سوكارنو يكتب: "هل يصوت الشعب المصرى بنعم للدستور الجديد؟"
اعتاد الشعب على التصويت بنعم فى جميع الاستفتاءات منذ عام 1923م حيث وافق على دستور 1923م ومرورا بدستور 1956 ودستور 1958م ودستور 1971م ووصولا إلى دستور 2012م وحتى التعديلات التى أجريت على هذه الدساتير فقد قال الشعب نعم وكذلك الحال بالنسبة للإعلانات الدستورية التى لم يرفضها الشعب فى أى استفتاء. لقد قال الشعب نعم للإعلان الدستورى الذى صدر فى ديسمبر 1952 ثم الإعلان الدستورى الثانى فى يناير 1953م والإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى فى مارس 2011م. والسؤال: لماذا ينبغى أن يقول الشعب نعم لمشروع الدستور الجديد (سوف نطلق عليه دستور 2013) الذى أنجزته لجنة الخمسين فى شهر ديسمبر 2013م والذى سوف يستفتى عليه يومى 14 و15 يناير 2014م؟ وهل الدستور الجديد أفضل من دستور 2012؟
يختلف الدستوران من حيث الشكل والمضمون. فمن حيث الشكل يتكون دستور 2012 من ديباجة وخمسة أبواب وهذه الأبواب تشتمل على 236 مادة. أما دستور 2013 فيتكون من ديباجة وستة أبواب وتشتمل على 247 مادة. كما إن هنالك اختلاف بين الدستورين فى بعض المواد وكذلك يشتمل الدستور الجديد على مواد لا نظير لها فى دستور 2012. وفى السطور التالية سوف نحاول عقد مقارنة ببن الدستورين بغية التعرف على نقاط الاختلاف بينهما. ولعل هذه المقارنة سوف تساعد القارئ على اتخاذ القرار الصحيح عن قناعة.
أولا: خلافا لما يردده بعض المغيبين فإن دستور 2013 لا يختلف عن دستور 2012 فيما يتعلق بمادة الهوية والديانة. فدستور 2012 (فى مادته الثانية) يقر أن الدين الإسلامى هو دين الدولة والشريعة الإسلامية هو المصدر الرئيسى للتشريع. تجدر الإشارة أن دستور 2012 يتضمن مادة مفسرة للشريعة الإسلامية هى المادة 219 حيث توضح أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة. وإذا نظرنا الى دستور 2013 فإننا نجد أن المادة الثانية جاءت كما هى فى دستور 2012م وصياغتها كالتالى: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. أما بالنسبة لتفسير هذه المادة فقد تم إلغاء المادة 219 وتم الاكتفاء بالرجوع الى ديباجة الدستور التى تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور وحيث تشير الى أن مجموع أحكام المحكمة الدستورية هى المرجع فى تفسير المادة الثانية.
ثانيا: تشير المادة 6 من دستور 2012 إلى أنه لا يجوز قيام حزب سياسى على أساس التفرقة بين المواطنين؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدين. وهذه المادة لا تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، فيمكن أن يقوم حزب على أساس دينى طالما لا يحرم أصحاب الديانات الأخرى من الانضمام إلى صفوفه. وبمقارنة هذه المادة بنص المادة 74 فى دستور 2013 فإننا نجد نصا صريحا يحظر قيام الأحزاب على أساس دينى حيث تبين أنه لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى.... . وهذا النص يقطع الطريق على تكوين الأحزاب على أساس دينى.
ثالثا: المادة 10 من دستور 2012 تضع المجتمع جنبا إلى جنب مع الدولة فى الحرص على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وهذا النص كفيل بفتح المجال لتكوين جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وإذا قارنا هذه المادة بالمادة (10) من دستور 2013 نجد أن دستور 2013 يقر أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية لكنه يشير صراحة أن الدولة هى المنوط بها العمل على تماسك واستقرار المجتمع والمحافظة على قيمها.
رابعا: المادة 134 فى دستور 2012 يضع شروطا للترشح لرئاسة الجمهورية حيث اكتفت المادة أن يكون المرشح مصريا من أبوين مصريين وألا يكون قد حمل جنسية دولة أخرى ولم تشر المادة إلى جنسية الأبوين من قريب أو بعيد ولعل هذه المادة أتت نتيجة ضغوط حازم أبو إسماعيل الذى حرم من المشاركة فى الانتخابات الرئاسية السابقة على اعتبار أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية. أما المادة 141 فى دستور 2013 فقد أعادت الشرط الذى يتعلق بجنسية الأبوين مرة أخرى حيث تشير المادة إلى أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية مصريا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل أو أى من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى....
أما الاختلافات التى تتعلق بباقى شروط الترشح لرئاسة الجمهورية فهى قليلة بين الدستورين حيث تشير المادة 135 فى دستور 2012 الى ضرورة حصول المرشح على تزكية 20 عضوا على الأقل من مجلسى النواب والشورى أو أن يؤيده ما لا يقل عن عشرين ألف مواطن فى عشر محافظات على الأقل. أما المادة 142 فى دستور 2013 فهى تتعلق بضرورة حصول المرشح على تزكية 20 عضوا على الأقل من مجلس النواب (ولا وجود لمجلس الشورى) أو أن يحصل على تأييد 25 ألف مواطن (بدلا من عشرين ألفا) على الأقل فى 15 محافظة (بدلا من عشر محافظات) على الأقل.
خامسا: المادة الخاصة (198) بالمحاكمات العسكرية فى دستور 2012م يشتمل على نص فضفاض حيث تشير إلى أنه يجوز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى الجرائم التى تضر القوات المسلحة. ووفقا لنص هذه المادة فإن المواطن قد يتعرض للمحاكمة العسكرية حتى لو اصطدم بسيارة تابعة للقوات المسلحة لأنه بذلك قد ارتكب جريمة تضر بالجيش. وإذا تشاجر مواطن مع رجل من القوات المسلحة فإنه سوف يتعرض للوقوف أمام النيابة العسكرية تمهيدا لعرضه على المحكمة العسكرية. أما المادة 204 فى دستور 2013 فقد اقتصر على إحالة المدنيين إلى المحاكمة العسكرية فى الجرائم التى تمثل اعتداءا مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. تجدر الإشارة أن لفظة بسبب توضح أن الاعتداء يكون نتيجة مباشرة لأداء عمل عسكرى كأن يكون الجندى فى مهمة حراسة لموقع عسكرى مثلا. فإذا حدث اعتداء عليه فهذا الأمر يستحق الإحالة الى محكمة عسكرية. أما إذا تم الاعتداء على ذات الشخص فى مطعم فإن هذا يستحق الإحالة الى محكمة مدنية.
سادسا: المادة 220 فى دستور 2012 تشير إلى إمكانية نقل عاصمة البلاد إلى مكان آخر. لقد جاء فى نص المادة أنه يجوز نقل العاصمة إلى مكان آخر بقانون. أى يستطيع مجلس شعب إصدار قانون لنقل العاصمة من القاهرة إلى تونس مثلا. وفى المقابل فإن المادة 222 فى دستور 2013 فإنه لا يشير إلى إمكانية نقل العاصمة، فالمادة تقر أن مدينة القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية .
سابعا: تبين المادة 221 من دستور 2012 أن النية كان مبيتة لتغيير علم الدولة وشعارها ونشيدها القومى والدليل على ذلك أن المادة أحالت تحديد هذه الأمور للقانون : يحدد القانون علم الدولة، وشعارها، وأوسمتها، وشارتها، وخاتمها، ونشيدها الوطنى . وإذا نظرنا إلى المادة (223) فى دستور 2013م فإننا نجد أن ألوان العلم جاءت محددة: العلم الوطنى لجمهورية مصر العربية مكون من ثلاثة ألوان هى الأسود، والأبيض، والأحمر، وبه نسر مأخوذ عن نسر صلاح الدين باللون الأصفر الذهبى.... وبناء على هذه المادة الواردة فى الدستور الجديد فإنه لا يمكن تغيير معالم العلم المصرى.
سادسا: دستور 2012 لا يحتوى على أية إشارة من قريب أو بعيد إلى الحقوق الثقافية لأبناء مناطق النوبة وسيناء ومطروح ولا يعترف بحق أبناء النوبة فى إعادة توطينهم فى الآراضى إلتى هجروا منها فى الستينيات. أما دستور 2013 فإنه يعترف بالثقافات الأخرى كالنوبة وسيناء ومطروح حيث تشير المادة (236) إلى أن الدولة تكفل وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وهذه المادة تتضمن بندا خاصا بأبناء النوبة حيث توضح أن الدولة تعمل على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. . صحيح أن هذه المادة جاءت فى الأحكام الانتقالية غير أن مدة زمنية قد تم تحديدها وهى عشر سنوات.
لعل القارىء قد أدرك الفرق بين الدستورين ويستطيع أن يقرر بنفسه هل سوف يصوت بنعم ام لا. من المفيد أن ننوه أن هنالك مواد أخرى لم نتطرق لها فى هذا المقال وهى فى مجملها مواد جيدة، خاصة تلك التى تتعلق بالحقوق والحريات. خلاصة القول إننا لا نعول كثيرا على نتيجة الاستفتاء التى نتوقعها لكننا ننتظر تطبيق المواد الدستورية من خلال تشريعات قانونية يشعر بها رجل الشارع.
الاستاذ الدكتور أحمد سوكارنو عبد الحافظ
عميد كليه الاداب – جامعه أسوان