د. نصار عبدالله يكتب: فى ذكرى "النكسة"
تحل فى هذه الأيام ذكرى حرب يونيو 1967 وهى الحرب التى عرفت ومازالت تعرف فى مصر بالنكسة، بينما أطلقت عليها إسرائيل ولا تزال: "حرب الأيام الستة "، نظرا لأنها تمكنت من تحقيق نصر كاسح على جيوش ثلاث دول عربية هى:مصر وسورىا والأردن، حيث استطاعت فى خلال ستة أيام فقط (بدءا من صباح اليوم الخامس وانتهاء إلى مساء اليوم العاشر من شهر يونيو أو حزيران كما يطلق عليه فى سوريا والأردن).. استطاعت أن تحتل شبه جزيرة سيناء المصرية بالكامل وهضبة الجولان السورية والضفة الغربية لنهر الأردن، ومن الجدير بالذكر هنا أن مصطلح: " النكسة " قد أثار وما زال يثير قدرا كبيرا من السخرية بين المصريين، حيث يرى منتقدوه أنه محاولة بائسة لتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية فى محاولة لتخفيف وقعها أو تغيير دلالتها. والسؤال الآن هو:هل هذا الإنتقاد فى محله؟ وهل مصطلح: " نكسة "هو مصطلح غير دقيق فى وصف ماجرى، حيث الأحرى ان نستخدم لفظ: "هزيمة"، دون لف أو دوران؟ للإجابة على هذا السؤال نبدأ أولا بالتعرف على معنى نكسة من خلال استخدام هذا المصطلح فى السياقات التى يستخدم فيهاعادة، وأولها هو النكسة فى الحالة الصحية للفرد ويقصد بها عودة المرض بعد الشفاء منه وتوهم أن الشفاء قد استقر، وفى ضوء هذا المعنى نعود إلى السؤال المطروح وهو أيهما أدق: مصطلح الهزيمة، أم مصطلح النكسة ؟ والواقع أن مصطلح الهزيمة كان يمكن أن يكون هو الأدق لو كان ما جرى فى عام 1967 قد جعل من مصر والعرب يفقدون القدرة تماما على النهوض ومحاولة استرداد ما فقدوه، غير أن ما حدث بعد ذلك يكذب تلك المقولة تماما، والدليل على ذلك هو أنه بعد ثلاثة أسابيع فقط من النكسة، وتحديدا فى أول يوليو 1967تقدمت قوة من المدرعات الإسرائيلية نحو بورفؤاد وهى الجزء الوحيد من سيناء الذى كانت إسرائيل لم تتمكن من احتلاله وذلك بهدف استكمال الإحتلال، غير أن وحدة من قوات الصاعقة المصرية تصدت لها وأرغمتها على التراجع بعد تدمير ثلاثة من مدرعاتها فى منطقة رأس العش، وفى أكتوبر من نفس العام نجحت زوارق الطوربيد المصرية فى إغراق المدمرة إيلات وهى واحدة من أكبر القطع البحرية الإسرائيلية، وأما فى الجبهة الأردنية فقد شهد شهر مارس 1968معركة طاحنة حين حاولت إسرائيل عبور نهر الأردن وتمكنت من عبوره فعلا فى عدة محاور غير أن القوات الأردنية وقوات منظمة التحرير الفلسطينية تصدتا معا لتلك القوات فى قرية الكرامة الأردنية حيث دارت معركة دامت لأكثر من خمس عشرة ساعة أجبرت فيها إسرائيل على الإنسحاب مخلفة عددا كبيرا من القتلى الذين لم تستطع سحبهم لأول مرة فى تاريخها!، ونعود إلى الجبهة المصرية التى شهدت ميادينها حرب الإستنزاف فى عام 1969، والتى كان لكاتب هذه السطور شرف المشاركة فيها، حيث شهد بنفسه مدى عنف القصف المدفعى الذى تبادله الجانبان على جانبى القناة، كما شارك فى توديع بعض الرفاق من القوات الخاصة التابعة لفرقته وهم يعبرون القناة فى مهام أقرب ما تكون إلى الطابع الإستشهادي، ثم شارك فى استقبالهم بعد أن كتبت لهم النجاة والعودة مظفرين وهم يقتادون عددا من الأسرى الصهاينة، غير أن الإنجاز الأهم هو ما حدث فى أكتوبر عام 1973 حين قامت القوات المصرية بالتنسيق مع القوات السورية بشن الهجوم على المحتل الإسرائيلى فى توقيت واحد، حيث نجحت القوات المصرية فى عبور القناة والتوغل فى سيناء بعمق يصل إلى عشرة كيلومترات تقريبا منزلة بالجانب الإسرائيلى خسائر فادحة فى الأرواح، تصل فى أحد التقديرات إلى ما يقرب من عشرين ألف قتيل، وأضعاف هذا العدد ممن اعتبروا فى عداد المعوقين، وأثبتت لأول مرة أن الجيش الإسرائيلى ليس هو الجيش الذى لا يقهر.