د. مصطفى ثابت يكتب: فن إقالة الكفاءات
إذا أردت البناء المؤسسي فعليك بالكفاءات، وإذا أردت الهدم، فعليك بالإطاحة بهم، خاصة تلك الفترة التي تشهد تهميشًا لبعض القيادات الكفء، والتي تسببت النزاعات الشخصية في الإطاحة بهم، بدلا من الاحتفاظ بهم، مما يستدعي الأمر أن نطرح تساؤلا حول إقالة الدكتور حاتم جمال وكيل وزارة الصحة بالفيوم.
الدكتور حاتم جمال الدين، هو أحد أبناء المحافظة، والذي قاد محافظة الفيوم في مواجهة أزمة كورونا في الموجة الأولى، كان يشغل وقتها مدير مستشفى التأمين الصحي، وظل يواجه في الموجة الثانية والثالثة، وبعدها تقلد مدير مستشفى التأمين الصحي بحلوان، وسافر إلى السودان في مواجهة السيول وظل خلال شهر هو ومجموعة العمل يعملون ليل نهار، تحت الاضطرابات، وتعرض لمحاولة قتل مرتين من الفرق المتناحرة في السودان، ثم في 2021 تقلد منصب وكيل وزارة الصحة بالفيوم.
في عهده، تم افتتاح قسم الكلى الجديد بالفيوم العام، كذلك افتتاح قسطرة القلب بمستشفى طامية المركزي، وافتتاح قسم جراحات القلب والصدر بطامية، وافتتاح وحدة السكتة الدماغية بمستشفى الفيوم العام، وافتتاح وحدة التصلب المتعدد بمستشفى الفيوم العام، وافتتاح وحدة التفتيت بمستشفى الفيوم العام، افتتاح قسم المناظير التداخلية بمستشفى الفيوم العام، كما تم تطوير وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى طامية المركزي، وتطوير وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى سنورس المركزي، وهيكله توزيع الأطباء بالمديرية، وإدخال الصيدلة الإكلينيكية بمستشفيات الفيوم، وإدخال اعتماد الجهاز بمستشفيات الفيوم.
على الرغم من أن اقتصاد العمل الحديث يشهد تطورًا سريعًا، حيث تتغير توجهات الشركات والمؤسسات في اختيار واستقطاب الكفاءات والموظفين، خاصة وأن الكفاءات العالية تلعب دورًا حاسمًا في نجاح أي منظمة، لكن في بعض الأحيان، قد يلجأ بعض القادة إلى إقالة الكفاءات بدلًا من الاحتفاظ بهم، إلا أنه على الرغم من الحراك والنجاحات التي تمت في عهد الدكتور جمال، والتي يشهد عليها وزير الصحة شخصيًا، إلا أنه تم الإطاحة به.
عدم تحقيق الأهداف المنشودة، وعدم التوافق الثقافي، والسلوك غير المهني، جميعها أسباب من الممكن أن تتسبب في الإطاحة بأي قيادة، ولكن من لم تتوفر فيه تلك الأسباب فما الداعي إلى إقالته، سوى النزاعات الشخصية!
فما يحدث مع الدكتور حاتم جمال الدين، يذكرني بما حدث سابقا مع أحد القيادات التاريخية للقطاع الصحي في محافظة الفيوم وهو الدكتور صلاح أبو طالب، عندما تولى شؤون التأمين الصحي لمدة تزيد على 20 عاما، حقق خلالها نجاحات كبيرة يعيش على آثارها إلى اليوم قطاع التأمين الصحي في المحافظة، ونتيجة اختلافات شخصية مع أحد قيادات المحافظة حينها تمت الإطاحة به،على الرغم من أنه تحدى الظروف الصعبة وقتها وقاتل وحقق منظومة ناجحة يشهد لها الجميع وأسس مركز أورام الفيوم الذي يشهد له الجميع اليوم.
على الرغم من عدم لقائي بالدكتور جمال من قبل إلا مرتين فقط كانت في وزارة الصحة، لكن الحديث عن الاستياء الذي عم جموع الأطباء والعاملين بالمنظومة الصحية بالمحافظة، دفعني إلى الكتابة عن الإطاحة به، ولكني أرى أن هذا الطريق الخاص بالإطاحة بالكوادر الجيدة، سيقودنا إلى طريق لا يحمد عقباه، وأتمنى من القائمين على اتخاذ القرار تصحيح ذلك الوضع.
لأن حجم الخسارة الذي يتعرض لها الوطن، نظير تهميش الكفاءات مثل الدكتور حاتم جمال، بسبب أمور لا علاقة لها بمعايير اختيار المسؤول الناجح يكلف الوطن خسارة كبيرة، لأن في هذه الحالة من نعتمد على وصولهم، لم يصلوا بالاعتماد على قدراتهم، لأن المتتبع للواقع الذي نعيشه فيما يخص المنظومة الصحية بالمحافظة يظهر له جليًا مدى كفاءة هذه الشخصية التي تحملت المسؤولية في أصعب الظروف ومنها أزمة كورونا، وتم الإطاحة بها لأسباب بعيدة كل البعد عن معايير اختيار القيادات والكفاءات المناسبة.
وعلى المستوى الشخصي أشهد للدكتور حاتم جمال الدين أنه يطبق القانون كما يجب أن يكون والجميع عنده سواسية، فأنا بحكم أنني أحد أبناء محافظة الفيوم المهتمين بالعمل العام، أتلقى بعد الطلبات بالنقل وغيره ممن يعملون في القطاع الصحي، وكنت أتقدم بها للدكتور جمال وكانت غالبيتها لم يتم الاستجابة لها لعدم تماشيها مع سياسة المديرية في التوزيع، ورغم ذلك كنت احترم ذلك جدا وأقدره لأنه ينفذ القانون دون أي مجاملات، وهذا ما كان يحدث أيضا مع كافة النواب والشخصيات العامة في المحافظة وغيرها، يتلقى الطلبات ومن يتعارض طلبه مع سياسة المديرية كان لا يستجيب له نهائيًا.
رسالتي إلى المسؤولين عن هذا القرار بضرورة أن يكونوا مع الواقع، ويقوموا برسالتهم التي أوكلت إليهم بالعمل بإخلاص وأمانة، ومعاملة الجميع انطلاقا من مبدأ العدالة والتقييم العادل لكل من أوكلت له مسؤولية، لا لأمور أخرى تؤثر على الوطن بعدم الاستفادة من الكفاءات.
في النهاية أوجه رسالتي مرة أخيرة لأصحاب قرار الإطاحة بالدكتور حاتم جمال، وهي أن أهم ركيزة في عمل كل مسؤول وكل مؤسسة هي حماية وتعزيز سيادة القانون بترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والاستعانة بالكفاءات لا تصفية الحسابات والنزاعات الشخصية.