ماذا قصدت الكنيسة بمصطلح «رؤية وجه الله» الوارد في أخر أسفار الإنجيل؟

أقباط وكنائس

بوابة الفجر

أعطى الأنبا نيقولا أنطونيو مُطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة الرسمي، ووكيلها للشؤون العربية، تفسيرا لمصطلح رؤية وجه الله الوارد في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي وتحديدف في الفصل 22.
وقال إنه في الآية (3) يقول يوحنا: " وَعَرْشُ اللهِ وَالْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَعْبِدُونَهُ"، "عرش الله" يرمز إلى الله الآب الذي لا يُرى. وقوله "عبيده" و"يعبدونه" بالمفرد عن عبيد الله الآب والحَمَل؛ لأن الآب والابن واحد مع الروح القدس. وفي الآية (4) يقول يوحنا: "وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ"، وهذا يعني أن عبيده سيُعاينون وجه الآب بالابن- الَحَمَل. وهذا يشير إلى أنه ستصبح هناك معرفة مباشرة من البشر لله، وذلك برؤية «نور الله غير المخلوق»، كما في حادثة التجلي (مت 1:17و2). وهذا أعظم وعد من لله للبشر في العهد الجديد، وقد أشار يسوع المسيح إلى إمكانية معاينة الله، بقوله: "طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ" (مت 8:5).
إن «معاينة وجه الله»، تعني أن يكون الإنسان في حضرة الله، أي في رؤية مجد الله ومعاينة مجد نور لاهوته غير المخلوق وليس معاينة جوهره؛ لأن الله في جوهره لا يُرى ولن يُعرف. وهذه الحالة، «معاينة وجه الله»، يبلغها القديسون المتألهون المتوشحون بالله، وقد وصفها بولس الرسول بقوله: "أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. اخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. وَأَعْرِفُ هذَا الإِنْسَانَ أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا" (2كو 2:12-4).
وأن «رؤية نور الله غير المخلوق»، تعني رؤية مجد الله وبهائه ومعاينة مجد نور لاهوته غير المخلوق. في مجامع القرن الرابع عشر، أهمها مجمع عام 1351م، تبنت الكنيسة الأرثوذكسية التمييز بين «الجوهر الإلهي» الذي يفوق كل إدراك، وبين «إشعاع القوى الإلهية» الصادرة عن الله، والتي تُحمِله إلينا، التي هي قوى غير مخلوقة نابعة من جوهره. والتي بها، في محبته للبشر، يجعل نفسه بها معروفًا- ولكن لا في جوهره. ففي حدث تجلِّي الرب يسوع المسيح على الجبل (مت 1:17-9)، كتب بطرس الرسول: "كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ... إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ" (2بط 16:1و18). ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا القول لبطرس: «لقد بدا الرب أكثر تألقًا، جسده على هيئته ولكن الإلوهة مبدية آشعتها»، كما يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: «إن الألوهة التي ظهرت للتلاميذ على الجبل كانت نورًا». كما أن الرسول بولس يقول: "لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (2كو 6:4)، وداود المرنم يقول: "قَدْ ارْتَسَمَ عَلَيْنَا نُورَ وَجْهِكَ يَا رَبُّ" (مز 6:4).
عندما يُعاين القديسون هذا النور الإلهي في داخلهم- أنهم يعاينونه حين يقتنون الروح القدس الذي يؤهلهم للمعاينة- أنهم يحققون ملء العربون الذي يتلقاه جميع المسيحيين بالمعمودية، لمُؤَالَفَتهم السرية الاستنارة الكاملة. فهم إنما يُعاينون رداء تأليههم، إذ يكون ذهنهم ممجدًا بنعمة الكلمة وممتلئًا بهاءً عجيبًا في جماله، مثلما مَجدت ألوهة الكلمة بنور إلهي على الجبل الجسد الذي كان ملازمًا ليسوع المسيح. وقد كتب القديس غريغوريوس بالاماس قائلًا: «هكذا عندما تجذل النفس وكأن الحب الذي لا يُقاوم، حب المشتهى الوحيد، يحركها، يتحرك القلب أيضًا، دالًا بوثبات روحية على أنه يشترك بالنعمة، وكأنه يقفز من هذه الدنيا للقاء الرب، يوم سيأتي بجسده في السحب كما وعد (مت 30:24). هكذا في الصلاة الدائمة، عند إقبال النار غير الحسية (الروح القدس)، وعند استضائة المصباح الحسي (الجسد) بالمعاينة الروحية، وعندما يوقظ الحب الذهن لهبًا لطيفًا، فالجسد يُصبح خفيفًا وساخنًا بصورة غريبة ويبدوا لناظريه كأنه خارج من أتون حسي، حسب يوحنا السلمي الذي وصف الصعود الروحي». 
ويقول القديس مكسيموس المعترف: «ما كان الذهن (النوس) البشري أن يرتفع حتى يلتقي اللمعان الإلهي لو لم يرفعه الله وينيره بومضاتِ إلهية». 
والقديس مكاريوس يقول: «إن استنارة الروح الكاملة ليست فقط مثل كشف أفكار، بل هي إستنارة نور أقنومي مستمر وثابت في النفس».