بابا الفاتيكان يوجه رسالة إلى المشاركين في مؤتمر بعنوان "العلم من أجل السلام"
العلم والفكر، البحث عن الحقيقة والمحبة الفكرية، هذا ما سلط البابا فرنسيس الضوء عليه اليوم في رسالة وجهها إلى أسقف تيرامو الإيطالية لمناسبة مؤتمر دولي بعنوان "العلم من أجل السلام".
لمناسبة الدورة الثانية للّقاء الدولي "العلم من أجل السلام" التي بدأت اليوم ٣٠ حزيران يونيو في تيرامو الإيطالية، وتستمر لمدة يومين، وجه البابا فرنسيس تحية في رسالة موجهة إلى أسقف تيراموـ أستي المطران لورنسو ليوتسي حيث تتظِّم هذه المبادرة أبرشية تيرامو بالتعاون مع الأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية. وأكد الأب الأقدس في بداية الرسالة رغبته في نقل تحيته إلى منظمي اللقاء والمشاركين فيه وأيضا تمنياته بسير مثمر لأعمال هذه المبادرة. كما وأكد قداسته التوجه بفكره إلى الأجهزة الأكاديمية والعلمية والضيوف ممثلي المؤسسات الإيطالية والأوروبية وجميع الرجال والنساء العاملين في مجال البحث العلمي.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن الموضوع الذي اختير محور هذا اللقاء ألا وهو "تلاميذ المعرفة الجدد، المنهج العلمي في تغير الحقبة"، وقال إن هذا اختيار هام يقدم نظرة مليئة بالرجاء لمستقبل البشرية. وأضاف الأب الأقدس أن كون الأشخاص متخصصين في العلوم هو دعوة وفي الوقت ذاته رسالة وشكل محدد للمحبة، المحبة الفكرية. وفي سياق الحديث عن المحبة الفكرية أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء على شخصية كبيرة من القرن التاس عشر ألا وهو الطوباوي أنطونيو روسميني، وذكّر الأب الأقدس عن تأكيده أن الحقيقة والمحبة يجمعهما رباط أساسي، فالبحث في الحقيقة ودراستها هما جزء لا لا غنى عنه في الخدمة الصادقة للمحبة، وفي المقابل فإن المحبة المعاشة تقود الإنسان إلى معرفة ممتلئة دائما بالحقيقة وصولا إلى الانفتاح على عطية الله. وتابع الأب الأقدس مواصلا التذكير بما قال الطوباوي فتوقف عند تأكيده على أن هذا الرباط يتطلب حماية الحقيقة والتأمل فيها والبحث فيها والعمل بلا كلل من أجل نشر المعرفة بين البشر.
ثم انتقل البابا فرنسيس في رسالته إلى الحديث عن تغير الحقبة الذي نعيشه حاليا، فقال إنه لا يمكن في هذه المرحلة حبس المحبة الفكرية خلف أسوار مراكز البحث أو جعلها مقتصرة على العاملين في هذا المجال، بل يجب أن تحفز هذه المحبة وتدعم بناء قرب متجدد. وواصل الأب الأقدس مشيرا بالتالي إلى الحاجة العاجلة إلى أن يكتشف العاملون في مجال البحث العلمي مسؤوليتهم التاريخية في العمل في جوانب المعرفة المختلفة متجاوزين الميل نحو الانعزال في مجالات بعينها، وذلك من أجل تعزيز ثقافة المعرفة. وأراد الأب الأقدس التذكير في هذا السياق بكلمات البابا بولس السادس حين تحدث سنة ١٩٥٤عن تطلع الإنسان الحديث إلى امتلاك الأدوات بدلا من الاهتمام بالأهداف، ووصف هذا بالعمى. وواصل البابا فرنسيس مشددا على ضرورة أن تحفز المحبة الفكرية اليوم لدى الأشخاص التفكير بشكل كبير، وأضاف أنه في الوحدة المتناغمة بين المعرفة والمحبة، الإيمان والعقل يجد الإنسان السلام خلال ما يقوم به من بحث ويمكنه أن يحقق نماذج ثقافية واجتماعية قادرة على الرد بالفعل على احتياجاته.
قال البابا فرنسيس بعد ذلك إن الأجيال الجديدة تتطلع إلى لقاء تلاميذ معرفة بهذه الصفات، وذلك كي تستعد هذه الأجيال لتكون رائدة التاريخ وتساهم في تنمية ثقافة قوية. وتابع قداسته إن هذا تحدٍ كبير مضيفا إنه يريد التذكير بالرسالة التي اختتم بها البابا القديس بولس السادس المجمع الفاتيكاني الثاني والتي دعا فيها العاملين في الفكر والعلوم إلى مواصلة البحث عن الحقيقة بلا كلل أو يأس، وذكَّر فيها من جهة أخرى بكلمات القديس أغطسينوس: إننا نبحث بدافع الرجاء في أن نجد، ونجد مفعمين بالرغبة في أن نبحث بعد. وشدد البابا بولس السادس حينها على أهمية البحث المتواصل عن الحقيقة ومواصلة البحث حتى بعد التوصل إليها من أجل تجديدها والتعمق فيها وهبتها للآخرين، كما وتحدث عمن حتى وإن لم يتوصلوا إلى الحقيقة فإنهم يسيرون نحوها بقلوب صادقة.
وفي ختام رسالته شدد البابا فرنسيس على أن درب السلام هو في الحقيقة وفي المحبة، وتحدث عن أن بحثا تنيره الحقيقة في المحبة يضع دائما أسسا راسخة من أجل بناء مجتمع سلمي وذلك لأنه منظَّم بشكل متناغم من أجل الهدف، وذلك في احترام للشخص البشري وفي رد مُمتَن على عطايا الله.