ننفرد بنشر مستندات وصور توضح حقيقة اختفاء محراب ومنبر الجامع الأقمر الأثريين
يُعد الجامع الأقمر أحد أهم الآثار الإسلامية الموجودة في شارع المعز لدين الله الفاطمي والذي يعتبر أحد أكبر الجوامع المفتوحة في العالم، والجامع أثار الجدل بشدة في الأونة الأخيرة بعد أن طرحت بوابة الفجر الإلكترونية تساؤل حول اختفاء المحراب والمنبر الأصليين للجامع، وعبر استقصاء الأمر استطاعت الفجر أن تتوصل لحقائق قد تضع يد القارئ على الحقيقة وراء هذا الأمر وهو ما سنستعرضه عبر التقرير التالي.
كيف بدأ الأمر؟
كانت البداية مع إعلان وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الأوقاف وكذلك مع طائفة البهرة، عن افتتاح الجامع الأقمر في شارع المعز لدين الله الفاطمي للزيارة، والجامع على الرغم من صغر حجمه إلا أنه يحوز على اهتمام كبير للغاية من جموع الآثاريين والمهتمين بالتراث في مصر، وذلك بسبب واجهة الجامع التي تعتبر من الواجهات النادرة والتي تضم عناصر تعتبر هي الأولى في الزخارف والعمارة الإسلامية.
ورصدت كاميرا بوابة الفجر الإلكترونية عددا من معالم الجامع من الداخل، ومن بينها المحراب الذي من الواضح أنه جديد تمامًا وهو من الرخام، وكنا قد استقصينا عن المحراب فوجدنا أن له صورًا ترجع لثمانينيات القرن الماضي، حيث كان للجامع محرابًا من الجص «الجبس» وفوق المحراب نصًا تذكاريًا يخص الأمير المملوكي يلبغا السالمي صاحب أكبر تجديدات في الجامع، وكذلك هو صاحب المنبر المجاور للمحراب له في الصور، وهما الغير موجودين في الجامع الآن.
تضارب في الآراء
وعن هذا الأمر قال مسؤولين في وزارة السياحة والآثار، في تصريحات خاصة إلى الفجر، إن المحراب الأصلي والمنبر قد تعرضا لعملية ترميم شاملة إبان عمل لجنة حفظ الآثار العربية في الجامع فترة الثمانينات، حيث تم تغطية المحراب الأصلي بهذا المحراب الرخامي، والذي تم تجديده في فترة التسعينيات على يد البهرة أيضًا وهم مشاركون أيضًا في نفقات الترميم الأخير، وأن المنبر الأصلي لجامع الأقمر تم نقله إلى أحد المتاحف ولكنه لم يقرر أي المتاحف تحديدًا.
وهنا راجعت الفجر أرشيف متحف الفن الإسلامي، حيث لم نجد أثرًا لأي منابر سوى منبرًا واحدًا وهو منبر «تتر الحجازية»، ولا وجود لمنبر الجامع الأقمر الذي أضافه يلبغا السالمي ضمن تجديداته لهذا الجامع منذ ما يقرب من 650 عامًا مضت.
أين الحقيقة حول منبر ومحراب الجامع الأقمر؟
بمراجعة الصور التي نشرتها الوزارة في أثناء افتتاح الجامع عن كواليس عمليات الترميم سيتبين منها عدم وجود المحراب والمنبر الأثريين، حيث كي يتم تركيب المحراب الجديد كان يتعين شق الجدار من الخلف، ومن خلال هذا الشق يتبين عدم وجود محراب يلبغا السالمي الجصي.
قيادات وزارة السياحة والآثار
وعندما وصلت تلك التساؤلات إلى قيادات وزارة السياحة والآثار، بدأت التفسيرات تكون أكثر وضوحًا وتحديدًا، حيث قال الدكتور جمال عبد الرحيم الأستاذ بكلية الآثار إن يلبغا السالمي صنع للجامع محرابًا ومنبرًا، والمحراب الحالي الموجود في الجامع الأقمر هو تقليد لمحراب خشبي أمر بصنعه الخليفة الآمر بأحكام الله للجامع الأزهر، إلى هنا ينتهي كلام الدكتور جمال عبد الرحيم.
ونفهم من تعليق الدكتور جمال عبد الرحيم أن المحراب الرخامي الحالي هو تقليد لمحراب خشبي موجود حاليًا في متحف الفن الإسلامي، وهذا المحراب الخشبي أمر بصنعه الخليفة الآمر بأحكام الله، وهو نفس الخليفة الذي أمر ببناء الجامع، أي أن من قام بالترميم، لم يرمم محراب يلبغا السالمي الأمير المملوكي الذي جدد الجامع في عام 799 هـ، بل صنع محرابًا رخاميًا جديدًا يشابه أحد محاريب الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، والسؤال هنا من الذي فعل هذا؟.
متى اندثر محراب يلبغا السالمي؟
وحصلت بوابة الفجر الإلكترونية على مستند رسمي صادر في عام 1992 م، والذي يحمل توقيع الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أبو بكر رئيس هيئة الآثار الأسبق، والمستند عبارة عن موافقة صادرة من المجلس إلى طائفة البهرة على إزالة ما تبقى من محراب يلبغا السالمي، والذي كان يحمل بقايا فسيفسائية، حيث وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في حينها، عام 1992م، على إزالة ما تبقى من المحراب الذي تم وضعه في عهد السلطان برقوق على يد يلبغا السالمي، واستبداله بمحراب من الرخام الأبيض يماثل في الشكل والهيئة أحد محاريب الخليفة الآمر بأحكام الله الفاطمي، وهو المحراب الموجود الآن في الجامع والذي تم ترميمه مؤخرًا.
ومعنى ما ورد في هذا المستند، أن هيئة الآثار في عام 1992م، وافقت لطائفة البهرة على إزالة ما تبقى، أو أن ما تبقى من محراب يلبغا السالمي لا يصلح للترميم، ووافقت على أن يتم تغيير المحراب إلى محراب آخر يحمل الطراز الفاطمي، ومصنوع من الرخام.
وأمدت قيادات وزارة السياحة والاثار المختلفة، بوابة الفجر بعدد من الصور التي ترجع إلى عام 1992م، والتي هي تسجل تصنيع وتركيب المحراب الرخامي الجديد للجامع الأقمر.
عن محراب الجامع الأقمر
وحصلت بوابة الفجر على تسجيل صوتي لأحد المتخصصين في المجلس الأعلى للآثار، وهذا التسجيل تم إرساله من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وهو تسجيل توضيحي للأمر حيث أقر هذا الخبير، بأن المحراب الذي كان فيه فسيفساء قد تحدث عنه كريزويل في كتابه العمارة العربية في مصر الإخشيديين والفاطميين، وقال إن المحراب الذي كان فيه فسيفساء ليس هو الأصلي وهو المحراب الذي تم عمله في عهد برقوق بواسطة يلبغا السالمي، أما ما كان موجودًا قبله فهو المحراب الفاطمي الأصلي ذو الزخارف الجصية كعادة الفاطميين، وذكرت كراسات لجنة حفظ العربية، أنه عام 1904 تم ترميم هذه الفسيفساء وإنقاذ أجراء منها، وذكر الدكتور أحمد عبد الرازق في كتابه تاريخ مصر الإسلامية من الفتح العربي حتى نهاية العصر الفاطمي الصادر عام 1999م، أن طائفة البهرة تقوم بأكبر أعمال ترميمات في الجامع.
وهنا نستنتج أن هذه الترميمات التي قام بها البهرة في عام 1992 هي التي ألغت أعمال يلبغا السالمي، التي تحدث عنها كريزويل والتي يبدو أنها ظلت قائمة حتى عام 1904م، وأن ترميمات البهرة أعادت المحراب إلى شكله الفاطمي الأصلي، وهو ما تم عمله من رخام أبيض وهو ما تم تجديده في الترميم الأخير للجامع.
أين ذهب المنبر الخشبي الذي صنعه يلبغا السالمي؟
وفي ذات التسجيل الذي حصلت عليه الفجر أكمل أحد المتخصصين في المجلس الأعلى للآثار، أنه تم مراجعة أمر منبر الجامع الأقمر فوُجد أن أن الرسم الهندسي للجامع في عام 1890 والمسجل في الكراسة رقم 6 من كراسات لجنة حفظ الآثار العربية، لم يُسجل فيه وجود منبر للجامع من الأساس.
وفي الكراسة 26 لعام 1909 كان هناك اقتراح بوضع منبر جامع آخر في الجامع الأقمر وتم رفض هذا المقترح، أما في عام 1973 وحسب المثبت في كراسة 38 ذُكر أن الآثاري محمود أحمد وجد بقايا خشبية لمنبر الجامع الأقمر وتقرر نقله إلى دار الآثار العربية.
وبعد هذا الكلام السابق يتبين لنا أنه من المفترض أن يكون المنبر الخشبي للجامع الأقمر أو بقاياه في متحف الفن الإسلامي، ولكنه بمراجعة أرشيف المتحف وجد أنه لا يوجد منابر خشبيه فيه سوى منبر تتر الحجازية.
النتيجة مما سبق
والنتيجة النهائية التي نتوصل إليها بعد هذا العرض العلمي الموثق، أن طائفة البهرة هي التي ألغت المحراب الذي وضعه يلبغا السالمي وهو المحراب الذي وصفه كريزويل بأنه «ذو الفسيفساء» وذلك في عام 1992م، ووضعت بدلًا منه محرابًا من الرخام الأبيض، وقد وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في هذا الوقت على هذا التغيير على اعتبار أن المتبقي من محراب يلبغا لا يذكر وأن الفسيفساء تآكلت.
ويلبغا هو الأمير الذي اعتنى بالجامع بعد أن إهماله في العصر الأيوبي، حيث تم تجديد الجامع فى العصر المملوكى فى عهد السلطان الظافر سيف الدين برقوق عام 799هـ، 1397م، بواسطة الأمير أبو المعالى يلبغا بن عبد الله السالمي، والذي عُرف عنه التصوف وحب آل البيت، فأعاد الحياة للجامع الأقمر، وجدد المئذنة والمنبر وحوض الدواب المجاور له، وأقام بركة مياه معلقة في الصحن، وسجل ما فعله من تجديدات أعلى محراب الجامع ومنبره مع احتفاظ الجامع ببعض زخارفه الفنية المتميزة فى العصر الفاطمي.