خبير آثار: الفتاوى والعصابات والأجهزة الحديثة أسهمت فى تهريب الآثار
أعلنت دار سوثبى للمزادات العالمية في لندن، عرض العديد من الآثار المصرية واليونانية والرومانية للبيع في مزاد علني وذلك يوم الثلاثاء القادم الموافق ٥ ديسمبر الجاري تتضمن ١٥ قطعة آثار مصرية نادرة، يبلغ سعرها بالمزاد ٩٣٥ ألف جنيه إسترليني أي ما يساوي مليون و١٨٢ ألف دولار أمريكي.
وفى ضوء ذلك أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أنه في سنين الفوضى قبل ثورة 30 يونيو انتشرت فتاوى دينية من غير المتخصصين تزعم بأن الآثار تعتبر من «الركاز»، ووافق هوى أصحاب المصالح الذين يصبحون فريسة سهلة لاستغلالهم عن طريق عصابات الآثار الدولية وأن تعريف الركاز في الإسلام هو ما وجد مدفونا في الأرض من مال الجاهلية، ويقصد بها حضارات ما قبل الإسلام، وقد أوجب الشرع فيه عند استخراجه الخُمس زكاة والباقي لمن استخرجه إن كان استخراجه من أرض يملكها أو من خربة أو من أرض مشتركة كالشارع وغيره.
وأوضح الدكتور ريحان أن هذا التعريف لا ينصب على الآثار لأن الآثار تضم مقتنيات من مواد وأشكال مختلفة ولا تقتصر على العملات فقط، كما أن تحديد فترة تاريخية للركاز لما قبل الإسلام يؤكد أن الآثار ليست ركازًا، لأن الآثار تضم كل العصور التاريخية بما فيها العصر الإسلامي.
ولفت إلى أن علماء الدين أنفسهم حذروا من الطرق غير الشرعية لاستخراج هذه الكنوز من الاستعانة بالسحرة والكهنة والمشعوذين وإيهام البسطاء أن هذه المقبرة مرصودة على قتل طفل مثلًا مما يؤدى إلى جريمة خطف وقتل بالإضافة إلى جريمة الحفر والتهريب، مما يستوجب استحقاق الإثم العظيم على فاعله، وبالتالي فإن التنقيب للبحث عن الكنوز حرام شرعا، لأنه يؤدي بصاحبه إلى اقتراف الذنوب والتهلكة.
وذكر الدكتور ريحان أن إقامة الجدار المذكورة في سورة الكهف آية 77- والذي يتخذها البعض للخلط بين الآثار والركاز- هي تأكيد القرآن الكريم على أن الركاز يختلف عن الآثار، وأن هناك دعوة للحفاظ على تراث الأجيال القادمة، حيث أقام العبد الصالح الجدار ليحمى ما تحته من كنوز ليستخرجها أصحاب الحق في ذلك وصاحب الحق في استخراج الآثار هي الدولة فقط ممثلة في الجهة المعنية بذلك وليست الأفراد مما يعنى التحريم للأفراد للبحث عن هذه الكنوز.
وهناك فتوى من الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أكد فيها على حرمة تجارة الآثار حيث قال: "لا يجوز شرعًا المتاجرة بالآثار، أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة، أو غير ذلك من التصرفات، إلا في حدود ما يسمح به ولي الأمر، وينظِّمه القانون؛ مما يحقق المصلحة العام".
وعن الجانب الاجتماعي يشير الدكتور ريحان بأن هناك عصابات دولية يعونها ممولين محليين يستغلون الحالة الاقتصادية والاجتماعية للحفر خلسة بمعرفة عصابات دولية تقوم بتهريب الآثار المستخرجة
وأوضح الدكتور ريحان أن الدولة انتبهت لدور العصابات الدولية في استغلال المهوسين بتجارة الآثار حيث تضمنت التعديلات الأخيرة في قانون حماية الآثار معاقبة عصابات الآثار التي تستغل المهووسين بالحفر خلسة في المادة 42 مكرر 1 ونصها «يعاقب بالسجن المؤبد كل من قام ولو في الخارج بتشكيل عصابة أو إدارتها أو التدخل في إدارتها أو تنظيمها أو الانضمام إليها أو الاشتراك فيها وكان من أغراضها تهريب الآثار إلى خارج البلاد أو سرقتها بقصد التهريب».
وعن الجانب الدولي أوضح الدكتور ريحان في حالة التنقيب غير الشرعي تكون الآثار المهربة غير مسجلة ولا تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، وبالتالي تعرض الآثار وتباع في المزادات العلنية بالخارج، وتقوم الجهات القائمة على العرض والبيع بتزوير شهادات عن ملكية القطع وتزور شهادات تصدير لها من دول أخرى غير دولة المصدر وتقوم العصابات المتخصصة في تجارة الآثار وتهريبها من الدول المختلفة والذى تعمل بها خبرات في الآثار والقانون والتزوير الدولي باختلاق شهادات ميلاد وأصالة للقطع وهى مزيفة بالطبع وذلك نتيجة غياب الحماية الدولية للآثار
وينوه الدكتور ريحان إلى أن المفروض بدلًا من مطالبة المجتمع الدولي للدول المنهوبة آثارها بإثبات ملكيتها لآثارها المنهوبة بطرق متعددة يطالب الجانب الحائز للآثار ويستبيح بيعها في المزادات أن يثبت شرعية حصوله عليها من دولة المصدر.
وأشار إلى أن هذه الآثار المنهوبة تعرض في متاحف العالم وفي المزادات العلنية على أنها آثار مصرية أو عراقية أو لبنانية أليس هذا اعترافًا ضمنيًا بأنها آثار تنتمى لهذه البلاد؟ فأين حقوق هذه البلاد ناتج عرضها وحقوقها في عودتها وأين حقوق هذه البلاد في وقف بيعها في المزادات التي تتحكم فيها عصابات فوق القانون في ظل غياب الحماية الدولية.
وأردف أن السؤال الذى يجب طرحه على الجانب الأجنبي حين يطلب مستندًا لملكية مصر للآثار المصرية المهربة لديه، هل تستطيع أنت أن تثبت لنا أن الآثار المهربة لديك هي آثارًا غير مصرية؟ وبأي تعريف ستبيع هذه الآثار؟ ستبيعها بالطبع على أنها آثارًا مصرية حتى تربح المليارات فهل يحق لك أن تسأل بعد ذلك مصر عن مصريتها؟.
ويطالب الدكتور ريحان بتعديل المادة 8 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته ونصها "تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة - عدا الأملاك الخاصة والأوقاف - حتى لو وجدت خارج جمهورية مصر العربية وكان خروجها بطرق غير مشروعة" والمطلوب تغيير الجملة "وكان خروجها بطرق غير مشروعة" إلى "بصرف النظر عن طريقة خروجها"
وبهذا تكون كل الآثار المصرية خارج مصر من الأموال العامة المصرية وينطبق عليها ما ينطبق على الآثار المصرية لحين استرجاعها دفع مبالغ نظير عرضها بالمتاحف المختلفة أو استغلالها بأي شكل مع حق معنوي لمصر في عرض هذه الآثار بالشكل اللائق وعدم تشويهها وعدم استنساخها وعدم إجراء أي دراسات عليها إلا بموافقة الجانب المصري خاصة المومياوات.مع العلم بأن القوانين المحلية ملزمة دوليًا، وقد طبقت إيطاليا قانونها المحلى واستعادت آثار من الولايات المتحدة الأمريكية
كما جاء فى ديباجة إتفاقية اليونسكو 1970 ومنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية "أن المؤسسات الثقافية يجب أن تتأكد أن المجموعات الثقافية بها تكونت وفقا للمباديء الأخلاقية المعترف بها في كل مكان
وجدير بالذكر أن من أهم المباديء الأخلاقية هي القوانيين الوطنية لكافة الشعوب التي تجرم الأفعال اللأخلاقية مثل السرقة وكافة الطرق غير المشروعة لكسب الأموال أو انتقال تلك الأموال، وبالتالى فالقوانين المحلية ضمن المبادىء الأخلاقية الواجب احترامها والعمل بها
كما يطالب الدكتور ريحان بإصدار فتوى واضحة من الأزهر للتفريق بين الركاز والآثار، وتحويل إدارة الآثار المستردة بوزارة السياحة والآثار إلى هيئة مستقلة تحت اسم "هيئة الآثار المستردة" كهيئة المتحف المصري الكبير على أن تضم آثاريين وقانونيين وخبراء مساحة وخبرات دبلوماسية وأمنية وإعلامية تتبنى استعادة الآثار المصرية بالخارج والحصول على حقوق مادية من المتاحف العالمية التي تعرض آثارًا مصرية أو تتربح من آثار مصرية مستنسخة أو تستخدم الآثار المصرية علامات تجارية في ضوء الضوابط القانونية الدولية والمحلية المنظمة لذلك مع احتفاظ مصر بحقها القانوني في المطالبة بعودة هذه الآثار وحقها الأدبي في طريقة عرض هذه الآثار بشكل مشرّف يليق بقيمة الحضارة المصرية.
وأشار الدكتور ريحان إلى وجود أجهزة حديثة تستخدم فى الحفر خلسة فيها أحدث تقنيات علمية بأجهزة مهرّبة لكشف عما في باطن الأرض من آثار يحصلون بمساعدة العصابات الدولية التى تقوم بتشغيلهم لحسابها وهى أجهزة متنوعة منها جهاز يصل سعره إلى 10 آلاف دولار ويعمل لعمق 20 متر وتروج له الشركات علنًا في ظل عدم تجريم استخدامها حيث إن قانون حماية الآثار لا يعاقب حامل الجهاز إلا لو قبض عليه داخل المناطق الأثرية ويساوي القانون بين الجهاز وأي معدة أخري
وأضاف الدكتور ريحان أن هيئة الثروة المعدنية أيضًا لا تجرم اقتناء الجهاز أو شرائه أو الاتجار به ولا يحتاج إلي ترخيص أو تصريح لكن استخدامه في المناطق الصحراوية يحتاج لتراخيص خاصة بالحفر والتنقيب من هيئة الثروة المعدنية وفقًا لقانون المناجم والمحاجر 86 لعام 1956 ويتم التعامل معه مثل بقية معدات الحفر وتحتاج لترخيص فقط عند العمل لكن حمله لا يجرمه القانون بالتالى فقد استغلت تلك الشركات عدم وجود نص قانوني يجرم تلك الأجهزة ووجود خلل قانوني وتشريعي سواءً قانون المحاجر أو قانون حماية الآثار أو قانون الاتصالات رغم أن بعض تلك الأجهزة متصل بشبكة الاتجار في الآثار الدولية وهي الثغرة التي تستغلها شركات الاستيراد التي تقوم بالاتجار فيها وبدأت في إنشاء المئات من الصفحات علي التواصل الاجتماعي لبيع تلك الأجهزة
ونوه الدكتور ريحان إلى أن هذه الأجهزة الغير قانونية والتى تستخدم بعيدًا عن أعين الجهات الأمنية بالطبع وتحميها ثغرات قانون حماية الآثار وهيئة الثروة المعدنية والاتصالات فيصعب اكتشافها وتحتاج إلى قوانين صارمة واستخدام طائرات عسكرية لمتابعة هؤلاء واستخدام أحدث أجهزة المراقبة عن طريق التصوير بالقمر الصناعي