هل يجوز سفر المرأة إلى الحج دون محرم؟.. أستاذ الفتوى يوضح
هل يجوز سفر المرأة للحج دون محرم ؟ دوما يرتبط هذا السؤال عند الكثير من السيدات لمعرفة الرأي الشرعي في سفرهم في العموم وسفرهم إلى الحج، وبسبب قرب قدوم عيد الأضحي المبارك واقتراب موسم الحج يتساءل الكثيرون عن الرأي الشرعي.
وعلية فقد أجاب دكتورعطية لاشين أستاذ الفتوى بالأزهر الشريف حول هذه المسألة قائلا:-
الأصل في الأحكام الشرعية العموم أي يخاطب بها كل من الرجل والمرأة على حد سواء قال تعالى:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) وقال جل شأنه: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأ ولائك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)، وقال تقدست أسماؤه:( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) إلى أن قال سبحانه:(والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)، هذا العموم في الأحكام الشرعية ومخاطبة كل من الذكر والأنثى بذلك هو الأصل، والاستثناء اختصاص المرأة ببعض الأحكام ومن هذه الاستثناءات الحج حيث اشترط الشرع شروطا لوجوب الحج على كل من المسلم والمسلمة.
وهذه الشروط قسمان: عامة أي يشترط توافرها في كل من الرجل والمرأة وأخرى خاصة تخص المرأة وحدها وهي عدم خروجها للحج إلا مع زوجها أو مع ذي رحم محرم منها، وعدم خروج المرأة مسافرة إلا مع ذي رحم محرم منها أو زوجها ليس خاصا بسفرها للحج وحده بل هو شرط عام لمطلق سفر ودل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا معها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو رحم منها” وفي بعض الروايات لم تحدد السفر بيوم أو يومين أو ثلاثة بل نصت على سفر مطلق.
هل اتفق العلماء في اشتراط المحرم وخروجه مع المرأة إذا سافرت؟
اختلف أهل العلم في اشتراط المحرم وخروجه مع المرأة إذا سافرت إلى رأيين:
الرأي الأول: يشترط لمشروعية سفر المرأة للحج أو غيره وجود المحرم أو الزوج ذهب إلى الرأي السابق الإمام أبو حنيفة وأصحابه ونقله جماعة عن الإمام أحمد واختاره ابن المنذر من الشافعية ٠
الرأي الثاني: لا يشترط لسفرها للحج أو غيره أن يخرج معها زوجها أو ذو رحم منها بل الشرط أن تكون آمنة على نفسها ويحصل الأمن بخروجها مع نسوة ثقات معها، أو رفقة مأمونة أيا كانت رجلا كانوا أو كن نساء
وفي المذهب الشافعي ثلاثة آراء:
1/ إن وجدت نسوة ثقاة يخرجن خرجت معهن وذلك هو الصحيح من المذهب ٠
2/ جاز لها الخروج إن وجدت امرأة واحدة ٠
3/ إذا كان الطريق آمنا جاز خروجها من غير نساء وهو ما ختاره الإمام الشيرازي الشافعي ٠
ما الدليل الشرعي لاشتراط وجود محرم مع المرأة للسفر للحج أو غيره؟
استدل من اشترط وجود المحرم لسفر المرأة للحج أوغيره بأدلة كثيرة منها ما يلي:
"أخرج الشيخان البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ ( لاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل يا رسول الله: إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال ﷺ أخرج معها٠
دل ذلك أنه لا ينبغي للمرأة الخروج للحج إلا بوجود المحرم، ولو كان المحرم غير شرط لخروج المرأة لأمره الرسول ﷺ بالمضي قدما إلي الخروج للغزوة التي اكتتب فيها، فكونه ﷺ لم يأمره بالخروج إلى الغزوة بل أمره بالخروج مع امرأته دليل على عدم سفرها إلا بوجود المحرم ٠
وناقش ابن حزم الاستدلال بهذا الحديث فقال: وهذا الحديث حجة عليهم لأنه ﷺ لم يأمر برجوعها ولا أوقع عليها النهي عن الحج ولكنه ﷺ أمر زوجها بالحج معها،فالنهي في هذا الحديث متوجه إلى الزوج لا إلى المرأة.
ويجاب عن هذا الاعتراض فيقال: إن في أمر النبي ﷺ الرجل بأن يخرج مع امرأته ويترك الجهاد الذي تعين عليه دليل وجوب المحرم لسفر المرأة
كما أن عدم استفصال النبي ﷺ:هل خرجت مع رجال مأمونين، أو نسوة ثقات دليل على أنه لا يجوز سفرها إلا مع زوجها أو مع ذي رحم منها ٠
ما الدليل الشرعي لعدم اشتراط وجود محرم مع المرأة للسفر للحج أو غيره؟
استدلوا بأدلة كثيرة منها مايلي:
1/ قول الله تعالى:(ولله على الناس حج البيت)
وجه الاستدلال: أن هذا خطاب عام للناس جميعا يشمل الذكر والأنثى من غير خلاف ومن ثم إذا كان للمرأة زاد وراحلة فهي مستطيعة والرفقة المأمونة إذا كانت معها فإنه يؤمن الفساد عليها فيلزمها فرض الحج، ويناقش هذا الاستدلال بأن الآية عامة وأحاديث اشتراط المحرم خاصة وعند التعارض يقدم الخاص على العام٠
2/ استدلوا من السنة بما يلي:
أخرج الترمذي في سننه ان النبي ﷺ فسر السبيل بأنه الزاد والراحلة٠
وجه الاستدلال أن النبي ﷺ لم يذكر المحرم من السبيل ومن ثم إذا توافر للمرأة الزاد والراحلة فهي ممن استطاعت إلى الحج سبيلا فوجب عليها وأن لم يكن محرم٠
ولكن نوقش هذا الاستدلال بهذا الحديث بأنه حديث ضعيف هذا أولا، وثانيا أن النبي ﷺ لم يذكر المحرم لأن السائل كان رجلا٠
3/ روي عن النبي ﷺ أنه قال في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال له "هل رأيت الحيرة؟ قال قلت لم أرها ولكن أنبئت عنها قال ﷺ إن طال بك زمان لترين الظعينة (المرأة في الهودج) ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله ٠
وجه الاستدلال: إن خروج الظعينة على هذا الوجه جائز وهي خرجت دون محرم ولو لم يكن جائزا لم يمدح به الإسلام، ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الحديث سيق لبيان الواقع وهو انتشار الأمن لا لبيان حكم الخروج دون محرم٠
واختتم دكتورعطية لاشين حديثة قائلا: لكي نصل إلى رأي راجح في هذه المسألة نتساءل هل اشتراط المحرم لسفر المرأة أمر تعبدي أم امر معقول المعنى؟
والذي أراه أنه حكم معلل علته أن تأمن المرأة على نفسها أثناء سفرها وإذا مان كان الأمر كذلك فيستوي في تحقيق أمنها أن يسافر معها زوجها أو ذو رحم منها، أو أن تسافر مع نسوة ثقات، أو رفقة مأمونة٠
ومن ثم أرجح الرأي القائل بأنه إذا توافر المحرم وكانت المرأة قادرة عل تحمل نفقات سفره فبها ونعمت، وإن لم يتوافر لها ذلك فيقوم مقام المحرم سفرها مع نسوة ثقات معها لأن الشيطان إلى الواحد أقرب، وهو عن الاثنين أبعد أما أن تسافر وحدها دون محرم أو نسوة ثقات أو رفقة مأمونة فذلك لا يجوز والله أعلم.