أحمد ماهر أبو رحيل يكتب: للحرب فوائد أخرى
مع سقوط الاتحاد السوفياتي حسب الكثيرون أن الحرب الباردة انتهت وأن التهديد بالحرب لم يعد ضروريًا، وأن التوتر على صعيد العالم سوف يتلاشى، وأن صناعة السلاح النووي لم يكن لها مبرر.
لكن نظام القطب الأوحد الذى تترأسه أمريكا حول صراع الحضارات إلى صراع الأيديولوجيات السياسية والهيمنة الاقتصادية، فكأن هناك حاجة دائمة للحرب والحرب تلزمها نفقات والنفقات شأن مالي واقتصادي، لكن الحرب تحتاج إلى عدو محدد، وإذا لم يكن العدو في مكان ما فالإرهاب في كل مكان والحرب على الإرهاب حرب عالمية ولا يبقى إلا الربط بين حرب الإرهاب وصراع الحضارات وانتقاء حضارة لتكون هدفًا لحرب الإرهاب توفره الدراسات الاستراتيجية والأنثروبولوجية إضافة إلى الأحقاد التاريخية.
وحيث لا تكتمل المبررات إلا عندما يكون العدو المهيئ ليصير موضوعًا للحرب ضعيفًا، وهكذا يقع الاختيار على الإسلام أو على العرب حيث أن الغش في الدراسات العلمية المتعلقة بالتاريخ والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا التى تدعم ذلك حيث أن هذه الدراسات لها سوق تستثمر فيها الإمكانيات العقلية كما تستثمر الأموال في سوق الأسهم وهذا واضح من مقولة "الاسلام فوبيا".
حيث صار العنف جزءًا من الحياة اليومية مع ظهور الرأسمالية، ولم يكن معدومًا من قبل وتعودت البشرية على حروب الإبادة وصار زوال الحضارات أمرًا مألوفًا لكن الرأسمالية الحديثة التي علمنا أنها فتحت منذ قرون عهدًا جديدًا بل تاريخًا جديدًا على أساس أن كل ما سبقها يدخل في عداد ما قبل التاريخ قائمًا على الإنتاج والتبادل، والتي تكرس عولمتها الراهنة على قاعدة الزعم بأنها تسهل التبادل التجاري، وأن التجارة والانفتاح يؤديان إلى الإزدهار في كل بقاع الأرض ولنضع في حسابنا المقولة الطريفة بأنه لم تقع حرب بين بلدين في كل منهما مطاعم ماكدونالدز). ولأن الإقناع بجدوى ذلك كله مستحيل ما بقيت للإقناع غير وسيلة واحدة هي الحرب، وحرب العراق خير دليل على ذلك بالاضافة إلى حرب أفغانستان وغيرها من الحروب.
لذلك يبحث النظام العالمى بشكل دائم عن أسباب له وطبيعي أن لا يجدها؛ لذلك فمن الضروري إذن أن يخترع الأسباب مستخدمًا وسائل الغش والكذب والخداع كما في بورصة الأسهم، ولكي تكتمل عدة شغل الكذب والخداع ينبغي أن تنقلب الأدوار، فتدعي الرأسمالية العالمية بأنها داعية سلام وأن الحرب يسببها الآخرون القادمون من حضارة ملعونة مدانة ويصبح العرب الذين دخلوا مفاوضات السلام منذ عشرة أعوام هم سبب الحرب، ويصير شارون داعية سلام، ويصير الفلسطينيون الذين وقعوا معاهدة أوسلو هم البنية التحتية للإرهاب، كما يصير الفريق الإسرائيلي الذي رفض أوسلو منذ البداية هو البنية الفوقية للسلام!!!
وإذا لم تكن الحرب للإبادة ومن الصعب تصديق أنه يمكن إبادة عشرات الملايين في هذا العصر؛ عصر تدفق المعلومات وتدفق الأمكنة دون تشويه سمعة القاتل حتى ولوكانت الرأسمالية وروادها هم القتلة، فالإنسانية تبقى متأصلة فى قلوب الناس وظهر ذلك جليًا فى المظاهرات والاحتجاجات التى خرجت لتندد بالمجازر التى يرتكبها العدو الصهيونى فى غزة فى كل بقاع العالم وعواصم المدن الكبرى فى أوروبا؛ حيث يجب الإشادة بالدور الإعلامى للمؤسسات الإعلامية فى غزة حيث لعبت دورًا كبيرًا فى توصيل الصورة بوضوح ونشرها فى كل مكان مما أدى إلى تعاطف الشعوب مع فلسطين وشعبها الذى يناضل من أجل حريته ووطنه ومستقبله.
كما أكبر دليل على أن للحروب فوائد أخرى حرب روسيا مع أكرنيا فكل الدول الغربية تحاول أن تهزم روسيا حيث إنها تدعم أكرنيا بكل إمكانياتها وذلك أيضا حفاظًا على النظام العالمى الحالى، وهو نظام القطب الواحد لأن عودة روسيا إلى الساحة الدولية بقوة مرة أخرى سوف يؤثر على سياسة النظام العالمى الحالى خاصة عندما يكون هناك داعم للقطب الروسى وهو الصين الأكبر اقتصاديًا حاليًا على مستوى العالم؛ فالصين قد غزت كل دول العالم بمنتجاتها فى جميع المجالات وفى جميع الصناعات، كما إنه لإنشاء مجموعة بريكس الاقتصادية لدور كبير على الاقتصاد العالمى حتى وإن لم يظهر دوره على الواقع الملموس حتى الآن لكنه بعدًا استراتيجيًا هامًا يجمع تحت لواءه أكبر اقتصاديات العالم؛ وهذه خطوة حقيقية وجادة للخروج من نفق القطب العالمى الواحد والوحيد.
كما هناك أدلة اخرى لفائدة الحروب بالنسبة للرأسمالية العالمية هو ترويج سوق السلاح الذى يقوم عليه الاقتصاد فى الغرب فلولا احتياج الناس للسلع لتوقفت المصانع؛ فكيف للدول الرأسمالية أن تهدم اقتصادياتها؟!
كما أن للحروب فائدة ايضا فى زيادة عدد الموتى فى العالم وتخفيف الضغط على الموارد العالمية الطبيعية فمحاولة قتلهم بالحروب العادية أو ىبالحروب البيولوجية شئ نافع بالنسبة لهم ويدعون إليه فى بعض كتبهم امثال "ادم سميث"
اما بالنسبة للحرب الفلسيطينية هى حرب فكر وأيديولجيات فى المقام الأول ومحاولة فرض السيطرة على الأرض وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد خاصة مع صعود اليمين المتطرف وأكبر دليل على ذلك هو تهجير الفلسطينين من شمال قطاع غزة ودفعهم إلى الهروب من الموت المحتم إلى الجنوب حيث رفح حيث الحدود المصرية، ولعل ذلك أفضل وقت لتصفية القضية الفلسطينية حيث أن صمود الدوب الروسى فى الحرب الأكرانية واقتصاده بمساعدة الدول الحليفة كالصين وكوريا الشمالية والهند وإيران ينذر بضرورة وحتمية تغيير النظام العالمى الجديد وعدم قدرة الإدارة الأمريكية على السيطرة على النظام العالمى بمفردها وهذا مؤشر على عودة النظام ثنائى الأقطاب وبالتالى يمكن للقطب الجديد أن يدعم القضية الفلسطينية ويرفض تصفيتها كما هو حادث الآن بالشجب والتنديد والاستنكار، ولكن فيما بعد قد يحدث تدخل عسكرى وتنتقل الحرب إلى حرب إقيميمة فى منطقة الشرق الأوسط.
كما أن فى النهاية يجب أن نشير على أن للحرب فوائد أخرى في التخويف وزرع الرعب في نفس كل من تسول له نفسه الاعتراض مجرد فقط الاعتراض، ولكن وجب التنويه بأن العالم الآن أصبح أكثر جرأة ووعيًا وفهمًا، فلم يعد بمقدور الغرب أن يكذب على الشعوب بحجة الانسانية وقيمها البناءة فلم يعد للحديث مصداقية.
حفظ الله مصر.. حفظ الله فلسطين.