مدرّس لاهوت: الطب هبّة من الله للإنسان لاستعادة الصحة

أقباط وكنائس

كنيسة - أرشيفية
كنيسة - أرشيفية

شهد ومازال الطب العلاجي والجراحي قفزات كبيرة في علاج وشفاء البشر، عن طريق نقل وزراعة بعض الأعضاء في جسم الإنسان (كالكلية والقلب، والكبد، والبنكرياس، والنخاع العظمي، والقرنية، والجلد). 

وقد أصبحت هذه العمليات مصدر رضا وسعادة لكثير من المرضى الذين يعيشون تحت وطأة الآلام، ولكن رغم نجاح هذه العمليات، هناك تساؤلات أخلاقية كثيرة حولها. هل يجوز هبة الأعضاء أو نقلها؟ ما هو رأي الكنيسة؟ هل يكون النقل من واهب حي أو من واهب ميت أم من حيوان؟ هل يجوز بيع الأعضاء والمتاجرة بها؟.

من جانبه قال الأب أنطونيوس زكّا، مدرّس اللاهوت الأخلاقيّ، إكليريكيّة الاقباط الكاثوليك بالمعادي، وهب الأعضاء هي عملية نقل عضو أو أكثر من متبرع حي أو ميت إلى وزرعه في مستقبِل حيّ، ليقوم مقام العضو الذي يعاني قصورًا يعوق وظيفته.

وتابع “ زكا ” فى تصريحات خاصة لـ "الفجر" أن أنواع واهب الأعضاء من نفس الشخص، نقل خلايا من موضع لآخر في الجسم نفسه،ومن إنسان حى، يجب أن يكون راشدًا، ويتمتع بصحة جيدة تمكّنه الخضوع لهذه العملية دون أية مضاعفات، ومن إنسان ميت، وهي عملية استئصال عضو من شخص ميت، بعد التأكّد التام من موته دماغيًا، أي الموت الحقيقي الناتج عن توقف كل وظائف الدماغ، ويتم تشخيصه بواسطة فحص سريري من قبل أخصائيين، ومن حيوان إلى إنسان،نقل بعض الأعضاء كالقلب أو فص كبد من القرد أو الشمبنري.

وأكمل أن الطب هبّة من الله للإنسان لاستعادة الصحة اليه، لذلك فالأطباء مُلزمون دينيًا وأدبيًا بالحفاظ على وصايا الله وعلى كرامة الإنسان ومكانته السامية. لذلك يجب عليهم في مراعاة هذه الشروط في عمليات نقل وزراعة الأعضاء:

  • ينبغي أن يكون نقل الأعضاء الإمكانية الوحيدة لإنقاذ حياة المستفيد.
  • ألا يُشكّل نقل العضو، خطرًا على حياة الواهب وصحته، أو يُسبّب ضررًا جسيمًا يتعذر إصلاحه بالنسبة لحياة الواهب أو صحته أو قدرته على العمل. ومن جهة أخرى، ينبغي أن تكون نسبة تحسن الحالة الصحيّة  للمستفيد عالية جدًا لئلا تذهب تضحية الواهب سُدى.
  • لا يُسمح باستئصال عضو من شخص ميت إلاّ بعد التأكّد التام من موته دماغيًا.

واضاف، إنّ عملية وهب الأعضاء، من أسمى علامات المحبّة التي يقدّمها الإنسان لأخيه، فهي تعبّر عن بذل الذات على مِثال يسوع المسيح الذي قدّم ذاته فداءً عن البشرية. فالواهب لا يمنح عضوًا فقط، وإنّما يمنح جزءً من ذاته. فلا يوجد حب أعظم من أن يهب الإنسان أحد أعضائه إلى إنسان آخر يعرفه أو لا يعرفه، ليُنقذ حياته ويخفّف من معاناته.

لذلك على من يتبرع بعضو أن يدرك أنه يقوم بعمل إنساني جليل، عمل تضامن حقيقي لأخيه الإنسان. ويتطلب من مُستقبِل هذا التبرع أن يُدرك نُبل المتبرع، وكرامة عطائه الإنساني العظيم، الذي يجعله قادرًا من جديد على استعادة الصحة، وأن يعلم أنه أمام حقيقة حب لا يفوقه حبّ، وعطاء لا يفوقه عطاء.

 واشار، تسمح الكنيسة وتشجّع قرار وَهب الأعضاء الكنيسة وتمنحه الشرعيّة انطلاقًا من مبدأ المشاركة والتضامن مع مَن هم بأمسِّ الحاجة لإنقاذ حياتهم أو تخفيف الآمهم. وهذا ما تنص عليه الكنيسة الكاثوليكيّة في تعاليمها: 

"يكون نقل الأعضاء متوافقًا مع الشريعة الأخلاقيّة، إذا كانت الأخطار والمجازفات الطبيعيّة والنفسيّة الحاصلة للمُعطي تتناسب والخير المطلوب للمستفيد وإعطاء الأعضاء بعد الموت عمل نبيل وجدير بالثواب، ويجب تشجيعه على أنه علامة تضامن سخي. لكنه غير مقبول اخلاقيًا إذا كان المعطي، أو من يتولى امره من أقربائه لم يرض به رضىً صريحًا. ولا يمكن القبول أخلاقيًا بالتسبّب المباشر بالتشويه المولّد للعجز أو بالموت للكائن البشري، حتى في سبيل تأخير موت أشخاص آخرين" (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة رقم٢٢٩٦).

إن هذا النص المرجعي يعبر بوضوح وجلاء عن الموقف الأخلاقيّ للكنيسة الكاثوليكيّة في موضوع وهب وزراعة الأعضاء البشريّة، إنه موقف يسمح بل يشجّع هذه العملية الشروط التالية:

  • أن تكون محبة القريب هي الدافع على الهبة، وأن يكون الواهب الحي قد وافق على الهبة بملء حريته بعد تفكيرٍ واعٍ، وتأكد من سلامة صحته بعد التبرع. 
  • إن كان الواهب متوفي، يجب أن يكون التبرع -بعد تأكد موته الدماغي- برضى تام من قِبل ولي أمره، معالتشديد على معاملة جسده باحترام ومحبة، في الإيمان ورجاء القيامة (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة رقم 2300 و2301).
  • لا يجوز أن يحرّض أحد على هذا النوع من التضحية من خلال ضغط معنوي.
  • عملية وهب الأعضاء، هي عطيّة عظيمة لا تُقّدَّر بثمن، لذلك يشترط أن تكون مجانية، فنزع الأعضاء من أجل المتاجرة بها أمر غير جائز وغير أخلاقي (يلجأ الكثيرون إلى بيع عضو من الأعضاء المزدوجة في جسمهم للتخلص من الضائقة المالية والاقتصادية التي يرزحون تحت وطأتها).
  • يُستبعد نقل وزراعة الأعضاء التي تملك طابعًا خاصًّا بالشخص (كالدماغ والغدد والبويضات والخصية) أي الأعضاء التي تحافظ على هويّة الشخص ووحدة الإنجاب. 
  • لا تزال الكنيسة حذرة في موقفها تجاه زرع أعضاء حيوانية في الجسم البشري، فالأمر مازال غير مألوف، ويطرح تساؤلات كثيرة تتعلق بمدى نجاح عملية من هذا النوع وبرفض الجسم البشري للعضو الحيواني الغريب، أو انسجامه، بالإضافة للمضاعفات التي يمكن أن تنتج عنها. علاوة على تساؤلات تخص التغير العضوي الذي يصيب بنية الإنسان المستفيد من زرعٍ كهذا. 

وختم، هناك أشخاص أبدوا استعدادهم في وصيتهم إلى وهب أعضاء من جسمهم بعد موتهم، إسهامًا منهم في تطوّر العلم من جهة، وفي إعادة الحياة إلى أشخاص لا أمل في شفائهم من جهة أخرى.

لكن كثيرون من الناس يبدون قلقًا وتحفّظًا عميقين إزاء وهب أعضائهم بعد موتهم أو إزاء اتخاذ هذا القرار من أجل ميت من أقربائهم. فيعتقد البعض أن احترام جسد الميت يمنع كل انتهاك لوحدته الجسدية، ولا يحق لإنسان بأن يعبث بخلقة الله. 

تعتبر الكنيسة عملية نقل عضو من ميت، عملًا انسانيًا ومسيحيًا، يجسّد تعاليم السيد المسيح الذي يدعو إلى المحبة والتضحية وبذل الذات من أجل القريب، لذلك لا تحسبه تشويهًا لجسد الميت أو خدشًا لكرامته.

لذلك، نحتاج إلى نشر ثقافة التبرّع بالأعضاء بعد الموت، من أجل التقدّم الطبي، وإنقاذًا لأرواح كثيرين يحتاجون إلى هذه الأعضاء ليواصلوا حياتهم في سلام. يجب علينا نشر الوعي بضرورة الإقدام على هذه الخطوة الإنسانيّة المهمة، خاصة وأن بعد الموت لا فائدة لأعضائنا، بالإضافة إلى أن القانون يسمح بتشريح جثث موتى الحوادث لمعرفة أسباب الوفاة.