البابا تواضروس يتراس الاحتفال بـ "دخول المسيح أرض مصر" في كنيسة "أبي سرجة" بمصر القديمة
شهد قداسة البابا تواضروس الثاني مساء اليوم احتفالية عيد دخول السيد المسيح أرض مصر بكنيسة القديسين سرجيوس وواخس "أبي سرجة" بمصر القديمة التي تعد أحد الأماكن التي زارتها ومكثت بها العائلة المقدسة لدى زيارتها لمصر.
وعقد قداسة البابا مؤتمرًا صحفيًا قبل بدء الاحتفالية قال فيه أن هذا العيد عيد مصري خالص نحتفل به منذ القرن الرابع الميلادي، بينما الحدث نفسه (مجئ العائلة المقدسة) جرى في القرن الأول.
وأشار إلى أن الكنائس القبطية في الخارج تحتفل في هذا العيد باليوم القبطي العالمي "WORLD COPTIC DAY" حيث يتم خلاله بالتعريف بمصر وتاريخها وهويتها وزيارة السيد المسيح لها وهي الميزة التي تميزها حيث تعد مصر البلد البلد الوحيد التي زارها.
وثمن قداسته جهود القيادة السياسية وكافة أركان الدولة المصرية في إعادة إحياء مسار العائلة المقدسة.
وتوجه قداسة البابا يرافقه وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي والسفير سها جندي وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج ومحافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال إلى داخل الكنيسة لبدء الاحتفال.
وصلى قداسته صلاة عشية العيد وشاركه عدد من الآباء المطارنة والأساقفة ووكيل البطريركية بالقاهرة القمص سرجيوس سرجيوس، وعدد من الآباء الكهنة والشعب.
وعقب العشية رتل كورال "الحصاد" التابع لكنيسة الشهيد مارجرجس بالمنيل مجموعة من الترانيم والألحان.
وألقى قداسة البابا كلمة أشار خلالها إلى أن هذا العيد هو عيد مصري صميم، وتحتفل به الكنيسة القبطية منذ القرن الأول الميلادي خاصة في المواقع الأثرية، والتي وُجدت فيها الحياة والعبادة قبل أن يُكتشف العالم الجديد، مما يوضح الأصالة التي تتمتع بها مصر، وألمح إلى ثلاثة جوانب لمسار العائلة المقدسة في مصر، وهي:
١- الجانب التاريخي: حسب التاريخ في العهد الجديد في الكتاب المقدس أن السيد المسيح وُلد في أورشليم في بيت لحم، وكان في ذلك الزمان هيرودس ملك اليهودية بفلسطين، وكان لا يرى في الوجوه إلا نفسه، ولكن في ميلاد السيد المسيح الذي أتى إلى العالم جاء إليه الرعاة اليهود والمجوس وهم علماء الفلك، وكانوا يعبدون النجوم ويدرسونها، فعندما وجدوا نجمًا يتحرك من الشرق إلى الغرب - وهذا على غير العادة – أن هذا النجم يصل إلى بيت لحم، وحسب كتبهم التي تقول أن ظهور هذا النجم هو ظهور لملك جديد، فسألوا هيرودس "أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" (مت ٢: ٢)، ولكن هيرودس قام بخداعهم، وطلب منهم أن يذهبوا لمعرفة مكان هذا الملك وأن يعودوا إليه ويخبروه بالمكان ليذهب للسجود له، وذهبوا لرؤية السيد المسيح الطفل، وقدموا هداياهم: الذهب واللبان والمر، والتي لها معاني روحية وإنسانية حسب كتبهم، أن أيام حياة الإنسان هي ثلاثة أنواع، هي:
- أيام "ذهب": وهي أيام الفرح والنجاح والإنجاز.
- أيام "اللبان" (البخور): هي أيام الجهاد والتعب والدراسة والعمل.
- أيام "المر": هي الأيام التي يتعرّض فيها الإنسان للضعفات والأزمات في الحياة.
ثم انصرفوا وأُوحي لهم ألا يعودوا إلى هيرودس، الذي وضع خطة لقتل الأطفال الذين أعمارهم سنتين فما دون، وصارت مذبحة "رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا" (مت ٢: ١٨)، وظهر الملاك للقديس يوسف النجار الحارس لأمنا العذراء مريم وأخبره أن يذهب إلى مصر، واختار هذا البلد لأنه الملجأ الأمين، لذلك نقول أن السيد المسيح هو أول لاجئ لمصر.
ومن العهد القديم قبل ولادة السيد المسيح بـ ٧٠٠ أو ٨٠٠ سنة جاءت نبوءة "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ" (إش ١٩: ١٩)، وهذا هو ما كان، والمذبح المُدشّن بيد المسيح نفسه يوجد في دير المحرق بأسيوط.
كما ذُكرت مصر والمصريين نحو ٧٠٠ مرة في الكتاب المقدس بعهديه.
٢- الجانب الروحي: هذه الزيارة لها بركتها على أرض مصر ونشعر بها، وهذه البركة هي بركة حياتية، لأن السيد المسيح مكث بمصر ثلاث سنوات وستة أشهر وعشرة أيام، وتحركت العائلة المقدسة بمصر شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، وأيضًا برًّا ونهرًّا، فكانت البركة للأرض ومياه النيل.
وجانب البركة (الروحي) هو جانب بركة لنا جميعًا، واختيار السيد المسيح لمصر خاصة عن دون دول العالم لكي يمكث بها هذه الفترة هو امتياز وانفراد ليس له مثيل في العالم، وهذه المواقع التي تعود للقرن الأول والرابع الميلادي هي للبركة والقوة الروحية، فالله يسكب في داخلنا قوة خاصة هي قوة الحياة، مما يجعل مصر بدءًا من الفراعنة والعصور المسيحية والإسلامية فهذا الامتداد يجعل من مصر ممسوحة بغطاء روحي، فيُعطي الإنسان قوة روحية مهمة لحياته وأن يشعر بيد الله التي تعمل ويشعر وكأن مصر معبد كبير.
٣- الجانب السياحي (الاقتصادي): هذا المسار هو نعمة خاصة وهدية منفردة أعطاها الله لمصر، واهتمام الدولة بالقيادة السياسية والحكومة المصرية والهيئات بدأ منذ عدة سنوات لمحطات الزيارة الـ ٢٥ من سيناء إلى الصعيد، فصار هذا المسار جاذبًا للسياحة لأنه موضع غير موجود بمكان آخر، وهو موضع له قيمة روحية وتاريخ كتابي، ولأن كنائسنا القبطية انتشرت في العالم فوضعنا تسمية جديدة لهذا العيد تصلح للاستخدام العالمي وهي World Coptic Day "اليوم القبطي العالمي".
طالب قداسته أن يكون للمسار مكانة في مدارسنا، وأن يكون يوم ١ يوم تحتفل فيه مصر لأنه يُعتبر عيدًا قوميًّا، ويلزم التوعية والثقافة بأهمية هذا الجزء من تراثنا المصري أن يكون حاضرًا في الأذهان، لأن هذا المسار يهم مصر كدولة وإذا أُتيحت الفرصة لكثيرين أن يأتوا إلى مصر ووجدوا استعدادًا للترحيب بهم وبرامج سياحية متعددة سوف يتدفق الملايين من السائحين على مصر، وإذا نجحنا في وضع حملة توعية مستمرة سيعلم العالم مقدار هذا المسار تاريخيًّا وجغرافيًّا وروحيًّا سياسيًّا وأيضًا اقتصاديًّا.
هذا الاحتفال قوي نحتفل فيه بمناسبة تملأنا فخرًا وتعطينا قوة وتباركنا بكل نعمة روحية.