خطيب الجامع الأزهر: على المسلمين الرجوع إلى الله فيراهم حيث أمرهم ويفتقدهم حيث نهاهم
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر د. هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، ودار موضوعها حول "المسجد في الإسراء والمعراج"
وقال د. هاني عودة: إنه عندما نتحدث عن المساجد فلا بد أن نعلم أن الإسراء كان من مسجد إلى مسجد؛ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج بالنبي ﷺ من المسجد الأقصى إلى السماوات العُلا ليأتي إلينا بتلك الهدية التي يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، تلك العبادة التي فُرضت علي كل المسلمين، لتغرس في نفوسهم القيم التعبدية والأخلاقية والمجتمعية؛ من خلال تأديتها في المساجد قال تعالي: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ * رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ * لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ﴾.
ولفت خطيب الجامع الأزهر، إلى أن النبي ﷺ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ﴾.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن أول بيت وضع للناس المسجد الحرام مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، المسجد الحرام الذى أعاد بناءه سيدُنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، فلقد خرج إبراهيم عليه السلام بالسيدة هاجر المصرية وطفلها الرضيع إسماعيل عليه السلام، من شمال سيناء، فذلك النسب العظيم الذى يمتد إلى النبى محمد ﷺ، قال تعالي:﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
ولفت مدير الجامع الأزهر، إلى أن مصر الكنانة تحظى بمكانة كبيرة؛ فهي تقع بين بيت المقدس ومكة المكرمة، قال تعالي: ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ﴾، فالمقصود بالتين والزيتون بيت المقدس، وطور سينين يُقصد به مصر، والبلد الأمين يُقصد به مكة المكرمة، فلقد أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام بأن يخرج بالسيدة هاجر إلى أرض المسجد الحرام، ولم يكن البناء وقتها معلومًا لاختفاء معالمه بطوفان سيدنا نوح عليه السلام، فأراد الله لهذه البقعة أن تُعمّر؛ فكانت هجرة سيدنا إبراهيم بهاجر ورضيعها، فذهب خليل الله وترك أمنا هاجر ورضيعها في هذا المكان القفر الذى لا زرع فيه ولا ماء، وحين اشتد العطش عليهما، كان السعي بين الصفا والمروة، فنبع ماء زمزم تحت قدمي إسماعيل عليه السلام؛ لتتحقق دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.
ووضح خطيب الجامع الأزهر، الربط بين الإسراء والمعراج، ثم الربط بين المسجد الأقصى والسماوات العلا بالصلاة التي تكون بالمساجد؛ التي سميت بذلك لسجود العباد لله تعالى، وبالتشهد يتحقق أيضًا الربط بين الأنبياء جميعًا؛ صلى بهم النبى ﷺ إمامًا في بيت المقدس أولي القبلتين وثالث الحرمين. عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: قُلتُ يا رَسولَ اللهِ، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلُ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: المَسْجِدُ الأقْصَى قُلتُ: كَمْ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً، وأَيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهو مَسْجِدٌ. هذه المساجد لها من العظمة والثوابت والبركة مالها. أيضًا جبل طور سيناء، هذا الجبل الذى تجلى ربنا فيه لسيدنا موسى عليه السلام، الذى خر صعِقًا وظل فيها أربعين ليلة ليلقي الألواح. ولما أسره بنو إسرائيل، كتب الله عليه التيه في سيناء، قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.
وحث د. عودة المسلمين على تحري تلك النعم العظيمة ومعرفة فضلها الكبير قال ﷺ (الصلاة في المسجد الحرام تفضل على غيره بمائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة.) يعلمنا النبى ﷺ ذلك لنتعلق بالمساجد، فينشأ الشباب على طاعة الله، ويكونوا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وشد على تربية الأبناء على حب المساجد والذهاب إليها لأداء الصلوات فيها.
وختم خطيب الجامع الأزهر حديثه، بتنبيه المسلمين بالرجوع إلي الله بأن يكونوا دائمًا كما أمرهم الله، بأن يراهم حيث أمرهم، ولا يجدهم حيث نهاهم، وأن يتعايشوا مع المساجد، وأن يحافظوا على أداء الصلاة في وقتها فهي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وبذلك تتحقق القيم الاجتماعية من ترابط، وألفة، ومودة بين المسلمين أجمعين لا فرق بين غني ولا فقير، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.