قبل الجولة الأخيرة لمفاوضات سد النهضة.. 12 عاما من المفاوضات باءت بالفشل
أعلن الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري عن جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة ستُعقد في أيام 16 و17 و18 ديسمبر الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وتستمر أزمة سد النهضة للعام الثاني عشر دون الوصول لاتفاق، رغم تأكيد الرئيس السيسي دوما بأن مصر تراعي مصالح إثيوبيا وتدعم حقها في التنمية لكن دون أن يؤثر ذلك على أمن مصر المائي.
تواجه مصر أزمة نقص المياه وقد تراجع نصيب الفرد ليقترب من خط الشح المائي، وأصبحت هناك حاجة ملحة للاعتماد على الطاقة المتجددة لجعل تحلية المياه لإنتاج الغذاء ذي جدوى اقتصادية، واستخدام المياه المحلاة بأعلى كفاءة اقتصادية، والتعامل الآمن مع المياه شديدة الملوحة الناتجة عن عملية التحلية بدلًا من إلقائها في البحار والمحيطات بالإضافة إلى مشروعات الدولة الكبرى لسد العجز المائي منها تأهيل الترع ومشروعات الصرف الزراعي واستخدام الري الحديث وغيرها.
وبحسب الاتفاقيات التي وقعت بين مصر وأثيوبيا وما ينوب عنهما (في بروتوكول روما 1891 / أديس ابابا 1902 / لندن 1906 / روما 1925 / القاهرة 1959/ إطار التعاون بين مصر وأثيوبيا 1993 )، والتي نصت جميعها على الحفاظ على الموارد المائية لدولتي المصب، والتعهد بعدم الإضرار بالمصالح المائية من خلال إنشاء سدود المشاريع تعرقل تدفق المياه إلى تلك الدول دون الرجوع إلى قادة الدول الثلاث والاتفاق فيما بينهما.
تطورات الأوضاع في أزمة سد النهضة
واعتمدت السياسة المصرية في مشوارها من أجل حل الأزمة على الاعتماد على اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رؤساء الثلاث دول مصر والسودان وأثيوبيا في مارس 2015 بوصفه ملمحًا هامًا من ملامح التعاون وبناء الثقة بين الدول الثلاث، معلنه وحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل الشرقي "مصر والسودان وأثيوبيا “، والتركيز في المناقشات على أساس المنفعة المتبادلة بعدم الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع.
وقد خاضت مصر العديد من جولات المفاوضات منذ عام 2011 والتي اتسمت فيها الجلسات الأولى بتعنت إثيوبيا وعبر مجموعة من الجولات الأخرى التي تلتها حتى عامي 2014-2015 تمكنت مصر من صياغة شروط مرجعية للجنة الفنية الوطنية وقواعدها الإجرائية، والاتفاق على المعايير العامة لتقييم واختيار الشركات الاستشارية الدولية الموكل إليها أعمال الدراسات الفنية.
ثم انتهت إلى الاحتكام لبيت خبرة عالمي لتقييم السد وتحديد آثاره وتداعياته، وهي المرحلة التي انتهت في مارس 2015، حين تم الاتفاق على 7 مكاتب استشارية عالمية واختيار واحد من بينهم لتنفيذها.
واستمرت جولات المفاوضات في أعوام 2016 و2017 والتي استضافتها القاهرة والخرطوم حتى اقترحت مصر مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية، لتمتعه بخبرات فنية واسعة، تمكنه من تيسير عمل اللجنة الثلاثية، وهو الامر الذي رفضته أديس أبابا، كما كما لم تتفاعل الخرطوم مع المبادرة المصرية.
وفى فبراير 2019 التقى قادة الدول الثلاث على هامش القمة الأفريقية، المقامة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والرئاسة المصرية تؤكد إنهم توافقوا على عدم الإضرار بمصالح شعوبهم.
وفى أغسطس 2019 مصر تسلمت إثيوبيا رؤيتها بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وقد أعلنت وزارة الرى المصرية فى سبتمبر 2019 تعثر مفاوضات وزراء الري بين الدول الثلاث بالقاهرة، والفشل في الوصول إلى اتفاق لـ "عدم تطرق الاجتماع للجوانب الفنية".
وفى 6نوفمبر 2019 استضافت واشنطن الأطراف الثلاثة، بوجود وزير الخزانة الأمريكية، ورئيس البنك الدولي، وصدر بيان مشترك جاء فيه أنه تقرر عقد أربعة اجتماعات عاجله للدول الثلاث، وانعقدت الجولة الأولى من الاجتماعات فى 15 و16 نوفمبر 2019، والجولة الثانية كانت فى 2 و3 ديسمبر 2019 بالقاهرة، والجولة الثالثة فى 21 و22 ديسمبر 2019 كانت عن المشاورات والمناقشات الفنية حول كافة المسائل الخلافية انعقدت في الخرطوم.
وانعقد فى 8 و9 من يناير 2020 الاجتماع الرابع لوزراء الرى والوفود الفنية من الدول الثلاث ومصر وإثيوبيا تعلنان أنه انتهى دون اتفاق.
واستضافت واشنطن فى 13 و14 و15 يناير 2020 وفود الدول الثلاث، لتقييم نتائج الاجتماعات الأربعة السابقة، وخرجت المفاوضات بتوافق مبدئي على إعداد خارطة طريق، تتضمن 6 بنود أهمها تنظيم ملء السد خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد.
وفى 28 يناير 2020 واشنطن استضافت وفود الدول الثلاث مجددا، بحضور ممثلين عن وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، في محاولة لحل الأزمة.
وطالبت مصر رسميا تدخل مجلس الأمن بسبب أزمة سد النهضة فى 20 يونيو 2020، وأعلن الاتحاد الأفريقي رعايته لمفاوضات سد النهضة فى 26 يونيو 2020.
وفى 28 يونيو 2020 أعلن مجلس الأمن الدولي في جلسة لبحث أزمة سد النهضة دعمه لجهود الاتحاد الأفريقي لتسوية النزاع.
وأعلنت إثيوبيا بدء ملء السد فى 15 يوليو 2020، وانتهت منه فى 22 يوليو 2020، ثم فى 4 نوفمبر 2020 تم إعلان فشل مفاوضات سد النهضة.
رفضت السودان المشاركة في جلسة مفاوضات حول سد النهضة فى 21 نوفمبر 2020، وفى 8 ديسمبر 2020 أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري تعثر مفاوضات سد النهضة.
وقد زار الرئيس السيسى جيبوتى فى 30 مايو 2021 وأوضح إن الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية، والأمنية، والعسكرية كما أجرت مصر والسودان 3 تدريبات عسكرية مشتركة حملت أسماء: "نسور النيل 1" و"نسور النيل 2"، وآخرها استمر حتى نهاية مايو باسم "حماة النيل".
وفى 9 يونيو 2021 اجتمع وزراء الخارجية والري في مصر والسودان حول سد النهضة، وأعلنوا أن المفاوضات وصلت "إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبي"، وقد أعلنت الجامعة العربية دعم موقف مصر والسودان وتدعو مجلس الأمن لبحث أزمة سد النهضة فى 15 يونيو 2021.
وفى 3 يوليو 2021 ألقى الرئيس السيسي كلمته الشهيرة أثناء افتتاح قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود الليبية إن "الدولة المصرية تتفهم متطلبات التنمية الإثيوبية ولكن يجب ألا تكون تلك التنمية على حساب الآخرين"، وفى 8 يوليو 2021 عقد مجلس الأمن الدولي جلسة لبحث أزمة سد النهضة بناء على طلب مصر وأحال المفاوضات إلى الاتحاد الأفريقى.
وبدأت إثيوبيا فى الملء والتشغيل وقامت بالتخزين الثالث فى سد النهضة الذي انتهى 11 أغسطس 2022، عند منسوب 600 متر فوق سطح البحر بإجمالي تخزين 17 مليار متر مكعب".
وأعلنت أديس أبابا في 22 يونيو استعدادها لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزّان السدّ الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه وانتهت من التخزين في سبتمبر 2023.
وتوصل قادة الدول الثلاث لاتفاق باستئناف مفاوضات سد النهضة للوصول إلى اتّفاق حول ملء سدّ النهضة وتشغيله، إلا أنّ جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقًا.
وتأتي الجولة الأخيرة في أديس أبابا لتمنحنا الأمل في الوصول لاتفاق ملزم مع إثيوبيا قبل الملء الخامس للسد.
وقال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إن الوصول إلى اتفاق عادل وملزم قانونيًا بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة أمر بالغ الأهمية، لأن ذلك سيضمن عدم المساس بالحصص التاريخية لمصر والسودان من مياه نهر النيل، وذلك على خلفية المفاوضات الثلاثية التي عقدت بين قادة الدول الثلاثة بالقاهرة.
وأضاف الدكتور محمد مهران في تصريح خاص لـ "لفجر" أن هناك اتفاق على استكمال عملية التفاوض في منتصف ديسمبر الحالى بأديس ابابا للتوصل لاتفاق قانوني ملزم يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، لافتًا إلى أن إنهاء النزاع حول سد النهضة سيفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين الدول الثلاث في مجالات أخرى ذات مصلحة مشتركة، وسيعزز الأمن المائي للمنطقة بأكملها، مشددًا على أن الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد لتجنب أي نزاعات مستقبلية حول المياه.
وأكد مهران على أن القانون الدولي يؤكد على حق الدول المتشاطئة في الانتفاع العادل بمياه الأنهار الدولية، ونوه أن مصر لديها كافة المستندات والوثائق التاريخية التي تثبت حقوقها المائية التاريخية في نهر النيل، والتي يجب التمسك بها في أي اتفاقية مستقبلية.
وحذر من محاولات تجاهل الاتفاقيات والمعاهدات السابقة الموقعة بشأن تقاسم مياه نهر النيل، مشددًا على أن ذلك يتنافى مع القانون الدولي ومبادئه.