نص كلمة أحمد أبو الغيط خلال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية اليوم
ننشر نص كلمة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في الاجتماع الوزاري الطارئ حول التطورات في غزة.
وكانت نص الكلمة كما يلي:
معالي السيد ناصر بوريطة
وزير الشئون الخارجية والتعاون الافريقي والمقيمين بالخارج
للمملكة المغربية
معالي الوزراء،
الحضور الكريم،
يلتئم مجلسنا اليوم في ظرف عصيب.. التصعيد الجاري بين حماس والإسرائيليين غير مسبوق في حدته وآثاره..
هناك احتمالات جادة لانفلات الأوضاع وربما اتساع نطاق المواجهات، وهي احتمالات أتمنى عدم تحققها لأنها يمكن أن تدفع بالمنطقة كلها إلى وضع غير معلوم.
إن هذه اللحظة الخطيرة تقتضي –من الجميع- ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والنظر إلى العواقب.
إن العمليات الانتقامية التي تمارسها وتجهز لها قوات الاحتلال الإسرائيلي لن تجلب الاستقرار.. بل ستدخلنا في المزيد من دوامات العنف والدم.. والعقوبات الجماعية التي تمارسها ضد سكان غزة مرفوضة ومدانة في القانون الدولي.. نحن نتضامن مع الفلسطينيين من سكان قطاع غزة الذين يتعرضون اليوم لمجزرة يتعين إيقافها فورًا، وإدانتها بأشد العبارات.
لا أحد كان يرغب في مثل هذا التصعيد.. إنني أرفض بشكل كامل أي عنفٍ ضد المدنيين وبلا مواربة.. فقتل المدنيين وترويع الآمنين غير مقبول كوسيلة لتحقيق غاية سياسية سامية مثل الاستقلال.
إنني أدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى وقف هذا التصعيد الخطير، حتى لا ننزلق إلى ما هو أشد خطورة، وبما يُعرض استقرار المنطقة بأسرها إلى تهديد جسيم.
إن مجلسكم الموقر عبّر مرارًا خلال الأعوام الماضية عن مواقف واضحة تحذر من اقتراب الأوضاع في فلسطين المحتلة من حد الانفجار.. التصعيد الجاري ليس وليد اليوم، ولكن له أسبابه الجذرية المعروفة للجميع من إنكار الحقوق الفلسطينية، واعتبار الفلسطينيين – من كل الألوان السياسية، في الضفة الغربية أو في غزة – مشكلة أمنية، لا أكثر.. وخلق نظام للاحتلال يقوم فعليًا، وبشهادة الجميع، على نظام الأبارتايد... والقضاء على حل الدولتين كل يوم عبر الاستيطان المستمر وقضم الأراضي.. هذا كله أدى إلى خنق الأمل في أي أفق سياسي.. وأوصلنا إلى النقطة – المؤسفة والخطيرة – التي نقف عندها اليوم.
لقد تبنت الدول العربية كذلك، وعبر السنوات الماضية، طريقًا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مبادرة السلام العربية.. ووفق صيغة الدولتين.. إنها الصيغة الوحيدة التي توفر الأمن للجميع.. والسلام للجميع.. والاستقرار للمنطقة.. ولكن للأسف اعتبرت إسرائيل أن الاستيطان مقدمٌ على السلام.. وأن الاحتفاظ بالأرض أهم من صيانة المستقبل للأجيال القادمة، وأن الوضع القائم يمكن أن يستمر للأبد.. وأمعنت حكومتها في قمع الفلسطينيين واستفزازهم.. وأطلق بعض رموزها العنان لخطاب الكراهية والتحريض.
وأقول باختصار.. هناك طريق يوفر حياة كل المدنيين.. إنه المسار الوحيد العقلاني الذي يصون الحياة والأمن والمستقبل لأبناء الشعبين: إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية.
أتمنى أن يعلو صوت الحكمة على نداءات الانتقام.. أرجو أن تتوقف دوامة العنف فورًا لأنها لن تُفضي سوى للمزيد من المآسي والآلام.. وقد تخرج الأمور عن سيطرة أي طرف على نحو لا يمكن التنبؤ بمآلاته أو تبعاته.. على الجميع.
إنني أتطلع لليوم الذي ينعم فيه الجميع، في فلسطين وإسرائيل، بالأمن والكرامة والحرية في دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب في أمن وسلام.. الأجيال الجديدة تستحق العيش بعيدًا عن دوامات الكراهية والعنف.. ربما تذكرنا هذه اللحظة، برغم كل ما تحمله من مخاوف وآلام، بأنه لا مهرب من استحقاقات السلام.. وأن انسداد الأفق السياسي لن يُفضي سوى إلى جولات متكررة من العنف وانعدام الاستقرار.
شكرًا لكم.