نائب رئيس مجلس الدولة: الدول الكبرى مسئولة عن تحمل ديون المناخ
قال الدكتور محمد خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، في دراسته بعنوان "العدالة المناخية تشرق على البشرية من أرض الحضارة والتاريخ دراسة عالمية حديثة لمنازعات تغير المناخ"، إن تغير المناخ يعد أهم قضية لحقوق الإنسان عالميًا فى القرن الحادى والعشرين، لأنه يؤثر على سبل عيش البشرية وصحة شعوبها، ورجالها ونسائها وأطفالها ومواردها الطبيعية، مما يعرقل ممارسة التنمية المستدامة، ومن ثم يجب أن ننظر إلى تغير المناخ من منظور حقوق الإنسان والعدالة البيئية، ولقد باتت مسئولية تاريخية تقع على عاتق الدول الغنية، ولعلنى لا اُبالغ فى القول بأن أكبر تحد لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين هو تغير المناخ، وهو ما يثير مسؤلية الدول المتقدمة عن أخلاقيات المناخ المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحرارى حتى يمكن تلافى عدم المساواة بين الأجيال بالنسبة للتغيرات المناخية، ويتعين على قادة العالم أن يبحثوا قضية العدالة بين الأجيال الحالية والأجيال القادمة إزاء تغير المناخ من ناحية ويجب مساعدة الدول الضعيفة على التكيف مع تغير المناخ من ناحية أخرى.
ثانيًا: مسئولية الدول الكبرى فى تحمل ديون المناخ:
يذكر الدكتور محمد خفاجى من القضايا المهمة فى أزمة تغير المناخ مسئولية الدول الكبرى فى تحمل ديون المناخ، لأن الدول النامية التي تفتقر إلى الأموال ولا تملك الإنفاق على تكاليف ما سببته سياسة ونهج وأساليب الدول المتقدمة فى تغير المناخ ، فإقامة توربينات الرياح أو بناء دفاعات ضد الفيضانات لا تملكها الدول النامية الفقيرة، وليس من العدالة المناخية أن تكون الدول الغنية فى مأمن من تحمل المسئولية أو المشاركة أو الإسهام فيما خلفه التقدم التكنولوجى بها لدى الدول الفقيرة، فهى فى الأصل ديون يجب أن تتحملها، تجاه إعادة توزيع الثروة بين البلدان عن طريق التمويل للتخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه فى ذات الوقت، حيث تحتاج الكثير من الدول النامية إلى إنفاق مبالغ ضخمة من المال على التكيف مع تأثيرات المناخ، مما يتوجب معه التوازن بين تمويل التكيف والتخفيف من حدة تغير المناخ.
ثالثًا: العواصف والفيضانات وموجات الحر والظواهر الجوية الحادة فروع من تغير المناخ:
يضيف الدكتور محمد خفاجى هناك أزمات من تغير المناخ، مثل العواصف والفيضانات وموجات الحر، وتأثيرات الظواهر الجوية الحادة ، مما تسبب الوفيات والخسائر الاقتصادية، وعلى الرغم من أن الاحترار ليس موحدا على كوكب الأرض، فالبلدان القريبة من خط الاستواء معرضة بشكل أكبر لخطر تجاوز هذا حد الاحترار الطبيعى، ولا يغيبن عن البال أن تزداد درجة الحرارة سوءًا بسبب حقيقة مؤلمة أن العديد من الدول النامية لا تملك البنية التحتية للتعامل مع درجات الحرارة القصوى، ولا ريب أن التأثير الأكثر مباشرة لتغير المناخ على الناس هو الإجهاد الحراري، مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، حيث تتزايد موجات الحر، ووفقا لأحدث الدراسات انتهت إلى أن ثلث الوفيات المرتبطة بالحرارة ناتجة عن تغير المناخ، وفى دراسة أخرى وجد أن الاحترار سيؤدي إلى عدم المساواة في النشاط الاقتصادي.
وفضلا عما تقدم ، هناك مكمن الخطر على البشر فى الأعاصير والفيضانات والعواصف، ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر تتعرض الأراضى المنخفضة لخطر الفياضانات بصفة دورية كل حقبة من الزمن، وقد أشارت بعض الدراسات العلمية الحديثة أن المناطق القريبة من المناطق المدارية ستتأثر بشكل خاص بارتفاع مستوى سطح البحر، وأن عبء مخاطر الفيضانات الساحلية الحالية والمستقبلية لم يعد قاصرًا على الدول الساحلية فحسب، بل يمتد أيضًا إلى المناطق الإستوائية خاصة فى قارة اَسيا، ومضت تلك الدراسة تقول أنه حتى لو ارتفع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار متر واحد فقط بحلول نهاية القرن الحادى والعشرين، ولم يتغير عدد السكان وتوزيعهم في هذا الوقت، فإن عدد الأشخاص المعرضين لخطر الفيضانات سيرتفع من 267 مليونًا إلى 410 ملايين شخص، وأن 72٪ من هؤلاء الناس سيكونون في المناطق الإستوائية، و59٪ في آسيا الإستوائية وحدها، ولا ريب أن الخسائر الاقتصادية النسبية والوفيات فى الدول النامية عادة ما تكون كبيرة مقارنة بسكان الدول المتقدمة وقوتها الاقتصادية بسبب قدرة الأخيرة على التكيف.
رابعًا: أزمة تغير المناخ تؤدى إلى الهجرة:
ويشير د محمد خفاجى أنه فى بعض مناطق العالم تكون غير صالحة للعيش فى ظل الارتفاع الحاد لدرجة حرارة المناخ، ولا ريب أن موجات الحر والفيضانات والجفاف وندرة المياه وغياب الأمن الغذائى تعتبر ضغوطًا إضافية على الشعوب، قد تجبر بعض الناس إلى مغادرة منازلهم وإلى الهجرة، والهجرة بسبب تغير المناخ تكثر فى الدول النامية الفقيرة وتقل فى الدول الصناعية المتقدمة الثرية، لذا فإن التهجير القسري للسكان بسبب تغير المناخ يعد حديثًا على القمة من بين قضايا حقوق الإنسان.
وللدلالة على خطورة أزمة تغير المناخ على الهجرة يكفى أن نضرب مثالا ببنجلاديش حيث وردت فى بعض الإحصاءات أن 4.1 مليون شخص قد نزحوا نتيجة الكوارث المناخية في عام 2019 وهو ما يعادل 2.5٪ من إجمالي السكان، وأضافت تلك الإحصاءات أنه يمكن أن يتشرد 13.3 مليون شخص بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050، وستظل نسبة 18٪ من الأراضى الساحلية مغمورة بحلول عام 2080 ، وفى هذا الإطار أشار تقرير للبنك الدولي لعام 2018 إلى أن تغير المناخ يمكن أن يدفع أكثر من 140 مليون مهاجر داخلى بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050، كما خلصت إحدى الدراسات الحديثة إلى أنه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر غير المخفف إلى إعادة تشكيل توزيع السكان في بعض الدول، مما قد يؤدي إلى الضغط على المناطق غير الساحلية غير المستعدة لاستيعاب هذه الموجة من المهاجرين الساحليين.
خامسًا: أزمة تغير المناخ تؤثر على الأمن العالمى وتؤدى إلى الاضطرابات الاجتماعية:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن أزمة تغير المناخ تؤثر على الأمن العالمى وتؤدى إلى الاضطرابات الاجتماعية، وهذا ما أوضحه برنامج الأمم المتحدة للبيئة حيث ذهب إلى أن تغير المناخ يعد عاملًا مضاعفًا للتهديد وسببًا لزيادة الصراع، ووفقا لما أوضحه هذا البرنامج فإنه عندما تكون المؤسسات والحكومات غير قادرة على إدارة الضغط أو امتصاص صدمات تغير المناخ، فإن المخاطر على استقرار الدول والمجتمعات ستزداد، ذلك أن تغير المناخ هو "التهديد المضاعف" الذي يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الهشة بالفعل وربما يساهم في زيادة التوترات والاضطرابات الاجتماعية.
سادسًا: التقاضي المناخي أداة لتحقيق العدالة المناخية:
ويشير د محمد خفاجى بأن الاتجاه العالمى يشهد تطورًا ملموسًا في التقاضي بشأن تغير المناخ، حيث يتزايد الاهتمام بالتقاضي المناخي كأداة لتحقيق العدالة المناخية، إذ تتمتع بعض المحاكم فى بعض الدول بصلاحية النظر في عدم اتخاذ أي إجراء بشأن تغير المناخ على المصالح المحمية قانونًا ومنها حقوق الإنسان، وأيضًا إجراءات الضرر والإزعاج العام، وفي عام 2015، سجلت محكمة لاهور العليا بباكستان، أن تأخر الحكومة في تنفيذ سياساتها المناخية ينتهك الحقوق الأساسية للمواطنين، تلاها رفع دعاوى مماثلة في دول بلجيكا والبرازيل وهولندا وألمانيا وبنجلاديش ونيبال خاصة مسألة العدالة بين الأجيال، وأصبح التمسك بحقوق الإنسان الأساسية من ناحية وواجب الدولة في حمايتها من ناحية أخرى هى إحدى الاستراتيجيات المهمة في التقاضي المناخي للتغلب على المعايير القانونية التقليدية فى قضايا المناخ.
وعلى صعيد الواقع العملى فإن المحاكم لا تزال غير قادرة دائمًا لمعالجة بعض النتائج غير العادلة لتغير المناخ بسبب خلو أنظمتها القانونية من تنظيم التقاضى عن قضايا تغير المناخ وتأثيره على المواطنين، وكثير من الأنظمة القانونية على مستوى العالم غير مؤهلة للتعامل مع الهجرة الناجمة عن المناخ، حيث لا توجد معاهدات متعددة الأطراف أو قوانين وطنية تعالج هذه المسألة على وجه الدقة مما يتطلب تحديث القوانين والتشريعات في ضوء حقيقة أن تغير المناخ يمثل تحديًا كبيرًا للقرن الحادي والعشرين، ويمكن أن يتطور التقاضي إلى أداة للدول النامية الضعيفة لمحاسبة الدول المتقدمة والشركات التي تعتبرها مسئولة عن تغير المناخ، ومنها مقاضاة شركات الوقود الأحفوري.