الدكتور خالد صلاح يكتب: أزمة ضمير
هذا ليس اسم لفيلم سينمائي أو مسلسل من مسلسلات معجنة رمضان التي تعج بالمسلسلات ولا عمل مسرحي، وليس المقصود بأزمة في الضمائر مقصورا على أصحاب رؤس المال الذين يصرحون الأيدي العاملة تحت مسمى ترشيد النفقات، ويقترضون من البنوك تحت ضمان مصانعهم وشركاتهم المتوقفة عن العمل بأمر منهم، ولا يقتصر أزمة الضمائر على التجار الذين يحتكرون السلع ليرتفع ثمنها متاجرين بآلام وحاجات الناس؛ وإنما حديثي عن أزمة حقيقة لمستها بحكم تخصصي ودغدغت مشاعري وغيرتي على من يقع عليهم سوء الضمائر: وهي امتهان التخصصات والعمل بمجالات لا يتوافق مع قدرات ما يقوم بهذه المهن، وسوء الضمائر أيضا يشمل ادعاء الألقاب من غير وجه حق فمثلا صاحب دبلومة تدليك يدعي أنه دكتور، وصاحب دبلومة احتياجات خاصة دكتور والأمر لا يتعلق فقط بادعاء الألقاب، وسرقتهم لالقاب ليس من حقهم؛ وإنما هذه الجريمة تقع على غيرهم في المجتمع بشكل عام والأسر واهالينا بشكل خاص مما أختصهم الله ببعض الاضطرابات لدى اولادهم، مثل اضطراب التوحد، ولقد توقفت كثيرا عند هذا الاضطراب؛ خاصة أنه مظلوم من فئات كثيرة وأصبحت أي إعاقة أو أي اضطراب آخر يتم إلصاقه بالتوحد، وهو من ذلك براء، والتشخيص الخاطئ يرجع لعدم مهنية المشخص وجهله بالتخصص، والتوحد في أبسط معانيه وطبقا لتعريف الجامعة الوطنية الأمريكية الذي ينص على أنه اضطراب أو متلازمة تعرف سلوكيا وأن المظاهر الأساسية يجب أن تظهر قبل أن يصل الطفل إلى 30 شهرا من العمر، ويتضمن اضطرابا في سرعة أو تتابع النمو واضطرابا في الاستجابات الحسية للمثيرات، واضطرابا في الكلام واللغة والسعة المعرفية واضطرابا في التعلق والانتماء للناس والأحداث والموضوعات.
والشئ الهام أنه يجب على كل أسرة لديها طفل توحدي أن تستوعب ما هي أسباب ومظاهر وملامح ابنهم العزيز حتى لا يندهشون أو يغضبون من سلوكه، وأسباب التوحد ترجع لعدة أسباب لم يستقر العلماء على واحدة فقط، وهذه الأسباب تتمثل في أسباب ترجع للوالدين سواء من حيث الجوانب البيولوجية، وهي إصابة طفل التوحد بتلف في الدماغ، أو لعل الاسباب ترجع لفرضيات وراثية جينية حيث عنصر الوراثة نتيجة إصابة أحد اقارب الأب أو الأم بالتوحد، أو لعل السبب يرجع إلى الفرضيات البيوكيميائة، والتي تتمثل في حدوث خلل في النواقل العصبية لدى طفل التوحد، أو السبب يرجع إلى الفرضيات الأيضية والذي يتمثل في عدم مقدرة الاطفال التوحديين على هضم بروتين الجلوتين الموجود في القمح والشعير ومشتقاتها وكذلك بروتين الجازين الموجود في الحليب، أو لعل السبب يرجع إلى فرضية الفيروسات والتطعيم حيث تعود اسباب التوحد إلى الأثر السلبي التي تحدثه بعض الفيروسات لدماغ الطفل في مرحلة الحمل أو الطفولة المبكرة، وفشل جهاز الطفل المناعي في انتاج المضادات الكافية للقضاء على فيروسات اللقاح وبقاء الفيروسات في حالة نشطة مما يجعلها قادرة على احداث تشوهات في الدماغ.
ومن الأهمية أن يعرف أولياء الأمور مظاهر التوحد والتي تتمثل في العجز النوعي في التفاعل الاجتماعي، والعجز النوعي في التواصل، والنمطية والمحدودية في السلوك والنشاطات والاهتمامات، إلى جانب السلوك الروتيني، حيث الإصرار على أطعمة محددة في أوعية محددة وأوقات محددة، وإرتداء ملابس معينة، والسلوك النمطي المتمثل في الدوران حول الجسم ولف الاشياء بشكل دائري ورفرفة اليدين، بجانب أن نسبة كبيرة منهم لديهم قدرات عقلية محدودة تصل إلى حدود الاعاقة العقلية.
ولعل من الضروري التفرقة بين أطفال التوحد وفصام الطفولة وذوي اضطرابات التواصل وذوي اضطرابات السمع والبصر، حيث أن الفارق بينهم كبير والذي يتمثل في تدني التفاعل الاجتماعي لذوي أطفال التوحد.
والتعامل مع أطفال ذوي التوحد يتمثل في عدة محاور تتمثل في برامج علاجية تعتمد على النظريات الفسيولوجية، وبرامج علاجية تعتمد على المهارات، وبرامج علاجية تعتمد على النظريات النفسية وبرامج علاجية تقوم على النظريات التربوية وتعديل السلوك.
والجدير بالذكر أن يقوم بهذا كله ذو تخصص دقيق وليس ما هو شائع في هذه الفترة من امتهان البعض لتخصصات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، بل وصل الأمر إلى فتح المركز ذات الغرفة والغرفتين لعلاج ذوي الاحتياجات الخاصة، وكأن أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ليس لهم خصوصية تحميهم من تكالب البعض في علاجهم، وأولياء الامور معهم العذر في أنهم يبحثون عن بصيص من الأمل بجانب تدني ما يطلبه هؤلاء من مدعين العلاج والتعامل مع أطفال التوحد.
فيا ذو الضمائر الحية في كافة المجالات لا تظلموا أنفسكم أو تظلموا الآخرين في امتهان غير مهنكم أو تعملون من غير وعي أو دراسة أو خبرة، ورفقا بالناس ورفقا بأسرهم ورفقا بأنفسكم ومجتمعكم.