نصار عبدالله يكتب: عن جوائز الدولة

مقالات الرأي

نصار عبدالله
نصار عبدالله

فى شهريونيو من كل عام، تقوم وزارة الثقافة المصرية  بإعلان أسماء الفائزين بجوائز الدولة، ولم تتخلف عن ذلك منذ إنشاء الجوائز فى عصر الرئيس الراحل  جمال عبدالناصر فى عام 1958بموجب القانون  رقم (37)  لعام  (58) الذى نص على إنشاء جائزتين هما "التشجيعية" و"التقديرية"، تمنحان للمبدعين فى مجالات الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية،...لم تتخلف وزارة الثقافة عن ذلك سوى فى عام واحد هو عام 1967حينما تعرضت مصر لكارثة النكسة، فتقرر إلغاء الجوائز فى ذلك العام الكئيب، لكنها استؤنفت فى العام التالى1968، لكى يمنح الفائزون فى ذلك العام ما كان مقررا منحه فى عام 1967، ثم استمر السير على نفس المنوال حتى وقتنا هذا حيث يمنح الحاصلون على الجائزة التشجيعية والتقديرية ما هو مقرر للعام السابق!، وعلى سبيل المثال فإن الذين أعلن عن فوزهم بالتشجيعية والتقديرية فى يونيو من هذا العام2023 حاصلون فى الحقيقة عليها عن عام 2022 بعد أن سقط عام 67من تسلسل الأعوام!!،..وفى عام 1998 تقرر إضافة جائزتين جديدتين هما جائزة مبارك وهى أعلى الجوائز من حيث القيمة المادية والمعنوية ( تغيراسمها فى بعد إلى جائزة النيل )، وجائزة التفوق التى تقع فى مرتبة متوسطة بين التشجيعية والتقديرية، وكلا الجائزتين تمنحان للفائزين بها عن نفس العام وليس عن العام السابق، حيث قامت الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة فى مطلع يونيو من هذا العام بالإعلان عن أسماء الفائزين حيث أسعدنى جدا فوزعدد من الأصدقاء الأعزاء الذين أكن لهم مودة صافية وتقديرا عميقا، وأول هؤلاء الفائزين هو الدكتور على الدين هلال الذى فاز بجائزة النيل للعلوم الإجتماعية والذى ترجع صلتى به إلى ستينيات القرن الماضى حين تزاملنا فى كلية الإقتصاد والعلوم السياسية حيث كان يبهرنا جميعا نحن زملاء الدراسة بثقافته الواسعة واطلاعه الدائم على الكثير مما يستجد  فى مجالات شتى عديدة وليس فى مجال الإقتصاد أو العلوم السياسية وحدهما، وأما ثانى الأسماء التى أسعدنى حصولها على جائزة النيل فقد كان هو اسم الدكتور الراحل محمد عنانى الذى ترجع صلتى به كذلك إلى ستينيات القرن الماضى حين انتدب لتدريس مختارات من الأدب الإنجليزى لطلاب لكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، ورغم أنه كان إذ ذاك مجرد معيد، إلا أن مستوى الثقافة والإطلاع اللذين كان يتمتع بهما من يعين فى درجة معيد فى تلك الحقبة تفوق مستوى الكثيرين ممن هم فى درجة أستاذ فى الحقبة الراهنة وهذا فى حد ذاته  واحد من المؤشرات التى توضح مدى التدهور فى مستوى أعضاء هيئات  التدريس فى الجامعات المصرية وفى مستوى التعليم بكل مراحله بوجه عام، وأعود إلى محمد عنانى الذى توثقت صلتى به عندما لمس مدى شعفى بالأدب رغم دراستى للإقتصاد، وعندما بدأت أنشر أعمالى فى مجال الآداب البيروتية وأنا لم أزل بعد طالبا كان من أوائل المهنئين لى باعتبار أن الآداب كانت هى المجلة الثقافية الأولى فى العالم العربى، وعندما تولى الدكتور محمدعنانى موقع منصب نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب حمل على عاتقه مهمة تعريف القارىء الإنجليزى بالأدب العربى حيث أصدربالإنجليزية سلسلة: " الأدب العربى المعاصر"، وخصص الجزء الثالث من تلك السلسلة للشعر العربى فى مصر، حيث فاجأنى بأنه قدقام باختيار إحدى قصائدى لتكون من بين المختارات التى انتقاها، وعندما اتصلت به لكى أشكره قال لى إن الدكتورة نهاد صليحة (زوجته) هى التى قامت بالترجمة، وإنه سوف يعطيها السماعة لكى أشكرها هى، فتقدمت إليهما معا بالشكر الجزيل. وفى تسعينيات القرن الماضى أصيب الدكتور عنانى بسرطان اللثة نتيجة لشراهته فى التدخين، وحينئذ اقترح على صديقى الشاعر سعد درويش مستشار النشر بالهيئة أن نحمل إليه باقة من الزهور فى المستشفى، ولم أتصور يومها أن تلك الباقة سوف تترك فى نفسه أثرا باقيا، فمنذ ثلاث سنوات فقط تشاء المصادفة أن يكون الدكتور عنانى عضوا بلجنة مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من نجلى عمرو، حيث جاء إلى سوهاج بعد أن تجاوز الثمانين من العمر، لكى يقول فى بداية المناقشة إنه لن ينسى أبدا تلك الباقة الجميلة من الزهور، ثم أنتقل من الدكتور عنانى إلى الشاعر فتحى عبدالسميع  وهو شخصية جميلة على المستوى الفنى والإنسانى وقد أسعدنى فوزه بجائزة التفوق فبادرت بالإتصال به مهنئا، ثم أنتقل أخيرا إلى واحد من تلامذتى المجتهدين الذين شرفت بالتدريس لهم فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة سوهاج وأعنى به الدكتور حمدى الشريف الذى فاز بجائزة الدولة التشجيعية فى مجال العلوم الإجتماعية: الرمزية السياسية: مفهوم الرمز ووظيفته فى الفكر السياسى وهو كتاب يستحق الفوز عن جدارة إذ أنه كما يقول الناقد الأكاديمى القدير بهاء مزيد (وهو أيضا من أبناء جامعة سوهاج اللذين نفخر بهم كل الفخر) يقول فى تصديره للكتاب إن المؤلف يؤسس تناوله على معرفة ووعى عميقين بأصول الترميز السياسى، وموقع الرمز من علم العلامات ونظريات المعرفة، ليقدم لنا إطارا مفاهيميا محددا للرمز من داخل الأدبيات التى تتناوله. مع نماذج تطبيقية لهذا الإطار النظرى.
                                [email protected]