د. رشا سمير تكتب: فلسطين الأمل.. وستبقى

مقالات الرأي

بوابة الفجر

نركض أحيانا في طلب الموت ليس سعيا وراء الحياة بل سعيا وراء البقاء..نركض أحيانا من أقدارنا ومن أحلام ربما تحولت إلى كوابيس في أذهان الصغار، أو أطلال بيوت لم تُبنى وأنقاض قضية لم تُنصف وبقايا أحاسيس لم يعرفها سوى أصحاب الأرض.

إنها صور صامتة وصرخات مكتومة ودموع لو فاضت لانقلبت موازين العدالة والإنسانية..

كيف نكتب عن الحرب في صفحات؟ كيف نروي كل تلك المآسي على الشاشات وفي الروايات؟

إنها الحرب..إنه القتل..إنه التهجير.. إنها قصة وطن..فكيف نكتب عنها؟

لكل قصة بداية ولكل رواية نهاية.. 

إرتبط إسم فلسطين منذ الأمد في أذهان العالم بمحاولات إستعادة الأرض المحتلة، بأطفال يحملون الحجارة ويقذفون بها المحتل الخسيس..إنها إذن قصة الإحتلال الغاشم والإستيلاء على أرض عربية ومحاولة تطويعها بالقوة لتحمل جنسية مزيفة. 

تبدأ الحكاية منذ أن سيطرت بريطانيا على المنطقة المعروفة بإسم فلسطين بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تحكم هذا الجزء من الشرق الأوسط، في الحرب العالمية الأولى، وقد زادت وتيرة المناوشات بين الجانبين عندما أعطى المجتمع الدولي لبريطانيا شرعية تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين التي تمثل بالنسبة لليهود أرض أجدادهم زورا وبهتانا..

في الفترة بين العشرينيات والأربعينيات، تنامى عدد اليهود القادمين إلى فلسطين، فكان العديد منهم ممن فروا من الاضطهاد الديني الذين تعرضوا له في أوروبا، باحثين عن وطن في أعقاب ما عرف بالمحرقة "الهولوكوست" في الحرب العالمية الثانية بسبب هويتهم العرقية والدينية على يد الحكم النازي في ألمانيا..

إنها المحرقة التي وقف العالم كله ضدها واصفا النازيين بأنهم مجرمي حرب، والغريب أن كل تلك البشاعة والقسوة التي تمت بها إبادة اليهود لم تتسبب ولو للحظة في إعادة الرحمة إلى قلوبهم أو تغاضيهم عن تلك الوحشية التي قرروا بها فجأة يوم 7 أكتوبر الرد الوحشي على المدنيين الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ وضرب المستشفيات زاعمين أنهم ليسوا من أطلقوا شرارة الحرب..إنهم يؤكدون كل يوم على صورتهم التي يوما قبلها العالم وهاهو اليوم يرفضها ويدينها، بل ويخرج البشر من كل صوب وحدب في مظاهرات عنيفة هزت أرجاء لندن وألمانيا وأمريكا وكندا ينددون ويهتفون ضد المحتل الغاصب، يطالبون بمحاكمة نتنياهو كمجرم حرب وبسقوط شرعية اليهود وعودة الأرض العربية إلى أصحابها..

الحقيقة أنني لا أرى ما حدث نكبة ولا نهاية، بل أراها خطوة إيجابية وأكيدة لبداية النهاية لدولة غاصبة..

إنها شمس تشرق على دولة عربية عانت طويلا في ظل الإحتلال وطالما صرخ أبنائها طالبين الدعم العربي والإلتفاف العالمي بلا جدوى، لم تبدأ معاناة هذا الشعب الصامد يوم 7 أكتوبر بل للمعاناة تاريخ أصيل طويل يبدأ منذ أن إستقبل الفلسطينيون هؤلاء القتلة على أرضهم وفتحوا لهم أحضانهم ليبادلوهم الورود بالرصاص..

ما دام روى لي صديقي العزيز القاص والمستشار الثقافي لسفارة دولة فلسطين العربية بالقاهرة ناجي الناجي عن قصص أطفال لم يهزمهم الإحتلال وشباب لم يتوروا أو يختبئوا خلف الجدران، بل قاوموا بكتابة الشعر وبالحكي وبالتطريز وبالرسم لتبقى الهوية الفلسطينية، حتى أصبحت القضية ثقافة تتحدى العالم وتحمل الرسالة لأجيال ربما لم ترى ولم تسمع، لقد كتب هو شخصيا روايات ليروي فيها للعالم كله عن القضية التي حملها هو وغيره على أكتافهم وبأقلامهم..ثم عاد يحكي لي اليوم وكله تفائل عن من قدموا أرواحهم فداء لأرض مقدر لها أن تبقى..

أتفق معك يا صديقي..فلسطين اليوم ليست عنوانا للسواد ولا للموت بل كانت وستظل عنوانا للأمل، راح من راح واستشهد من استشهد ولازال باقيا على قيد الحياة من يحملون خارطة فلسطين العربية في قلوبهم..

أكتب وكلي أمل وتفاؤل في نهاية وشيكة لقتلة الأطفال، أكتب وكلي أمل في أن تتوحد الصفوف العربية من أجل إعادة الحق وإعادة صورة العرب القوية التي كان صلاح الدين يوما عنوانها..أكتب والإبتسامة لا تفارق قلبي وأنا أشاهد ألاف المتظاهرين في كل عواصم العالم الذين بدأوا ينقبون في الكتب عن أصل القضية وجابوا الشوارع يطالبون بإسقاط إسرائيل ومحاسبة القتلة..أكتب وكلي تفاؤل وفخر لأن ضحايا تلك المجزرة صنعوا عنوانا جديدا للمقاومة وأعادوا القضية لتصبح عنوانا للساحة العالمية من جديد..

الحق سيعود حتما لأصحابه وستظل فلسطين العربية باقية مهما طال الزمان.

                                              [email protected]