مرضى نفسيون يروون تجاربهم المؤلمة مع السقوط في فخ الأدوية الخطأ
يخشى البعض التوجه إلى الأطباء النفسيين خوفًا من نظرة المجتمع والوصم بـ"مجنون"، كما أن هناك أيضًا سمعة سيئة تحيط الأدوية النفسية، فغالبية المرضى يكون لديهم مخاوف من تناولها لتأثيرها المباشر على المخ والأعصاب، حيث يشاع عنها أنها تتسبب في الإدمان وتدمير الجهاز العصبي، إضافة إلى أنها تدفع المريض نحو الانتحار.
"الفجر" حاول التواصل مع بعض المرضى الذين تضرروا من تناول تلك الأدوية النفسية، واستشارت أحد الأطباء حول حقيقة ما هو شائع عن الأدوية النفسية واضرارها للمرضى.
"أحمد" يعيش 5 سنوات مظلمة بسبب التشخيص الخاطئ
"أحمد.ر" في الثامن والعشرين من عمره يعمل محاسب، مر بسنوات مظلمة في حياته، كان البطل فيها أحد الأطباء النفسيين والذي كان أستاذًا جامعيًا بحسب قوله، ولديه عيادة شهيرة، لتكون تجربته مع هذا الطبيب من أسوأ التجارب التي مر بها.
"ليس له علاقة بالطب والإنسانية"، فعلى مدار خمس سنوات مررت بأسوأ أيام حياتي، موضحًا أنه طوال تلك السنوات شخص الطبيب حالته بشكل خاطئ، ويروي التفاصيل بأنه كان يعاني الاكتئاب أثناء المرحلة الثانوية وذهب إلى هذا الطبيب الذي استمر في تشخيصه ووصف الأدوية له إلى أن التحق بالجامعة وتخرج منها.
"الوضع استمر كما ما هو عليه"، ليوضح أن حالته لم تتحسن، ويسأل الطبيب عن السبب ليفاجئه بأنه سيظل مريضًا طوال حياته، وأنه أخفى عنه ذلك حتى ينتهي من دراسته ولا يكون سببًا في رسوبه.
رد "أحمد" على الطبيب بأنه صرف مبالغ كبيرة على علاجه، ليقول له الطبيب: "دي حالتك ولو عندك اصرار على العلاج كمل مع دكتور تاني"، مشددًا على أنه كان طبيبًا غير مؤهلًا فدائمًا ما كان يهدده بجلسات الصدمات الكهربائية..
خلال رحلة العلاج هذه تناولت أدوية كثرة كان يكتبها لي ذلك الطبيب، سببت لي آلام ومشاكل صحية أخطرها آلام في المخ والظهر، فكان يصف لي دواء باسم "لوسترال" سبب لي تلك الآلام، إضافة إلى زيادة وزني وحينما سألته عن كل تلك الآثار قال لي "معرفش".
اتخذ "أحمد" قرارًا أن يذهب إلى طبيب مخ وأعصاب ليطمئن على حالته، ليكتشف أن حالته جيدة لا تستدعي العلاج نافيًا كل ما قاله له الطبيب السابق، لتكون نصيحته الوحيدة له أن يحاول أن يصبح سعيدًا.
الأدوية النفسية تدهور صحة "يسرا" وتضعف مناعتها
"يسرا.ع" فتاة إسكندرانية في منتصف العشرينات من عمرها ظلت تعاني من المرض النفسي لمدة ثلاث سنوات ونصف، البداية كانت بدخولها في نوبات بكاء متواصلة، وشعور بالخوف، ومراودتها أفكار شيطانية حيث كانت تشعر أنها منفصلة عن العالم الخارجي وتعيش في عالم آخر، وحينما وجدت حالتها تسوء لجأت إلى الطبيب النفسي.
لم يكن ذهاب "يسرا" إلى الطبيب هو طوق النجاة من المرض النفسي كما كانت تتمنى، بل كانت البداية للدخول في دوامة تدهور الحالة الصحية، خاصة مع تكرار الطبيب تغيير الأدوية التي يوصفها لها "دخلت في متاهات وحالتي ازدادت سوء".
واستكملت بأن تناول الأدوية النفسية على مدار ثلاث سنوات ونصف أضرت جميع أجهزة جسمها وخاصة مناعتها، ولم تعد المسكنات أو أدوية البرد والمنومات تأتي بنتيجة معها وتعالجها، مستطردة: "أدوية المرض النفسي والاكتئاب بتهد".
واختتمت بأنها توقفت عن تناول العلاج منذ خمسة أشهر بعد أن علمت بأن الأدوية هي سبب تدهورها، قائلة: "مؤخرًا عرفت إن لو معنديش مرض نفسي وأخدت العلاج ده هأصاب بالاكتئاب ".
"عبده" لم يعد يؤمن بالعلاج النفسي
"عبده.م" طالب في المرحلة الثانوية يعاني من مرض الصرع، الذي يسبب له نوبات وتشنج، حتى أن إحدى تلك النوبات حدثت له أثناء دخوله لجنة الامتحان وكانت سببًا في رسوبه وعدم التحاقه بالجامعة على غرار أصدقائه.
ذهب "عبده" إلى أكثر من طبيب بحثًا عن الشفاء واستكمال حياته بشكل طبيعي، وكانت النتيجة أنه أصبح ينبذ هؤلاء الأطباء وكارههم، موضحًا "كلهم مش كويسين إلا من رحم ربي"، مشيرًا إلى أن أحدهم كاد أن يتسبب في موته بسبب زيادة جرعة العلاج التي يتناولها.
وأضاف أن الأدوية التي كان يتناولها تسببت في اصابته بالاكتئاب، إلى أن تطورت الحالة بمحاولة الانتحار في ذات المرات، موضحًا: "فكرت في الانتحار وخدت القرار وركبت عربية مكنتش عارف رايح فين وقررت هرمي نفسي في النيل بس أنا مش غبي علشان أموت بالشكل ده وأموت أهل علشاني"
ولدى "عبده" قناعة بأن الأدوية الخاصة بالاكتئاب والصرع التي كان يتناولها غير مفيدة، وأصبح غير مؤمن بفاعليتها، فكانت تجعله ينام 18 ساعة في اليوم لتصبح حياته مابين النوم وشعور الاكتئاب، فعلاج الاكتئاب جعله عصبي بينما علاج الصرع جعله مشوش التفكير.
وجد نفسه حالته تسوء عما كانت عليه من قبل تناول العلاج، فأثر علاج الصرع على خلايا مخه، موضحًا: "العلاج بيتاخد بالدقيقة لأن المسام بتتفتح كل 12 ساعة من بداية العلاج والمخ متعود على استقبال جرعة معينة لما الجرعة دي زادت عملتلي خلل في الجهاز العصبي كله ومبقيتش قادر اتحكم في جسمي".
ويرى "عبده" أن علاج الاكتئاب لم يكون من خلال شريط برشام يصفه الطبيب، لكن العلاج في يد الشخص الذي يعانيه حينما يقرر تحديه واتخاذ قرار أنه لابد أن يكون سليمًا، قائلًا :"أنا خفيت من غير علاج أو دكاترة.. خفيت بمعجزة من عند ربنا".
لم يصدق ما قاله له طبيب المخ والأعصاب وأن طوال تلك السنوات كان يستغله الطبيب النفسي، ليذهب إلى طبيبين آخرين ليؤكدوا أيضًا أن حالته لا تستدعي العلاج، سوى من آثار العلاج الذي كان يتناوله، مختتمًا: "في استغلال لأي حد ضعيف ميقدرش يحمي نفسه والمريض النفسي سهل استغلاله".
طبيب يعالج "وليد" بـ"ترامادول".. وأدوية الاكتئاب تسبب له الإدمان
"وليد.ح" شاب ثلاثيني، عانى من صدمة نفسية ، ذهب على إثرها إلى الطبيب الذي كتب له في روشتة علاجه الترامادول، فمر عليه وقت كان لا يستطيع التحرك وفشل في حياته العملية والاجتماعية بسبب تلك الصدمة.
الأدوية نفسية تسبب الإدمان، هكذا أكد "وليد" إضافة إلى أنها تتسبب في زيادة حالة الاكتئاب، خاصة الأدوية القديمة لأنها الأكثر فاعلية في العلاج عن الحديثة، فيشير إلى أنه تعود على تناول الترامادول وكاد أن يوشك على إدمانه حتى قرر أن يتوقف عن تناوله، إضافة إلى أدوية الاكتئاب التي أدمنها "طوال فترة تناولها أكون بحالة جيدة وحينما أتوقف عنها أعود للاكتئاب من جديد".
طبيب نفسي: أدوية الاكتئاب تؤدي إلى الانتحار
وفي هذا الصدد يقول الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي، إن جميع الأدوية النفسية لها آُثار جانبية لأنها تعمل على مستقبلات المخ، لافتًا إلى أن مدة التعرض لتلك الآثار الجانبية ما بين خمسة إلى ستة أيام من بدء تناول الدواء ثم تختفي، وأن تلك الآثار تتفاوت بين مريض وآخر ومهارة الطبيب المعالج، وأغلبها تكون أعراض "صداع- دوخة- قلق- عدم الاتزان".
ويضيف فرويز في تصريح لـ"الفجر" أن بعض الأدوية النفسية تسبب زيادة الوزن، وبعضها الآخر يؤثر على النشاط الجنسي وباقي أنشطة الجسم، مشددًا عل ضرورة أن يتم إبلاغ المريض قبل تناول تلك الأدوية بآثارها الجانبية حتى يكون على بينة من البداية وفي حالة رفضه يتم وضع بديل له.
ويكشف أستاذ الطب النفسي أن أي مضاد اكتئاب قد يؤدي للاكتئاب، مشيرًا إلى أن شركات الأدوية تؤمن نفسها وتدون على عبوة دواء الاكتئاب أنه قدي يؤدي للانتحار، منوهًا أنه إذا كان مريض يعاني من اكتئاب شديد وتناول تلك الأدوية من الممكن أن تقوده للانتحار.
كما لفت إلى أن عدم ضبط الجرعات، قد يضر المريض فبعض الأدوية حينما تقل جرعتها تكون آثارها الجانبية أكبر وتؤثر على التركيز والانتباه والنعاس والأرق, ولذلك لابد أن يتحكم الطبيب المعالج في الجرعة طبقًا لحالة المريض.
ونفى فرويز أن المريض النفسي لم يشفى ويكون علاجه مدى الحياة، موضحًا أن مدة العلاج تحدد حسب حالة مريض، وأن الحالة الوحيدة التي يكون فيها العلاج مدى الحياة هو مريض الفصام، وأن حالات مرضى الاضطرابات النفسية مدة علاجها لا تتعدى الستة شهور.