في عيدها.. تعرف على قصو الأم سارة رئيسة دير الأنبا بضابا
تحيي الكنيسة القبطية الارثوذكسية، برئاسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تذكار نياحة الأم سارة رئيسة دير الأنبا بضابا نجع حمادي الرابع عشر.
ولدت الأم سارة في اليوم الثامن من أبريل سنة 1939 بساحل طهطا شمال محافظة سوهاج، باسم عايدة جاب الله سعيد. وكانت تتميز بالنسك الشديد منذ نعومة أظافرها فلم تكن لها أحلام دنيوية كمثل من هم في عمرها. فقد نما لديها فكر الرهبنة واعتزال العالم مبكرًا في سن الخامسة عشر، بعد اقتناعها بفكر الرهبنة من خلال ارتباطها الشديد بالكنيسة وسماعها عدد من العظات التي تتحدث عن حياة الرهبنة والتوحد والحياة مع الله في كنيسة بلدتها. بعد رحيل والدتها أصرت على زواج أبيها قبل ذكرى الأربعين لوالدتها، لترحل قديستنا جنوبًا إلى دير الأنبا بضابا الأثري بمدينة نجع حمادي للتأهب لإيجاد علاقة أكثر خصوصية مع خالقها ولكى تستمتع أكثر مع عريسها السماوي حيث التوحد والزهد والنسك والصلاة.
وكان لها ما أرادت، فقد تمت سيامتها بيد المتنيح الأنبا مينا مطران جرجا، بأسم الأم سارة الأنبا بضابا وذلك بعد دخولها الدير بنحو سنة. وكان الدير في ذلك الوقت يتبع إيبارشية جرجا. وكانت أمنا سارة تعيش في الدير مع راهبة أخرى وهى الأم مريم، التي رحلت في عام 1965، لتعيش الأم سارة وحيدة بالدير. وكان يقوم بالطقوس الكنسية في الدير خمسة قساوسة غير مقيمين فيه. وكانت الأم سارة تتخفى ليلًا في زي الرجال وتقوم بنوبات حراسة في الدير متى استدعت الحاجة لذلك لمنع اللصوص من سرقة الدير وذلك بسبب الموقع النائى. واستمرت في حراسة الدير عشر سنوات كاملة حتى رسم الأنبا مينا راهبتين لتعيشا معها في عام 1975. وعندما أسس قداسة البابا شنودة الثالث إيبارشية نجع حمادي وأبو تشت وتوابعها في مايو 1977، وسيم عليها نيافة الأنبا كيرلس أسقفًا، فبادر نيافته بتكليف القمص أبسخيرون والقمص إسطفانوس بأمور الدير الذى أصبح تابعًا لإيبارشية نجع حمادي.
وأتخذ الأنبا كيرلس إجراءات إصلاحية في تنظيم المالية والإدارية بالدير. وبعدما استقرت الأوضاع في الدير تفرغت الأم سارة لحياتها الروحية بعد أن مرت بمراحل صعبة تحملتها بصبر مع المرض صاحبتها حتى النياحة. وقد تقبلت كل هذه الإلام بصبر واحتمال وشكر أيضا، فلم نسمع منها في يوم من الأيام أي شكوى من مرضها. فقد داهمها مرض السرطان بالكتف وأمتد إلى أجزاء من جسدها ومنها سقوط أسنانها وأجزاء من فكها. وعولجت من المرض وشفيت منه بطريقة إعجازية. وفى عام 1996 أصيبت بجلطة في المخ نتج عنها شلل في حركة البلعوم، وفقدت قدرتها على البلع لمدة 13 يومًا. واحتجزت بالمستشفى لفترة، ثم تحسنت حالتها لتعود للدير مجددًا وهى تعانى من مرضى الضغط والسكر. لم يمنع المرض والامه المبرحة الأم سارة من مواصلة حياتها الروحية، فقد كانت تستيقظ من الرابعة فجرًا لتتلوا الصلوات حتى السادسة تقوم باستقبال ضيوفها من الساعة التاسعة صباحًا حتى الثامنة ليلًا وهو موعد غلق أبواب الدير. ورغم أنها لم تتلق تعليمًا في حياتها إلا أنها كانت تحفظ الأنجيل والمزامير عن ظهر قلب.
وكانت تصوم باستمرار وهو ما أعطاها حكمة في أرشاد الأخرين دون أن يغير ذلك من أتضاعها وبساطتها. فقد عاشت الأم سارة 55 عامًا بدير الأنبا بضابا، ساهمت فيها فى تعمير الدير ووضع أسم الدير على الخارطة السياحية الداخلية. فبالرغم من الأهمية التاريخية والأثرية للدير الذى يعود تاريخ بنائه للقرن السابع عشر، وكونه أحد أهم المجسمات المعمارية التي تؤرخ للعمائر الكنسية التى بنيت من الطوب اللبن في الصعيد، ألا أن وجود الأم سارة كان سببًا وحجة قوية لزيارة الدير من قبل الوفود الضخمة من أنحاء متفرقة من الجمهورية ومن خارج مصر. وذاع صيت الأم سارة في منتصف الثمانينيات، بعد أن عرف عنها قدرتها القوية في إبداء المشورة في القرارات المصيرية لطالبيها بحكمة شديدة، حتى صارت ملجأ لكل من يريد المساعدة في أتخاذ قرار مصيري. ورغم كثرة زوارها في كل شهور السنة فإنها لم تتخل يومًا عن كرمها المعهود وحسن ضيافتها مع كل الزوار من المسيحين وغير المسيحين الذين كانوا يتوافدون عليها بصفة مستمرة. وقد أرتبطت بعلاقات مودة وصداقة مع نحو 23 أسرة غير مسيحية تقطن بجوار الدير. وكانت تحفظ أسمائهم وتتبادل معهم الزيارة حتى أقعدها المرض وكانوا يتناوبون على زيارتها باستمرار للأطمئنان عليها بعد أزمتها الصحية الأخيرة. ورغم أن الشيب أدركها فأنها لم تنس يومًا أسمًا من جيرانها وهو ما كان يثير دهشة مرافقيها. وكانت تؤمن تمامًا بالمواطنة ولا تسأل عن عقيدة من يزورها وكانت توبخ من يوضح لها ذلك.
أرتبطت الأم سارة فى حياتها الروحية بعلاقة قوية بالقديسين، وخصوصًا مع السيدة العذراء مريم والقديس الأنبا بضابا شفيع وقديس الدير. فكانت فى كل المحن والضيقات التى مرت بها تستغيث وتستنجد بهما، تنيحت فى الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الأحد الموافق 24 مايو 2009.
طلبت الأم سارة مقابلة نيافة الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادى وتوابعها وقالت له إنها مريضة وسوف تنتقل إلى السماء فأندهش الأسقف من كلامها، خاصة بعد أن سلمته مظروفًا مغلقًا ومفتاحًا. وبدأ يقنعها أنها سوف تتماثل للشفاء ولكنها كانت تكرر ما قالته. وفى الرابعة فجرًا حاولت مرافقتها إيقاظها لتصلى كعادتها، فوجدت روحها قد صعدت للسماء لتنضم إلى صفوف الملائكة والقديسين. وفى صلاة الجنازة التى أقيمت ظهر الأثنين الموافق 25 مايو 2009، ظهر مدى الحب الذى يكنه لها كل من يعرفها. حيث توافد أكثر من 10 آلاف شخص من مختلف الأديان والمذاهب إلى ساحة دير القديس الأنبا بضابا، لحضور صلاة الجنازة، التى ترأسها نيافة الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادى. ووسط تلك المشاعر الحزينة ودعها محبوها لتدفن فى مزارها بمدفن الراهبات فى الدير.