انتقادات علماء الآثار والتاريخ تطال فيلم الدكتور زاهي حواس عن كليوباترا (تفاصيل)
كانت منصة نتفليكس قد أعلنت عن إنتاج فيلم وثائقي يخص حياة الملكة كليوباترا السابعة، وأعلنت أن نجمة الفيلم والتي ستجسده ممثله ذات ملامح وبشرة جنوب أفريقية، وهو ما أثار انتقادات كبرى، وهنا ظهر فيلم آخر بمشاركة الدكتور زاهي حواس عالم المصريات الأشهر حول العالم ووزير الدولة السابق لشؤون الآثار، وتم إذاعته عبر منصة اليوتيوب مع مجموعة من علماء المصريات من جنسيات مختلفة، والفيلم جاء بعنوان كليوباترا، مدته ساعة ونصف وبدأ عرضه منذ الأربعاء 10 مايو بصورة مجانية، من إخراج كيرتس رايان وودسايد، وسجّل 42 ألف مشاهدة خلال الساعات الأولى من عرضه، ويأتي الفيلم ردًا على نتفليكس التي اتهمها الكثيرون بأنها تروج حركة الأفرو سنتريزم والتي تزعم أن أصل الحضارة المصرية من الجنوب الأفريقي.
انتقادات من علماء آثار وتاريخ تطال فيلم الدكتور زاهي حواس عن كليوباترا
وواجه فيلم الدكتور زاهي حواس هو الآخر العديد من الانتقادات نعرضها عبر التقرير التالي.
ووجه الدكتور محمد حمزة الحداد أستاذ الآثار العمارة الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، والعميد الأسبق للكلية، النقد لفيلم الدكتور زاهي حواس حيث قال إن النقد الموجه هنا هو للمحتوى المرئي للفيلم، حيث جاء الفيلم جاء مزودًا بخرائط تحمل اسم إسرائيل وتل أبيب ويافا، والسؤال هنا هل كانت إسرائيل وتل أبيب موجودة زمن الملكة كليوباترا السابعة من 55 إلى 30 قبل الميلاد؟، باطبع لا، ثم ما العلاقة بين كليوباترا واليهود في ذلك الوقت الذي كان يحكم فيه هيرودس من 37 إلى القرن الرابع قبل الميلاد وهي الفترة التي ولد فيها سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام من جهة والعلاقة وبين الأفرو سنترك واليهود والصهيونية العالمية حتى يمكن على عكس الواقع التاريخي وضع مثل هذه الخرائط في فيلم من المفترض أنه يرد على فيلم نيتفليكس.
وأكد الحداد في نهاية تصريحاته أن هناك قضايا علمية وتاريخية تستوجب مناقشتها وفق المنهج العلمي السليم وهو المنهج التكاملي النقدي التحليلي المقارن للمصادر المباشرة وهي الآثار والأدلة المادية بمختلف مفرداتها وتنوعاتها، والمصادر غير المباشرة، وهي المصادر التاريخية المعاصرة واللاحقة، على السواء، ولا نعتمد فيها على صور حديثة لا تفيد صلب ومضمون القضية.
الدكتور محمد عبد المقصود
فيما قال الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، أرجو هنا أن أوضح أن التعامل مع فيلم نتفيلكس عن كليوباترا ونقده فقط في نقطة أنها ذات بشرة سوداء هو فتنه وترويج للاسف لفصل مصر عن محيطها الأفريقي وعلي كل من يدافع أن يضع هوية مصر هي الأساس وأن نتوقف عن أي تعامل عنصري مع ذلك الموضوع.
الدكتور حسين أحمد
ومن ناحيته قال الدكتور حسين أحمد المتخصص فى اليونانية والرومانية بكلية الأداب جامعة عين شمس، لا توجد علاقة بين كليوباترا السابعة وعصرها وبين تلك الخريطة الحديثة، فمن المعروف تاريخيًا إنه لم يوجد خلال العصور القديمة على وجه العموم وخلال العصرين الهلينيستي والروماني بصفة خاصة دولة بهذا الإسم المشار إليه، إلا إن كان مخرج الفيلم يقصد منطقة يهوذا اليهودية الواقعة في المنطقة الجبلية جنوب فلسطين التي كانت تحت سيطرة البطالمة منذ عام 301 ق.م حتى خضعت للسلوقيين منذ عام 202 ق.م حتى عام 64 ق.م، عندما أصبحت جزء من ولاية سوريا الرومانية، وفي شتاء عام 37 / 36 ق.م منح الزعيم الروماني مارکوس انطونيوس تلك المنطقة هدية لزوجته كليوباترا السابعة بجانب حكم مدينة قنسرين ومملكة الأنباط وعادت مرة أخرى كجزء من مملكة البطالمة.
المؤرخ المعروف بسام الشماع
ووجه بسام الشماع المؤرخ المعروف والمرشد السياحي الشهير، انتقاداته لعدة نقاط كان منها هو عرض خرائط مختلفة للمنطقة والتي تبين مساحات شاسعة من الدول في الفيلم، ولكن هذه الخرائط لم تظهر الممالك والمدن القديمة التي تظهر جغرافية المنطقة في زمن كليوباترا؛ ولكن للأسف تظهر هذه الخرائط دولة الكيان المحتل المسماة بإسرائيل ومدينة تل أبيب المزعومة والمكتوبة أسمائهم بالإنجليزية، ولم تذكر تلك الخرائط دولة فلسطين صاحبة المكان الأصيل كما يثبت التاريخ والأدلة الاثرية.
وأؤكد كقارئ للتاريخ لمدة أربعين عامًا أنه لم يكن هناك مكان أو مدينة اسمها تل أبيب في أيام كليوباترا السابعة أو في أي وقت فى التاريخ القديم لأن قوات الاحتلال كانت قد أسستها كضاحية بحديقة يهودية في عام ١٩٠٩ ميلادي أي القرن العشرين ومن المؤكد تاريخيًا أن كليوباترا السابعة ماتت عام ٣٠ قبل الميلاد، فكيف نستعمل هذه المسميات والمواقع الجغرافية المستحدثة على خريطة في الفيلم التسجيلي كليوباترا للدكتور زاهي حواس، وكاثلين مارتينيز والذي تم عرضه أمس الموافق ١٠ مايو ٢٠٢٣؟
الدكتور عبد الرحيم ريحان
فيما انتقد الدكتور عبد الرحيم ريحان ما يحدث من الإعلام في مواجهة القضايا الحضارية والتاريخية على حد قوله حيث صرح بأن يلجأ الإعلام إلى شخصيات شهيرة تدلى بمداخلات تيلفزيونية سريعة لا تضع أسس علمية، ثم تأخذ المواقع الغربية ذه الردود، وكان من نتيجتها فى قضية كليوباترا هو التركيز على نفى اللون فقط بأنها لم تكن سمراء البشرة، وهو فخ وضعه لنا منتجى الفيلم لأنهم يعلموا أن التركيز على اللون يدخلنا فى إطار العنصرية.
ونؤكد هنا أن اللون ليست قضيتنا بل الهوية والشخصية المصرية بالأساس، وهو ما قصده الفيلم بالفعل من الطعن في هذه الثوابت واتضح فى رد وزارة السياحة والآثار عندما ذكرت مدير عام مركز البحوث وصيانة الآثار بالمجلس الأعلى للآثار الأسبق سامية الميرغني أن جميع النقوش والتماثيل التي خلفها لنا قدماء المصريين على المعابد والمقابر صورت المصريين بملامح أقرب ما يكون بالمصريين المعاصرين، من حيث لون العين والشعر والبشرة ودرجة نعومة وكثافة الشعر لدي الرجال والنساء، وحتى لون الجلد ووجود نسبة من العيون الملونة.
تتميز الهوية المصرية بالتنوع والاندماج بين الحضارات المختلفة، واندمجت وتمصّرت كل الحضارات التى عاشت على أرض مصر لتشكّل لوحة فنية تشكيلية جديدة تبهر العالم، والتتابع الحضاري على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة والعصر اليوناني روماني ثم الفترة المسيحية ثم العصر الإسلامي ثم العصر الحديث والمعاصر ترك أثرًا لا يمكن محوه، فتأثرت وأثرت وانصهرت كل الحضارات لتصبح مصرية خالصة، وازدهرت الحضارات والصناعات واللغات والأديان.
وحافظ المصرى على هويته وتمسك بإرثه الحضارى الذى يتجسّد حتى الآن فى اللهجة والثقافة والعادات والتقاليد والموروثات الشعبية، كما جسّد البعد الأفريقى فى تاريخ مصر جمال حمدان وقد تمثّل فى رحلات قدماء المصريين إلى بلاد بونت وهي المناطق الأفريقية والآسيوية المحيطة بباب المندب وعلى محور الصحراء الكبرى وجدت أدلة على المؤثرات الحضارية المادية والثقافية بين بعض قبائل نيجيريا وغرب إفريقيا وبين القبائل النيلوتية فى أعالى النيل وفى محور شمال إفريقيا دخلت مصر مع الليبيين فى احتكاك بعيد المدى وامتد النفوذ السياسى المصرى إلى برقة أيام البطالسة، وكانت مصر بوابة التعريب بالنسبة للمغرب العربى كله وتواترت العلاقات المتبادلة فى العصور الوسطى والذى ساهم فى ازدهارها طريق الحج إلى مكة المكرمة، كما ساهمت مصر فى قضايا إفريقيا على طول تاريخها وهناك أسماء ميادين وشوارع حتى الآن باسم جمال عبد الناصر فى بلدان إفريقيا
ونجد أن الفيلم الذى تم عمله للرد على فيلم كليوباترا واشترك فيه شخصيات كبيرة لها وزنها من مصر تضمن مغالطة تاريخية كبرى وهى وضع خارطة عليها أسماء بلدان لم تكن موجودة أيام كليوباترا مثل الأردن وإسرائيل بمبدأ دس السم فى العسل مما يدل على أن النية مبيتة لتزوير التاريخ والقضية أكبر مما نتخيل وأن الهجمة شرسة مستمرة ولن تتوقف على الحضارة المصرية.
وقد طالب المدلون بآرائهم بتعديل الفيلم أو حذفه وصياغة ما يشبه البروتوكول الوطني الذي يحافظ على الهوية المصرية بتنوعها الفريد لطرحه في مثل هذه القضايا دون المساس بانتماء مصر الإفريقي والذي لا يمكن أن يتنصل منه أحد، وفي ذات الوقت نحافظ على أصالة عنصرنا الحضاري المصي المتفرد.