته بالقانون الامريكى والبريطانى

مقالات الرأي



حق التظاهر يعتبر من حقوق الإنسان التى تحتويها المواثيق الدولية وتكفلها الدساتير فى معظم دول العالم. لا شك أن هذا الحق ليس مطلقا بمعنى أن يتظاهر الناس فى أى مكان وفى أى وقت. مثل هذا السلوك لا يعد تظاهرا بل يمثل الفوضى التى تؤدى إلى انتهاك حقوق الآخرين. لذلك فإن أعتى الدول الديمقراطية وضعت قوانين تنظم التظاهرات من حيث المكان والمدة الزمنية. ولا تتوانى فى مواجهة أى تجاوز أو انتهاك لهذه القوانين بصرامة

الجدير بالذكر أن بعض الدول (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة) تحدد مواقع معينة يسمح فيها بالتظاهر وتمنع التظاهر فى مواقع أخرى. فى 24 نوفمبر 2013م وبعد مرور حوالى ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير صدر قانون التظاهر المصرى غير أن بعض العناصر والكيانات الثورية وغير الثورية عبرت ومازالت تعبر عن عدم رضائها واستياءها من هذا القانون على اعتبار أنه ينتقص من الحريات ويحرم المواطنين من حق التظاهر وتنظيم المواكب وهو حق تكفله قوانين ودساتير العالم المتحضر كما أسلفنا.

وفى هذا المقال فإننا نبين أن الحقوق لابد أن تصاحبها واجبات والتزامات ويراعى فيها حقوق الجميع سواء من يشارك فى التظاهرة ومن لا يشارك. فغير المشارك له حقوق وعليه واجبات تماما كالمشارك الذى لديه حقوق وعليه واجبات. وهذه الثوابت تراعيها قوانين التظاهر فى الدول ذات الديمقراطية الراسخة كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

لعل القارىء يتساءل لماذا نعقد المقارنة بقوانين التظاهر فى هاتين الدولتين تحديدا. الاجابة على هذا السؤال ببساطة تتلخص فى أن الولايات المتحدة المريكية تعتبر أكبر وأقوى دولة ديمقراطية فى العالم حيث أنها أرست أعمدة الديمقراطية فى عام 1787 بعد مجهود استغرق 11 عاما فى كتابة دستورها. أما الدولة الثانية (المملكة البريطانية) فهى أعرق دولة ديمقراطية حيث صدرت وثيقة الماجناكارتا العهد العظيم فى عام 1215م.

لم يتوقف المصريون عن التظاهر خلال السنوات التالية لثورة 25 يناير لكن التظاهرات كانت دائما تتسم بالعنف حيث يسقط ضحايا ومصابين بعد كل تظاهرة. وحتى بعد انتخاب الرئيس السابق مرسى فى يونيو 2013 لم يتوقف التظاهر ولم تتوقف أعمال العنف والقتل ويرجع كل ذلك إلى أن التظاهرات كانت بعيدة كل البعد عن السلمية حيث أعتاد بعض المشاركين على حمل أسلحة نارية أو مولوتوف وكلنا شاهدنا عبر شاشات التلفزيون واليوتيوب أعمال العنف وإطلاق النار العشوائى على الموطنين. وكانت الحكومات المتتالية تتعرض لانتقادات شديدة لفشلها فى وقف العنف والإرهاب الذى عاشه المواطنون خلال سنوات ما بعد الثورة.

ولعل أعمال العنف والإرهاب ازدادت وتيرتها بعد ثورة 30 يونيو 2013م وبعد فض الاعتصام فى ميدانى رابعة والنهضة لدرجة أننا نضع أيدينا على قلوبنا قبل كل تظاهرة تنظمها القوى المعارضة لثورة 30 يونيو. من الملاحظ أن الكثير من المواطنين شعروا بالسعادة بعد صدور قانون التظاهر فى 24 نوفمبر 2013م والذى يتضمن ضوابط من شأنها المحافظة على المشاركين فى التظاهرة وعلى غير المشاركين فيها وعلى المنشآت والممتلكات الخاصة.

لعل القارئ يدرك أن الكثير من الدول الديمقراطية وضعت قوانين لتنظيم—وليس منع— التظاهرات. تجدر الإشارة أن الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت قانون التظاهر الأمريكى لأول مرة عام 1971م وتم تعديله فى عام 2006م. أما البرلمان البريطانى فلديه باع طويل فى إقرار القوانين التى من شأنها تقنين وتنظيم التظاهرات. لقد اصدر البرلمان قانون الإرهاب فى سنة 2000م وقانون البوليس والعدالة عام 2001م وقانون الإرهاب والجريمة والأمن فى 2001م وكل هذه القوانين من شأنها أن تطلق يد الشرطة فى الحد من حرية المتظاهرين وتقلل من حدة الاحتجاجات السياسية. وفى السطور التالية سوف نتناول هذا الموضوع من خلال ثلاثة محاور تمثل ضوابط للتظاهرات: سلمية التظاهرة وإخطار الجهة المختصة وتحديد أماكن التظاهرة.

تظاهرة سلمية

يتضمن قانون التظاهر المصرى على عدة مواد تمثل ضوابط للتظاهرات، منها ما جاء فى المادة الأولى التى تشير إلى أن تكون التظاهرة أو التجمعات سلمية وغير مسموح حمل أى نوع من الأسلحة النارية وحسب المادة 17 من هذا القانون فإن عقوبة حمل سلاح أثناء التظاهرة لا تقل عن سبع سنوات سجن وبالغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز 300 ألف جنيه. وإذا قارنا هذه العقوبة بالعقوبة الواردة فى قانون التظاهر الأمريكى فإننا نلاحظ أن العقوبة أشد وأكثر غلظة حيث تصبح مدة الحبس عشر سنوات إذا كانت التظاهرة مسلحة. أما فى بريطانيا فإن البوليس يتدخل فورا لفض التظاهرة فى الحالات التى تعتبر خروجا عن السلمية:

1. إذا عمت الفوضى فى المكان. 2. إذا حدث تدمير للمرافق العامة أو الممتلكات الخاصة. 3. إذا أدت إلى تعطيل مصالح ومعيشة المواطنين فى المنطقة. 4. إذا صارت تمثل خطورة على الأمن والصحة. 5. إذا أدت إلى تعطيل العمل فى مكان التظاهرة (البرلمان) وعرقلة دخول وخروج المواطنين.

إخطار الشرطة

من المفيد أن نشير إلى أن المادة الثامنة من قانون التظاهر المصرى يلزم المنظمين للتظاهرة ضرورة إخطار قسم الشرطة التابع له موقع التظاهر كتابة قبل تنفيذ النشاط بثلاثة أيام على الأقل وبحد أقصى 15 يوما على يتم تقديم المعلومات التى تتعلق بموعد ومكان وأسباب التظاهرة أو الموكب وأسماء القائمين عليها وفى حالة مخالفة هذه المادة يعاقب المنظمون بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن 30 ألف جنيه.

وهذه المادة لاقت الكثير من الانتقادات على اعتبار إنها تمثل عائقا للتظاهر وتعد انتهاكا لهذا الحق. لعل قراءة متأنية للقانون البريطانى يوضح لنا أن هذه المادة ليست اختراعا مصريا بل يتضمنها قانون أعرق الديمقراطيات وهو قانون البوليس والجريمة المنظمة الذى أقره البرلمان البريطانى فى عام 2005م حيث يلزم القائمين على التظاهرة أن يقدموا إخطارا للميتروبوليتان بوليس موضحا اليوم والمدة الزمنية للتظاهرة وكيفية القيام بها والفرد أو الجهة المنظمة للتظاهرة على أن يرسل الإخطار قبل ستة أيام على الأقل من الموعد المحدد وإذا حالت الظروف دون ذلك يقدم الإخطار إلى الجهة المختصة قبل 24 ساعة من التنفيذ.

تنظيم أماكن التظاهرة

من الواضح أن المادة الخامسة من قانون التظاهر المصرى تختص بمنع التظاهر فى أماكن محددة كدور العبادة الذى دائما يختار موقعا للتظاهر أو كنقطة انطلاق لها. وتأتى المادة السابعة لتمنع التظاهرات من قطع الطرق أو عرقلة مسار المركبات. أما المادة 14فتعطى الحق لوزير الداخلية فى أن يحدد حرما آمنا أمام المواقع الحيوية كالمواقع الرئاسية والبرلمانية ومواقع المنظمات الدولية والمنشات العسكرية والأمنية والنيابات والمحاكم والمستشفيات والمطارات والمؤسسات التعليمية الخ ويحظر على المتظاهرين نطاق الحرم المنصوص عليه فى هذه المادة. لا شك أن مخالفة هذه المواد عقوبتها لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين

وقد يعترض البعض على هذه المادة على اعتبار إنها تمثل قيدا مكانيا على التظاهرة. تجدر الإشارة أن هذه القيود ليست مقصورة على القانون المصرى إذ يتضمن القانون الامريكى قيودا مماثلة حيث يحظر التظاهر فى مواقع محددة كالبيت الأبيض والكونجرس ووزارة الدفاع ومراكز مؤتمرات الأحزاب. لقد تم إدخال تعديل لهذا القانون الذى بات يحمل رقم 347 بحيث يجرم التظاهر فى المواقع التى يتواجد فيها كبار المسئولين أى المواقع التى يزورها هؤلاء المسئولون.

فهذه المواقع تعتبر محظورة حتى مغادرة المسئول. وعقوبة المخالفة عبارة عن غرامة مالية وسنة سجن ومن الأعمال المجرمة أيضا قطع الطرق وإعاقة عمل المصالح الحكومية أو عرقلة وظائفها الرسمية وبعد التعديل الجديد لقانون التظاهر الأمريكى فإنه أصبح مجرما إعاقة الطرق المؤدية إلى المواقع المحظورة. وقد أبدى بعض الكتاب الأمريكيين استياءهم من هذا القانون على اعتبار أنه انتهاك للمادة الأولى من الدستور الامريكى والذى تم إقراره فى عام 1791م حيث تشير المادة إلى حق المواطنين فى حرية التعبير والتظاهر.

كذلك الحال بالنسبة للمملكة المتحدة حيث يتم تحديد مواقع معينة للمواكب ويمنع فى أماكن أخرى. فالمواكب ذات الأعداد الكبيرة يسمح لها فى محيط البرلمان والوايت هول لكنها ممنوعة فى محيط قصر باكنجهام أو 10 داوننج ستريت ويمتد الحظر حتى ميدان الطرف الأغر الذى يمثل المدخل الشمالى للوايت هول. ومن المعروف أن منتزه الهايد بارك به ركن يسمح فيه بالتظاهر والتعبير بحرية لدرجة أن بعض المواطنين ينتقدون الملكة فى ذلك المكان.

من المهم أن ننوه الى أن عقوبة اعاقة الطريق السريغ فى بريطانيا تصل إلى غرامة 1000 جنيه استرلينى. أما الكتابة على جدران منازل المواطنين فتعتبر جريمة فى المملكة وعقوبتها قد تصل إلى الحبس لمدة 51 شهر وغرامة 2500 جنية استرلينى.

ومن هذا المنطلق فإننا نقول إن هذا القانون مناسب لهذه المرحلة العصيبة التى تمر بها البلاد. وقد نتفهم لماذا يعترض بعض القوى على هذا القانون لكنهم يجب أن يدركوا أن مصر والمصريين عانوا كثيرا خلال وبعد الثورتين وآن الأوان لكى نلتقط أنفاسنا ونستريح قليلا ونلتفت إلى العمل والإنتاج لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد المصرى.

الاستاذ الدكتور / احمد سوكارنو عبد الحافظ

عميد كليه الاداب – جامعه اسوان