الرئيس الموريتاني يستعرض جهود موريتانيا في مكافحة الإرهاب والعنف
ألقى الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، كلمة ضمن فعاليات المحطة الثانية من زيارة الصداقة والعمل التي يقوم بها حاليا لجمهورية مصر العربية، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وجاء نصها كالتالي:
“بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب المعالي أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية؛
أصحاب السعادة؛
السيدات والسادة؛
يطيب لي بداية أن أعبر لحكومة جمهورية مصر العربية، والأمانة العامة للجامعة العربية عن خالص شكري على تهيئة هذا اللقاء وحسن ترتيبه، معربا للأمين العام السيد أحمد أبو الغيط ولأصحاب السعادة، المندوبين الدائمين، عن بالغ سروري بالحضور معهم اليوم، في رحاب الجامعة العربية، بيت العرب العتيد.
وسأغتنم هذه الفرصة لمشاركتكم بعض الملاحظات حول واقع وضرورات العمل العربي المشترك، ولإطلاعكم، كذلك، على مقاربة إخوتكم في الجمهورية الإسلامية الموريتانية لأبرز التحديات العربية والإقليمية والدولية.
إن الأهداف التي رسمها القادة العرب للجامعة العربية جعلت منها معقد أمل كبير للمواطن العربي.
فقد أنيطت بها، بحكم المادة الثانية من ميثاقها، مهمة توثيق الصلات بين الدول العربية وتنسيق خططها السياسية، تحقيقـا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، وكذلك مهمة توثيق هذا التعاون على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وإنني لأنتهز هذه الفرصة لأشيد بكل ما حققته الجامعة العربية من إنجاز في هذا السياق على مر العقود، وكذلك بالجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها الأمانة العامة للجامعة العربية في سبيل ترقية العمل العربي المشترك وتطوير آلياته.
صحيح، أن عملنا العربي المشترك لا يزال، من حيث النجاعة والفعالية، دون ما يتطلع إليه المواطن العربي، وتستجوبه التحديات القائمة عربيا وإقليميا ودوليا.
لكن صحيح كذلك، أن ما يوحد دولنا وشعوبنا العربية، عقديا، وتاريخيا، وثقافيا، وما يجمعها من مصالح ومصير مشترك لكفيل بتمكينها من سد ما في عملها المشترك من نقص أو قصور.
إن العالم اليوم بفعل سرعة وقوة تأثير وتأثر البلدان بعضها ببعض وقوة ترابط اقتصاداتها وتداخل ضرورتها الأمنية والبيئية والجيوسياسية لا يترك لآحاد الدول فرصة كبيرة للتحكم منفردة في مسارها التطور ي.
ولذا تتكاثر عبر العالم أشكال وصيغ التكتلات الاقتصادية والسياسية لما تكسبه لأعضائها من حضور وقوة على التأثير.
وتأسيسا عليه فإنه لا غني لنا كدول عربية، عن ترقية جامعتنا وتطوير عمل عربي مشترك فعال إذا أردنا استعادة الأمن والاستقرار في فضائنا العربي، والانتصار على الإرهاب والتطرف، والتأسيس لتنمية شاملة ومستديمة.
وأول خطوة على هذا الطريق تتمثل في إسكات صوت السلاح في عموم وطننا العربي.
ولذا فإننا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية نساند بقوة كل الجهود، العربية والدولية، الهادفة إلى حل النزاعات القائمة في اليمن وسوريا والسودان وليبيا على النحو الذي يضمن لهذه الدول وحدة وسلامة أراضيها ويضمن حق شعوبها في الاستقرار والأمن والنماء.
كما أجدد التأكيد على موقفنا الثابت القاضي بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ولمبادرة السلام العربية.
إن في حل النزاعات العربية- العربية تعزيزا لقدرتنا الجماعية على الصمود في وجه ما يجتاح العالم من أزمات أمنية واقتصادية وبيئية تؤثر انعكاساتها السلبية، بحدة، على أنسجتنا الاقتصادية والاجتماعية وعلى تحكمنا في مسارات تطورنا المستقبلي.
وهذه الأزمات الأمنية والاقتصادية والبيئية، في اعتقادنا، وثيقة الترابط فيما بينها، يغذي بعضها بعضا، في حلقة مفرغة هدامة. ولذا، لا بد من مقاربتها على نحو شمولي، تكاملي ومندمج.
على مثل هذه المقاربة، بنينا، في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، استراتيجيتنا الوطنية لمكافحة الإرهاب ولضمان استتباب الأمن والاستقرار ولرفع التحديات الاقتصادية والبيئية.
تعلمون جميعا أن منطقة الساحل، التي تقع بها بلادنا، تتعرض منذ سنوات عديدة لموجة من العنف والإرهاب لم تسلم من أذاها أي من دول المنطقة.
وقد اعتمدنا في مواجهة موجة العنف والإرهاب هذه مقاربة شمولية، فلم نقصر جهودنا، على مجرد تعزيز قواتنا المسلحة في مواجهة الجماعات الإرهابية، عسكريا، بل عززنا ذلك بجهود موازية كبيرة لمكافحة الغلو والتطرف، فكريا، ولإشاعة ثقافة السلم والاعتدال، وانشأنا مع بعض جيراننا مجموعة دول الساحل الخمس التي نتولى اليوم رئاستها الدورية لصهر جهودنا في إطار هذه المقاربة المندمجة.
كما عملنا على مكافحة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للتطرف، من خلال مكافحة الفقر، والهشاشة، وآثار التغيرات البيئية، تأسيسا لتنمية مستديمة.
وهكذا، عملنا على إنشاء شبكة أمان اجتماعي واسعة تشمل التأمين الصحي المجاني لما يناهز 15 في المائة من الأسر الموريتانية والدعم المستمر للقدرة الشرائية للمواطن والتوسع في بناء الوحدات السكنية الاجتماعية، وغير ذلك من الإجراءات الكثيرة الأخرى التي تنحو نفس المنحى.
كما بذلنا جهودا كبيرة في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية، بمكافحة الغبن والتهميش وشتى أشكال التمييز، وبانتهاج الانفتاح والحوار مع كافة الأطراف، من أحزاب سياسية، ومجتمع مدني، وقادة رأي، على اختلاف مواقفهم ورؤاهم.
هذا بالإضافة على التركيز على إصلاح منظومتنا التعليمية، وعلى إرساء قواعد الحكامة الرشيدة، وترسيخ الحريات الفردية والجماعية، وترقية الشباب والتمكين للمرأة.
ذلك أننا مقتنعون بأنه، كلما ترسخت الحريات والحكامة الرشيدة، وتحسن مستوى إشراك المواطن في الشأن العام، كلما ضاقت منافذ التطرف والإرهاب، وتهيأت شروط الأمن والاستقرار، وتأتت إمكانية بناء تنمية مستديمة شاملة.
ولما كان من الشروط الأساسية لاستدامة التنمية رفع التحديات البيئية، عملنا على خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 11%، ورفع نسبة الطاقات المتجددة في إجمالي استهلاكنا الطاقوي إلى 50% في أفق 2030، وستتعزز جهودنا في هذا المجال ببرنامج واسع لتطوير الهيدروجين الأخضر هو الآن قيد الإطلاق.
ولقد أطرت جهودنا، على مختلف هذه المستويات، إصلاحات اقتصادية كبرى أملتها ضرورة مواجهة الانعكاسات الكارثية لأزمة كوفد-19 وللأزمة الأكرانية.
ومدار هذه الإصلاحات على بناء اقتصاد منفتح ومتنوع، فعال في خلق فرص العمل وإنتاج القيمة المضافة، وكذلك على ترقية قطاعاتنا الإنتاجية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتطوير القطاع الخاص، ودعم شراكته مع القطاع العام، وتحسين مناخ الأعمال، وتحفيز الاستثمار، والمحافظة على التوازنات الاقتصادية الكبرى.
وإننا، إذ نشيد، هنا، بمواكبة أشقائنا في الدول العربية لمسيرتنا التنموية، لنجدد التعبير، عن حرصنا على تعزيز علاقاتنا السياسية والاقتصادية والأمنية مع أشقائنا العرب، إيمانا منا بحتمية ترقية عملنا العربي المشترك، وباقتضاء ذلك ضرورة لتنويع وتكثيف تعاوننا الاقتصادي البيني.
ولذا، فإن بلادنا تعمل اليوم جاهدة على أن تكون الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية، المزمع عقدها يومي 6 و7 نوفمبر القادم في العاصمة نواكشوط، محطة متميزة في النهوض بالتعاون الاقتصادي العمل العربي المشترك.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.