تعرف على حضارة كنيسة الروم الأرثوذكس

أقباط وكنائس

بوابة الفجر

أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو مُطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة الرسمي، ووكيلها للشؤون العربية، دراسة حول حضارة الروم الأرثوذكس.
وقال اسم حضارتنا هي "الحضارة الرومية" لكن جذورنا "مشرقية" أو "من الاناضول" أو "من اثينا" أو الاسكندرية أو من "بيروت" أو من "اللاذقية".. لا فرق. نحن نختلف عن غيرنا في اننا اخذنا حضارة لنا مميزة باتساع رقعتها الجغرافية، "حدودها كل المسكونة".. وكانت عاصمتها "روما الجديدة" اي القسطنطينية. ومنها اخذنا اسم حضارتنا "الروم"، ف "صنعناها" و"اثريناها" وبنيناها، واعطيناها خصوصياتنا ومميزاتنا المشرقية و"امتزجنا بالقوميات جميعها" في كل هذا المدى المتوسطي الذي وحدته الامبراطورية الرومية البيزنطية انذاك. نحن لم نتميز "بنعرة اقليمية انفصالية" ولا "بنعرة قومية تقسيمية".. بل تمسكنا ب "كل المدى المتوسطي المشرقي".. واعطيناه الوجه المسيحي.. ومزجنا الحضارات الوثنية القديمة، وجعلنا "المسيح محورها الاوحد"، ودمرنا الهتها الصماء، وخرج من هذا الامتزاج "العرقي "حضارة مميزة" اسمها "حضارة الروم" امتدت من دمشق إلى القسطنطينية إلى أثينا إلى الاسكندرية.. إلى كل الارض. وفي كل الارض، وحيثما حلت حضارة الروم، حملت "بعضًا من انطاكيا وبعضا من الاسكندرية وبعضا من جزيرة كريت، وبعضا من اثينا، وبعضا من اورشليم.. هذه حضارتنا الغنية، حيث تكون تحمل في طياتها "كل الحضارات القديمة"، وهذه مميزات الروم في هذا المشرق..
أن البحر المتوسط كان هو المحور الذي تمحورت حوله حياة الفينيقيِّين والإغريق والرومان، فتفاعلوا وتزاوجوا، وخلقوا معًا ابنتهما المسماة: " الحضارة الهلينية بلغتها اليونانية"، والتي أخذت الطابع المسيحي "الرومي" فيما بعد، وهي التي ينتسب إليها يونانِيُّو اليوم والقَبارِصة والروم في المشرق الأنطاكي والاسكندري والأوروشَليمي.
حصل التمازج "الشرقي الفينيقي – البلاسجي اليوناني" لتنشأ منه حضارة مميزة اسمها "الحضارة الهلينية"، انتشرت في الساحل المشرقي "سوريا- لبنان- فلسطين" والاسكندرية وقبرص واليونان، وتطورت بشكل طبيعي جدًا وأعطت الحضارة "الرومية".
اسم "الروم" هو اسمنا الثابت كمجموعة معينة من الناس، وهو الاسم الذي نتناقله من جيل لجيل ونحافظ عليه، ولذلك ينبغي لنا، كي نعرف هويتنا الحقيقية، أن نبحث في من هم "الروم" تاريخيًا. أما التسميات العارضة الأخرى فكانت تتغير تبعا للظروف. فتارة يصفوننا بالروم ( العثمانيين ) أو بالروم ( العرب ) أو الروم (الاسكندريين) أو بالروم ( السوريين ) أو غيرها، حسب تقلب السلطات الحاكمة، وتغير التقسيمات السياسية للدول في المنطقة، وتبدل أسمائها وحدودها. 
أما التعبيران "البيزنطيون" و"الروم" فيفيدان المعنى نفسه. لكن تعبير "بيزنطيون" لم يطلقه البيزنطيون على أنفسهم أبدا. بل أطلقوا على أنفسهم اسمًا واحدًا هو "الروم" Ρωμαίοι أو Ρωμιοί وتلفظ " Romaíoi " والمصادر العربية كذلك عرفتهم في دمشق أو في القسطنطينية أو في الاسكندرية أو اثينا ب "الروم" فقط. 
أما تعبير "بيزنطي" فتعبير علمي أطلقه علماء التاريخ الغربيون في القرن التاسع عشر ولم يكن دارجا على لسان الشعب.
لا بد لنا أيضا، أن ننسى التقسيمات المصطنعة التي نشأت حديثا بين دول معينة "لبنان، سورية، الأردن، فلسطين، تركيا، مصر، قبرص، اليونان"، لأن هذه الدول لم تكن كما هي اليوم: ولا كانت قد اتخذت أسماءها المألوفة اليوم، ولا حدودها، ولا كانت اللغات المنتشرة فيها شبيهة باللغات الموجودة اليوم. وبالتالي فهي لم تكن موجودة كدول إطلاقا ولا حتى كقوميات.
وبالتالي فلننظر إلى هذا المدى الجغرافي الواسع، " كأرض واحدة متداخلة، كلها عبارة عن وحدة جغرافية واحدة لا تتجزأ "، وفي كل مدينة من مدنها قوميات عديدة ولغات عديدة، وهؤلاء يتفاعلون مع بعضهم البعض، بشكل طبيعي. إن سرت في الشارع، رأيت رجالًا يونانيي اللغة وآراميي اللغة وأرمنيي اللغة أو فارسيي اللغة يشترون بضائعهم وحاجياتهم من متجر واحد، ويسكنون في شارع واحد، ويتزاوجون، ويتفاوضون، ويتحاورون، ويتقاتلون.. ويتنقلون بين مدينة ومدينة بسهولة تامة، بين أنقرة وبيروت، بين الاسكندرية وأثينا، بين أثينا ودمشق، بين أنطاكية والقدس، بين عمان والقسطنطينية، بين اللاذقية وكبادوكية.. دون اية عوائق.
وفي عام 335 م أسس الإمبراطور قسطنطين عاصمة للإمبراطورية الرومية البيزنطية وكان بها مقر بطريركية الكنيسة الرومية الأرثوذكسية وهي كاتدرائية آيا صوفيا (الحكمة الإلهية).
وقد سميت القسطنطينية ب "روما الجديدة" بسبب عظمتها وقوتها وأهميتها التي ضاهت بها روما القديمة عاصمة الامبراطورية الرومانية الوثنية وفيما بعد تغلبت عليها وأصبحت اهم مدينة في عصرها.. 
ومن القسطنطينية "روما الجديدة" اخذ الروم اسمهم. 
الروم في هذا المشرق، هم مزيج من الشعوب التي سكنت هذه الأرض على التوالي منذ بدء البشرية. قبل الفينيقيين، الشعوب الأولية، ثم الكنعانيون وشعوب البحر "من جزيرة كريت" والحثيون والآراميون واليونانيون بشكل خاص مشكلين الحضارة الهلينية بلغتها اليونانية، وفيما بعد الحضارة الرومية بلغتها اليونانية ودينها المسيحي..
من حيث العرق نحن مزيج أعراق، ذاب بعضه ببعض، واتخذ "الحضارة الرومية" حضارة مميزة له، واللغة الرومية" لغة مميزة له. اللغة "الرومية" اي اليونانية، كانت اللغة التي احتلت المقام الأول لدى روم المشرق، سواء من حيث أنها كانت لغة أكثريتهم في هذا الشرق وكتب "الواقدي والبلاذري وغيرهم تشهد بأن العرب لما احتلوا بلادنا حدثوا الروم بالرومية"، أو من حيث لغة كنيستهم الرسمية التي كانت منذ البداية اللغة الرومية. مع العلم أن معظم الذين اعتنقوا المسيحية اعتنقوها في الكنيسة الرومية.
الروم في مشرقنا هم الذين يتبعون القسطنطينية سياسيًا، ويرفضون استقلال المشرق عن الامبراطورية الرومية، ويتكلمون اللغة اليونانية "الرومية"، وقداسهم في سورية ومصر هو نفسه في القسطنطينية، والحانهم هي نفسها الألحان البيزنطية، وهم طبعًا المناضلون الشرسون عن المجمع الخلقيدوني.
أنتَ أمام رقعة واحدة شَكّلت في يومٍ من الأيام نسيجًا حضاريًا وثقافيًا وعرقيًا مترابطًا.