خطيب الجامع الأزهر يحذّر الشباب من إضاعة الأوقات وغياب الأهداف واتباع خطوات الشياطين
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور هانى عودة، مدير عام الجامع الأزهر، والتى دار موضوعها حول: "سورة العصر وأركان الفلاح".
وقال د. هاني عودة، إن سورة العصر هي الثالثة عشرة فى ترتيب النزول عدد آياتها ثلاث آيات، وهى سورة مكية، قال عنها الإمام الشافعي لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم ولأنصلح حالهم جميعًا، لما فيها من العبر والتذكير، قال عنها العلماء أنها تحوي أركان الفلاح، مبينا أن الله عزّ وجلَّ بدأ هذه السورة بالقسَم ليلفت الأنظار إلى عظمة ما يُتلى فى هذه السورة، وحتى ينتبه كل إنسان منا ويعي ما ورد في هذه السورة، فقد وقعت هذه السورة بين سورة التكاثر التي تدعو الناس إلى الاعتبار حتى لا تلههم أموالهم ولا أولادهم عن ذكر الله، وسورة الهمزة التي توضح عقاب من يسير بين الناس بالغيبة والنميمة، فهذا ترتيب بديع من رب العالمين ليُذكر الناس بحقيقة لا ريب فيها وهي الموت، والحياة التي فيها العبر والعظات حتي يتدبرها الإنسان ويعيها.
وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلى آراء العلماء فى تفسير قوله "والعصر"؛ فقيل أنه عندما يقسم المولى عزّ وجلَّ بالزمان، فعلى الإنسان الانتباه إلى واقعه وأن ينظر إلى الأمم السابقة التي رحلت والأجيال التي فنيت، فالزمان هو الزمان، لكن الذى يفنى ويرحل هو الإنسان فقط. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، فالله سبحانه وتعالى سوف يحاسب كل فرد على ذنوبه وأعماله إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر قال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
وتابع د. عودة: إن المراد بالعصر هو عمر الإنسان ووقته الذى يعيشه فى هذه الدنيا، فعليه أن يغتنمه فى طاعة الله جل فى علاه. قال ﷺ اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك. وهناك رأي ثالث يقول أن الله أقسم بالعصر أى بصلاة العصر لعظم هذه الصلاة، ولما فيها من الفضل الكبير والخير الكثير لمن يحافظ على آدائها ورسولنا الكريم ﷺ يلفت الأنظار إلى ذلك لأن كثير من الناس يغفلون عنها. قال ﷺ منْ صلَّى الْبَرْديْنِ دَخَلَ الْجنَّةَ. والمقصود بالبردين هما صلاة الفجر وصلاة العصر، وسميا البردين لأن الماء يبرد فيهما. ويقول المولى عزّ وجلَّ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن العصر الذى أقسم الله به المراد منه أن يتفكر الإنسان ويتدبر لما فيه من عظات وعبر من أحوال الأمم السابقة. فهناك فرق كبير بين من استغل رسالته وبين من أضاعها. وفى هذا بيان لأهمية الوقت الذى يجب على الإنسان أن يقضيه فى طاعة الله ورسوله وان يحافظ على الصلوات لا سيما صلاة العصر وأن يؤديها فى جماعة. يقول ﷺ يتعاقبون فيكم ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ ويجتمعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ، ثمَّ يعرُجُ الَّذين باتوا فيكم فيسألُهم ربهم وهو أعلمُ بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّون وأتيناهم وهم يُصلُّون.
ولفت إلى أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ هو جواب القسم، والمراد أنه فى خسارة وهلاك غارق فيهما لأن الشيطان يعدهم ويمنيهم ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله فقد خسر خسرانًا، مبينًا: ثم استثني المولي جل وعلا المؤمنون وختم السورة بقوله: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ قرن فيها الإيمان الذى هو التصديق الكامل بكلام الله وسنة نبيه ﷺ واتباعهما بصدق تام ويقين جازم بالعمل الصالح الذى يرضي الله ورسوله، وينصلح به حال المؤمن مع نفسه ومع غيره، ثم تبعه بالتواصي بالحق حتى يتحقق التكامل والتسامح، ولأن طريق الحق مُرُ فلا بد له من الصبر على طاعة الله والامتناع عن معصيته فالحقه بالتواصي بالصبر. قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. علموا أنهم فى الدنيا لغاية محددة، وأنهم عنها راحلون، فهم فى اختبار وامتحان، فاستعدوا جيدًا لذلك باتباع ما جاء فى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ فتربع الإيمان فى قلوبهم وساروا على نهج النبى ﷺ.
واختتم حديثه بالدعوة إلى السير على هذا المنهج والتعايش معه، واتباع سنة النبى ﷺ حتى نفوز وننعم بالأمن والأمان والاستقرار، ويتحقق لنا استقلال الأوطان، وحتى نقيم شرع الله ونطبق سنة النبى ﷺ فى كل أمور حياتنا.