أميرة ملش تكتب : الشرطة وهيبة الشعب

مقالات الرأي


لا شك أن وزارة الداخلية الآن تتحمل عبئا كبيرا.. ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك.. أو يغض البصر عن الشهداء الذين يتساقطون يومياً من قواتها فى مواجهة الإرهاب الذى تفشى فى البلاد بفعل فاعل نعرفه جميعا.. فعلا للداخلية دور مهم ويزداد أهمية مع مرور الأيام، ومنذ ثورة 30 يونيو وانحياز الشرطة للشعب، والمصريون يتعاطفون مع الأمن ويشعرون بدوره ويقدرون أهميته ويتطلعون لغد أفضل يتمنون فيه أن تظل الشرطة كما هى مع الشعب وليس عليه، وهى الفرصة الأكبر التى طالما طمحت الداخلية لوجودها حتى تحقق مصالحة طال انتظارها مع الشعب، وكان عليها استغلالها جيدا..

ولكن للأسف فإن بعض ضباط الداخلية يرفضون هذه الفرصة وبعض القيادات مازالت تنظر للأمور بمنطق «أسياد الشعب»، وهنا فإن الداخلية تفقد هيبتها من جديد التى عادت إليها بعد أكثر من ثلاثين عاما.

وعلى الرغم من دور الشرطة وأهميتها ودماء شهدائها، إلا أن هناك من أبنائها من يصر إصرارا على أن يضيع كل ذلك، فقد جاء على لسان أحد أمناء الشرطة فى لحظة صفا مع مواطن، أن من يدفعه حظه العثر لدخول أى قسم الآن من أقسام الشرطة فإنه لن يخرج منه سليما أيا كان سبب دخوله، وأنه قد ينسى السبب الذى دفعه لدخول القسم من هول ما يراه، وذلك لأن بعض ضباط الشرطة يستغلون الظرف الراهن أسوأ استغلال، ويتعاملون مع أى شخص على أنه بلطجى أو إرهابى حتى يثبت العكس، خاصة صغار الضباط الذين يفرحون بالدبورة ويشعرون بأهميتهم من خلال التنكيل بالناس ويستمدون قوتهم من خلال الضرب والركل والشتيمة.. «بئس ما تفعلون».. وهؤلاء الضباط جهلة بتاريخ عليهم أن يدرسوه جيدا، والذى يثبت أن هيبة الشرطة ضاعت خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق “مبارك” بسبب هذه التصرفات الهمجية التى أرى دائما أن صاحبها مريض بداء النقص والشر والدونية.. بعض الضباط يريد دائما أن يثبت لمرؤسيه أنه يعمل ويستحق الترقية فيبالغ فى القبض والبطش على الشباب، بحجة أن لهم صلة بجماعة الإخوان، وطبعا حتى يثبت الشباب العكس وأنهم أبرياء من تهمة الأخونة، يكونون قد ذاقوا كل أشكال الضرب والتعذيب والإهانة بداخل الغرف المظلمة فى الأقسام «التى عادت لسيرتها الأولى» وطبعا هذا يحدث بشكل أوسع وأبشع فى المناطق الشعبية والأقاليم.. أما ما يحدث فى الكمائن فحدث ولاحرج، فقد جاء على لسان غالبية المواطنين أن الضباط والأفراد فى الكمائن يتعسفون جدا فى تفتيش السيارات ويتعاملون بعنف مع الناس على اختلاف أشكالهم وأنواعهم، رغم أن المواطنين بشهادة ضباط الشرطة أنفسهم متعاونون للغاية وعلى ما يبدو أن ذلك يطمع البعض فيهم، لأن بعض الضباط والأمناء يتلقفون التعاون على أنه ضعف وخوف، وليس استجابة وتفاعلاً وتقديراً لدور الشرطة وللظروف الصعبة التى يواجهها الوطن.

كان من المفترض أن يقدر فى المقابل الضباط هذا التعاون والتفاعل من الناس، كما أن الكثير يشتكى من الكمائن التى تكشف المخدرات عن طريق تحليل «البول» فى الطرق وبشكل خاص فى منطقة «6 أكتوبر»، ففى السابق كان هذا يحدث مع سائقى السيارات النقل والميكروباص والتاكسى، أما الآن فيحدث مع الجميع بشكل مهين للناس، خاصة عندما يتم مع رجل يصطحب معه زوجته وأولاده فى السيارة ويحدث ذلك أمامهم..

نعم.. نعرف أن الشرطة تقوم بواجبها فى حماية المجتمع من الإرهاب والمخدرات والسرقة وغير ذلك من الجرائم التى تهدد أمن وسلامة الناس، لكن من يحمى المجتمع من جرائم الشرطة بحقه من تنكيل وبطش وإهانة، والمدهش أن من ينتقد أفعال وتصرفات الداخلية فى الفترة الحالية تصعد أصوات قبيحة تتهمه بأنه مع الإخوان، أى أنه أصبح عليك إما أن تؤيد تصرفات الداخلية وأفعالها «الحلوة والمرة» وإما أن تكون مع الإخوان، وهو الشىء المخيف الآن فى المجتمع أن يصنف الناس بهذا الشكل، لأنه يوجد فى مصر من هو ضد قمع السلطة وضد الإخوان فى نفس الوقت.. يوجد من يعارض قانون التظاهر ويبارك القضاء على الإخوان وإرهابهم فى نفس الوقت أيضا.. هؤلاء مواطنون ضد الاستبداد أيا كان شكله أو اسمه ويعشقون تراب وطنهم.. المصريون قاموا بطرد الإخوان والإطاحة بحكمهم، ولكن ليس معنى ذلك أن يستبدلوا باستبداد وظلم الإخوان استبداداً وظلماً آخرين.. وعلى وزارة الداخلية التى تعود لسيرتها الأولى التى أطاحت بها من قبل وستطيح بها من بعد، أن تعى هذا جيدا.. لا أحد يريد هدم الداخلية ولكن الداخلية هى التى تتولى أمر ذلك بنفسها، إذا استمرت على ما هى عليه، وأعتقد أن الخطوة الأولى التى لا بد لهذه الوزارة أن تخطوها حتى تحافظ على نفسها من نفسها، هى التطهير وإعادة النظر فى سلوكيات الضباط من سنة أولى كلية الشرطة.. وأن يرسخ عندهم مبدأ مهم وهو أنه إذا أردت الحفاظ على هيبة الشرطة فعليك أولا أن تحترم المواطن لا أن تهينه.. لأن هيبة الشعب هى الأقوى والأبقى.