البكتيريا الحلزونية .. ضيف لدود
أمراض وآلام كثيرة تصيب المعدة، نتيجة مهاجمة أنواع مختلفة من البكتيريا والفيروسات لها، والتي تنتقل عن طريق تلوث الطعام والشراب والهواء أو البراز، وتتسبب في تعطيل بعض الأجهزة الحيوية والدفاعية في المعدة، مما يعيقها ذلك عن أداء وظائفها على أكمل وجه، ويظهر هذا الخلل في بعض الأحيان على صورة آلام مستمرة أو متقطعة أو انتفاخات متكررة، ولعل البكتيريا الحلزونية من أبرز مسببات آلام المعدة وأكثرها انتشاراً على مستوى العالم، وتأخذ البكتيريا الشكل الحلزوني، وتعرف باسم بكتيريا المعدة الحلزونية، وتتسبب في تقرحات وأورام وأمرض خطيرة.
تأقلم وتحصن
تتميز بقدرتها على الحياة في المعدة البشرية ومعدات الحيوانات وتأقلمها بصورة تمكنها من العيش لسنوات طويلة داخل الجسم الذي تهاجمه، وكذلك قدرتها العالية وتحصنها بوسائل دفاعية تحميها من الحمضيات التي تفرزها المعدة أثناء هضم الطعام من خلال إفراز مواد تتغلب على حموضة المعدة، وهذا بخلاف الاعتقاد السائد عند العلماء في السابق، الذين ظنوا لسنوات طويلة أن البكتيريا لا يمكن أن تعيش في المعدة البشرية التي تمتلئ بالأحماض القاتلة للميكروبات، لكن أثبتت الدراسات والتجارب بعد ذلك أن البكتيريا الحلزونية تستطيع العيش والتأقلم في البيئة الحمضية للمعدة.
الدكتور محمد الشوبري أشار إلى أن البكتيريا الحلزونية من الأنواع السلبية التي تتسبب في أمراض لأعداد كبيرة من البشر، إذ انها تنتشر بنسبة 50 ــ 60% في المجتمع العالمي، ولكن على الرغم من كثرة انتشارها لا تتسبب هذه البكتيريا في مشاكل كبيرة للأشخاص، إذا إن تأثيرها السلبي لا يتجاوز 15 ــ 30% من إجمالي الأشخاص المصابين بها، وذلك لأنها تعيش لارتباط تأثير المرض بالمناعة التي يتمتع بها الأشخاص، ومقدرتها في اختراق جدار المعدة.
وأكد الشوبري ان مناعة الفرد ترتبط ارتباطا وثيقاً بالظروف الاجتماعية والنفسية التي يعيشها، فالاستقرار النفسي والتخلص من الضغوطات والإرهاق يساعد الجسم على تكوين مناعة والتصدي للعديد من الأمراض التي تتربص به، لافتاً إلى أن الأشخاص الذي يعيشون تحت تأثير الضغوطات أكثر عرضة لضعف المناعة مما يسهل هجوم البكتيريا وخصوصاً البكتيريا الحلزونية، التي تجد مناخاً خصباً وبيئة مثالية تساهم في توحشها وبالتالي تبدأ هجومها على جدار المعدة، الذي يصعب عليه الصمود أمام هذه الهجمات الشرسة.
لقاحات مضادة
وأشار الشوبري إلى أن البكتيريا الحلزونية لها أنواع عديدة تختلف في خصائصها ومقاومتها للدفاعات المناعية التي يفرزها الجسم، وذلك ما يزيد صعوبة علاجها من خلال الحصول على لقاحات ومضادات فعالة تحدث تأثيراً على جميع أنواعها، مؤكداً أن إهمالها وعدم التدخل في وقف نشاطاتها يسبب حدوث مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الأورام السرطانية والسكري، وعلى الرغم من أهمية العلاج لهذا المرض تضاربت آراء العلماء حول أهمية العلاج، فهناك من يرى في أن العلاج ضروري ويؤدي إلى حماية الجسم من حدوث مضاعفات قد تفتك به، وآخر يرى أن وجود البكتيريا الحلزونية أمر ضروري للتحكم بحركة انقباض عضلة المريء، وحماية المعدة من بعض أنواع الالتهابات، ولكن الرأي المرجح يوصي بعدم استئصال البكتيريا إلا في بعض الحالات التي تتطلب ذلك.
ولفت أخصائي الجهاز الهضمي إلى أن العدوى بالبكتيريا الحلزونية يمكن انتقالها بسهولة عبر عدة وسائل، ومنها العدوى عن طريق الفم واللعاب أو الأغذية الملوثة والأفراد من شخص إلى آخر، وغالبا ما يكون في الأسرة أكثر من مصاب بالبكتيريا الحلزونية، وبالتالي يسهل انتقالها من شخص إلى آخر، وقد يشكك البعض في الإصابة بالبكتيريا الحلزونية وذلك في اختلاف درجة تأثيرها على الشخص المصاب، إذ يبرز تأثيرها السلبي لدى شخص، ويغيب تأثيرها عن الآخر، وذلك يؤدي إلى عدم قناعة المريض بأن المرض الذي يعاني منه ناتج عن الإصابة بالبكتيريا الحلزونية، وبالتالي يرفض تناول العلاج ويبدأ في البحث عن تشخيص يمنحه قناعة أكثر.
2005
البكتيريا الحلزونية لم يكن لها تشخيص دقيق في السابق، إذ كانت مسبباتها مجهولة لدى الأطباء حتى عام 2005، حينما استطاع عالمان استراليان عزل البكتيريا الحلزونية الشكل، التي تستطيع التكيف مع الغشاء المخاطي للمعدة البشرية الممتلئة بالأحماض القاتلة للميكروبات، وذلك نتيجة قدرتها على إفراز إنزيم بإمكانه التغلب على الأحماض التي تفرزها المعدة. علاج ثلاثي يعزز دفاعات الجسم
أشار الدكتور محمد الشوبري أخصائي أمراض الجهاز الهضمي إلى أن البكتيريا الحلزونية تسبب الإصابة ببعض الأمراض، ومنها الحساسية في الجلد، والذبحة الصدرية، وكذلك تتسبب في التهابات البنكرياس والإصابة بالسكري، وحدوث تقرحات في المعدة، وعلى الأمد البعيد من الممكن أن تؤدي إلى ضعف الغشاء المبطن الذي يتسبب في حدوث تقرحات تحرم المصاب بها من الاستقرار والراحة، لذلك وضعت منظمة الصحة العالمية منهجاً خاصاً لعلاج البكتيريا الحلزونية حتى يدافع الجسم عن نفسه من الإصابة بهذه الأمراض، عن طريق استخدام العلاج الثلاثي في المرحلة الأولى والذي يتضمن مضادين حيويين بجانب علاج آخر يتسبب في تقليل نسبة الحموضة في المعدة، لأن البكتيريا الحلزونية لا تنمو إلا في بيئة حمضية، وفي حالة عدم استجابة البكتيريا للعلاج والقضاء عليها يستخدم العلاج الرباعي الذي أضيف لها كمضاد طبيعي يسهم في القضاء على هذا النوع من البكتيريا، ويعمل على تكاثر البكتيريا الصالحة والتي تساهم في زيادة مناعة الجسم وتقضي على البكتيريا الحلزونية.
آلام الصدر
ولفت الشوبري إلى أن أعراض المرض تظهر بنسبة كبيرة في هيئة آلام في أعلى البطن، تحدث قبيل تناول الطعام وبعده نتيجة خروج الحامض على تقرحات جدار المعدة، كذلك تمتد أعراضه إلى أن تشمل آلاماً في الصدر وعدم اتزان في مستوى السكر في الدم والتهابات في العينين.
وأوضح أن العلاج يبدأ عن طريق التشخيص السريري والتعرف على التاريخ المرضي، إضافة إلى القيام بأخذ عينات من الدم والبراز وتحليلها، وأن تطلب الأمر يلجأ إلى أخذ عينة بالمنظار المعوي، وفحصها وزرعها، وتجربة الأدوية والمضادات التي من الممكن أن تؤثر في البكتيريا الحلزونية.