رئيس جامعة الأزهر: الأمم السعيدة هي التي تطفئ نيران الحرب
قال رئيس جامعة الأزهر د. سلامة داوود خلال مؤتمر الحوار بين الأديان في بودابست عاصمة دولة المجر نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الأمم السعيدة هي التي تطفئ نيران الحرب ولا تقحم نفسها فيها
وأضاف في بداية كلمتة اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرْضَى، اللهم صلِّ على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى سيدنا موسى كليم الله الذي صنعه على عينه، وعلى سيدنا عيسى كلمة الله ورُوْحُهُ التي ألقاها إلى مريم البتول، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، الذين أمرنا الله تعالى أن نؤمن بهم جميعا وأن لا نفرق بين أحد منهم؛ فقال في محكم التنزيل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ( سورة البقرة آية 285) نيافة القس جيزا كوميناتز، رئيس جامعة بيتر بازماني الكاثوليكية، معالي السيد جيرجيلي ديلي، رئيس جامعة الخدمة العامة لودوفيكا، الحضور الكرام.
أحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام هي السلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأنقل لكم تحيات العالمِ الجليلِ الإمامِ الأكبرِ أ. دأحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، ناقلًا شكره الجزيل على أن وجهتم الدعوة لفضيلته لإلقاء كلمةٍ في هذا المؤتمر المتميز؛ تأكيدًا على عمق الصداقة المصرية المجرية التاريخية، وتقديركم الكبير لما يقوم به فضيلته من دور بارز في الحوار بين الأديان.
وعبر عن سعادته بوجوده بين الحضور لإلقاء هذه الكلمة نيابة شيخ الأزهر الشريف، وتابع أنقل إليكم تحياتِ أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة من مصر يدرسون في الأزهر الشريف جامعا وجامعة في أحد عشر ألف معهد في مرحلة التعليم قبل الجامعي، وفي تسعين كليةً في مرحلة التعليم الجامعي، وتحياتِ ستينَ ألفِ طالبٍ وافدٍ يَدْرُسُونَ في الأزهر الشريف جامعًا وجامعة، وفدوا إليه من نحو مائة وأربعين دولة من دول العالم تأكيدًا وإيمانًا من العالم كله بأن الأزهر الشريف كعبةُ العلم ومنارة الفكر الوسطي المعتدل الذي تحرص دول العالم على غرسه في نفوس أجيالها ليعودا إلى بلادهم هادين مهتدين.
كما يسعدني أن أنقِلَ لحضراتكم تحيات الجامع الأزهرِ الشريف الذي يَسْنِدُ ظَهْرَهُ لنحو ألفٍ وثلاثةٍ وثمانين عامًا مَضَتْ مِن عُمْرِ الزمان، ولو نَطَقَتْ جُدْرانُه لأَسْمَعَتْكَ أصواتَ العلم والعلماء من شتى بقاع العالم.
وأكد أن الحوار بين الأديان من أجل المحبة والتسامح والسلام من أولى اهتمامات فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حفظه الله تعالى، ودلل على ذلك بسعيه الدؤوب مع أخيه قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لإصدار وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في دولة الإمارات العربية عام 2019م، وكذا ما يقوم به فضيلة الإمام من جهد كبير في المحافل الدولية لترسيخ دعائم الأخوة الإنسانية في العالم.
كما أوضح أن كلمته في هذا المؤتمر عن "القيم المشتركة بين المسيحية والإسلام"، وهذه القيم أكثر من أن تُحْصَى، وأوسع من أن تُسْتَقْصَى؛ مشيرا إلى أن هذه القيم ليست مشتركة بين الإسلام والمسيحية فحسب، بل هي قيم مشتركة بين جميع الأديان السماوية، بل بين جميع أصحاب الفطرة الإنسانية السوية، لافتا إلى أن تلك القيم الإنسانية العامة التي يشترك فيها البشر جميعا منها: حفظ النفس والدم والمال والعِرْض ونشر المحبة والتسامح والسلام والرحمة والصدق والأمانة والعدل والحرية والرفق بالصغير وتوقير الكبير واحترام خصوصية الآخر والنهي عن الظلم والعدوان والكذب والغش والخيانة والتجسس على خصوصية الآخرين، مبينُا أن القرآن الكريم ذكر ذلك وأكد عليه؛ حيث قال الله جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (سورة الحجرات آية 12)، مبينًا أنه على سبيل العموم فإن كل ما يحث على الخير والحق والعدل والصدق والمحبة هو مما يدعو إليه كل دين وكل عقل سليم وكل نفس بشرية رزقها الله تعالى فطرة سوية، وهذه القيم النبيلة محمودة في كل دين، وفي كل أمة، وفي كل زمان ومكان.
وأن كل ما يحث على الشر والباطل والظلم والكذب والكراهية هو مما ينهى عنه كل دين وكل عقل سليم وكل نفس بشرية رزقها الله تعالى فطرة سوية، وهذه القيم الذميمة مرفوضة ممقوتة في كل دين، وفي كل أمة، وفي كل زمان ومكان.
وبين أن الله _عز وجل_خلقنا جميعًا لغرض واحد وغاية واحدة هي عبادتُه فقال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (سورة الذاريات آية 56، 57، 58) مشيرا إلى أن المولى _عز وجل _ أمرنا أن نتعارف ونتآلف على اختلاف شعوبنا وقبائلنا وألسنتنا وألواننا فقال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات آية 13).
واستأذن داوود الحضور في الوقوف عند قيمة دينية مشتركة وقيمة إنسانية مشتركة وهي قيمة "العدل"؛ لعظيم أهميتها، و"العدل" مما يدعو إليه كل دين سماوي، بل جعله سبحانه اسمًا من أسمائه الحُسْنَى، وأَمَرَ عبادَه جميعا بالقيام به، فقال الله جل جلاله في الكتاب العزيز: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(سورة النساء آية 58 ) {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النحل آية 90).
وبين د. سلامة داوود أن المولى _عز وجل _ حذر الأنبياء جميعا من الظلم؛ لأنه كما قال خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة)؛ وهذا يعني أن العدل نورٌ يوم القيامة، وأن الفرق بين العدل والظلم كالفرق بين النور والظلام؛ ويا بُعْدَ ما بينَ النور والظلام؛ ودل هذا الحديث النبوي الشريف أيضا على أن العالَمَ إذا حَقَّقَ العدلَ عاشَ في النورِ وسَعِدَ بالنور، وإذا عَمَّهُ الظلمُ عَمَّتْهُ الظلماتُ وعَلته وشَقِيَ بالظلمِ والظلمات.
موضحًا أنه علينا أن نعيش في أرض الواقع لا أن نعيش في أوهام الخيال أو في عالم افتراضي لا وجود له؛ لأن من أغمض عينيه عن واقع الحياة وعن همومها، فقد أغمض عينيه عن حياته هو وعن واقعه هو وقضى على نفسه بنفسه.
وأكد رئيس جامعة الأزهر على أن (السلام) من الأصول المشتركة بين جميع الأديان، ومن الهموم المشتركة التي تشغل العالم كله، والسلام العالمي يعني بمنطوقه أن يعم السلام أرجاء العالم؛ فلا نرى حربا ولا قتالا، ولا نرى أبواقا تعمل جادَّةً ليلَها ونهارَها لإيقاد نار الحرب؛ لأن الكلمة التي تُشْعِلُ الحرب حرب، والكلمةَ التي تبعث السلام سلام، قال الله جل وعلا في القرآن الكريم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (سورة المائدة، آية 32).
كما أوضح أن الحروب المشتعلة في بلاد متفرقة من العالم، سواء في دول العالم الأول أو دول العالم الثاني أو دول العالم الثالث، قاطعةٌ كلُّها بأن مصطلح "السلام العالمي" لا يزال حلما يراود العقول؛ ولا يزال كالمدينة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون، فهل نعيش لنراه بعيوننا واقعا يتحقق في عالم يسعى إليه ويَحْفِد، وتقوم به مؤتمراته وتقعد، وتَنْحَلُّ به المجالس وتُعْقَدُ، وتنصرف إليه الهمم والعزائم والآمال كما تنصرف عنه، ويشدو به الفقير في كوخه، والغني في قصره، والفلاح في حقله، والصانع في مصنعه، هل نعيش لنراه بعيوننا أم أنه طيف خيال.
وقال: إن الأمم السعيدة الموفَّقَةَ هي التي تطفىء نيران الحرب، ولا تُقْحِمُ نفسَها فيها، مشيرًا إلى أن ما يشهده العالم من طغيان القوي المتكبر على الضعيف العاجز وما تعانيه الدول من ويلات هذا الطغيان في كساد اقتصادها وغلاء معيشتها - قاطعٌ بأن (السلام العالمي) لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، وأكد فضيلته على حرص الإسلام على إرساء السلام منذ اكثر من 14 قرنًا من الزمان، مستدلا بقول خليفة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سيدنا أبي بكر الصديق _رضي الله عنه _ وهو صاحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عَلَّمَنَا أن نبدأ بالضعيف ونُوْلِيَهُ العناية والرعاية فقال عندما تولى خلافة المسلمين بعد وفاة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وانتقاله للرفيق الأعلى، قال: "الضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ الحق لَهُ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه"، عَلَّمَنَا _رضي الله عنه_ أن الضعيف ينبغي أن يكون موضع العناية؛ وأن تكون لحقوقه الأولوية، وأن كل مسئولٍ ينبغي أن يبدأ بالضعيف؛ وأن الأُمَّةَ التي يتقدم ضعفاؤها الأولوية في التعليم والاقتصاد والصحة وجميع وجوه الرعاية أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ تسعى نحو الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.
وأضاف: هل ننتظر أن يعم السلام العالم وهناك شعب ضعيف تم احتلال أرضه وقتلُ أبنائه وهَدْمُ مساجده وكنائسه على مرأى ومسمع من العالم كلِّه ج؛ منذ أكثر من سبعين سنة ولا يزال هذا العدوانُ عليه يتزايد يومًا بعد يوم؟ إنه الشعبُ الفلسطيني في محنته التي يعيشها ويصطلي بلظاها ليلا ونهارا؛ وهذا الظلمُ والعدوانُ استفزازٌ لمشاعر المسلمين في العالم كله، وعدوانٌ على المسلمين في العالم كله، وليس في فلسطين فحسب؛ لأن الاعتداء على المسجد الأقصى اعتداءٌ على مقدسات المسلمين جميعا.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن حبر الأمة وتَرْجُمانُ القرآنِ سيدُنا عبدُ الله بنُ عباس _رضي الله عنهما _ قال: "البيتُ المُقَدَّسُ بَنَتْهُ الأنبياءُ، وسَكَنَتْهُ الملائكة، وما فيه موضعُ شِبْرٍ إلا وقد صَلَّى فيه نَبِيٌّ، أو قام فيه مَلَك" (معجم البلدان لياقوت الحموي 1/112).
وأوضح أن المسجد الأقصى المبارك هو أولى القبلتين، وثالثُ الحرمين، ومَسْرَى رسولنا المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ هو مهد سيدنا عيسى المسيح _عليه السلام، ومعتكَفَ مريمَ البتول، إن مدينة القدس لم تشهد في تاريخها كلِّه قرونا أكثرَ عدلا وأمنا من القرون التي حكمها فيها المسلمون، منذ فُتِحَتْ في السنة السابعةَ عشرةَ من الهجرة على يد أبي عبيدة بن الجراح في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، وبين رئيس جامعة الأزهر أن سيدنا عمرُ بن الخطاب منح أهلَها من المسيحين وثيقةَ الأمان التي عُرِفَت بالعُهْدَةِ العُمَرِيَّةِ، ومن نصوص هذه الوثيقة أنه: "أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصُلْبَانِهم، أن لا تُهْدَمَ كنائسُهم ولا يُنْتَقَصَ منها ولا من حَيِّزِها، ولا من صُلُبِهم، ولا من شىء من أموالهم، ولا يُكْرَهونَ على دينهم، ولا يضارَّ أحدٌ منهم" مضيفًا أنه لما دخل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس صلى في قبلته، ثم بسط رداءه فكَنَسَ الكُناسةَ في ردائه، وكَنَسَ الناس، ونَعِمَتْ مدينةُ القدس بهذا الأمن، ولم يفرق المسلمون بين أصحاب الديانات السماوية، وتجاورت في القدس المساجد والكنائس والمعابد دون عدوان من أحد على أحد.
وقال داوود: إن القرآن الكريم أمرنا بالإيمان به وبجميع الكتب السماوية من التوراة والإنجيل والزبور، وأكرر على مسامع حضراتكم قول الله جل جلاله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (سورة البقرة آية 285) كما أمرنا القرآن الكريم بالمحافظة على دور العبادة فقال جل وعلا: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (سورة الحج آية 40)، وسمع سيدنا علي بن أبي طالب _رضي الله عنه _ رجلا يقول عن كنيسة: "هذا مكان ما دام عُصِيَ اللهُ فيه"، فنهاه سيدنا عليٌّ عن ذلك وصوب له فهمه المغلوط وقال له: " بل قل: هذا مكانٌ ما دام ذُكِرَ اسمُ الله تعالى فيه"، وهذا الفهم الصحيح هو ما نطقت به الآية الكريمة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (سورة الحج آية 40).
وأوضح أنه كما لا شك أن هذه المبادىء السامية التي دعا إليها الإسلام ودعت إليها جميع الأديان السماوية ترفض ما قام به بعض الأفراد في أوروبا من حرق المصحف الشريف؛ لأن هذا عدوان على كتاب من كتب الله المقدسة، التي أمرنا الله تعالى أن نؤمن بها ونحافظ عليها، أمرنا أن نحافظ على القرآن الكريم كما أمرنا أن نحافظ على التوراة والإنجيل وجميع كتب السماء، ولا شك أن هذا التصرف المُشِين يستفز مشاعر 2 مليار مسلم في العالم، ولا شك أيضا أن هذا يتنافى مع القيم المشتركة بين جميع الأديان ويتنافى مع القيم الإنسانية النبيلة والسلوك القويم.
واختتم رئيس جامعة الأزهر د. سلامة داوود كلمته بالدعوة إلى الصبر والإصرار على نشر القيم الإنسانية النبيلة التي تشترك فيها المسيحية والإسلام بل تشترك فيها جميع الأديان السماوية، وأن لا يصيبنا اليأس، ولنا في رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أسوة حسنة؛ فإنه _صلى الله عليه وسلم_ لم يُثْنِهِ عن الاستمرار في دعوته أكثرَ من عشرين سنة إعراضُ المعرضين ولا تكذيبُ المكذبين، بل ما زاده ذلك إلا عزيمة على الرشد وحرصًا على الدعوة والإصلاح، ولنا في سيدنا نوح _عليه السلام _ مَثَلٌ وقدوة حسنةٌ في إصراره على الدعوة رغم ما لَقِيَ من إعراض قومه واستكبارهم، قال الله _جل وعلا _ حكاية عن سيدنا نوح _عليه السلام _ في السورة التي سميت باسمه في القرآن الكريم، سورة نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}(سورة نوح من آية 5 – 9).