حسين معوض يكتب : مدن الأشباح

مقالات الرأي


نعيش الآن مقدمات أزمة عقارية قد ندفع ثمنها غاليا.. فقد خرجت أسعار الأراضى والعقارات عن السيطرة، وهذا الأمر ليس بجديد، وهو من ميراث عصر مبارك ووزرائه من سماسرة الأراضى والعقارات، وهو ما أدى إلى تهافت رجال الأعمال على شراء أراضٍ خاسرة بهدف تسقيعها وبيعها للمقاولين.. لكن الجديد هو ظهور موجة جديدة من عمليات البناء العشوائى على أطراف المدن الرئيسية، وخاصة فى القاهرة والجيزة والإسكندرية، وهذه الهوجة أو الموجة لم تضع فى حساباتها نظرية العرض والطلب، فتوسعت فى البناء المخالف، بدون التفكير فى الزبون القادر على الدفع، وتمسك تجار وسماسرة العقارات بالأسعار القديمة عند سقفها الاعلى، وهو ما أدى إلى انتشار «مدن الأشباح».. وهى أبراج شاهقة الارتفاع لا تجد من يسكنها، أو يستطيع أن يدفع ثمنها، ورغم ذلك ترتفع أبراج أخرى..

«مدن الاشباح» أصبحت تحيط بالقاهرة والجيزة تحديدا، وخلقت حولها دائرة غير مفهومة من «المبانى الحمراء» بعضها يعيش فيها بلطجية منهم من يدعى أنه الحارس أو السمسار أو صاحب الأرض.. الغريب أن سعر المتر فى هذه المدن الوهمية يساوى نفس الأسعار فى قلب القاهرة وشوارعها التجارية، حتى إن المحل التجارى الصغير فى قلب هذا الفراغ قد يتجاوز سعره المليون جنيه، وبالطبع لا يجد من يشترى، ولكن التاجر لا يفرط فى حلمه ورهانه على الزمن للحصول على أعلى سعر.. وتظل المحال والشقق بدون مشتر، ومرهونة لأوهام الزحام وزحف العمران.

ويتسع هذا الحزام «الوهمى» ويتمدد وينتشر، كل هذا بدون أسباب منطقية.. حتى أصبحت هذه الأبراج تشبه المدن الخالية التى نراها فى أفلام الرعب الأمريكية.

أين الأزمة؟.. ومن يدفع ثمنها؟.. الأزمة أن تحول هذه المدن الوهمية إلى ظاهرة يؤدى إلى تجميد كميات أموال طائلة بدون دخولها فى مجال استثمار حقيقى، كما أنها خلال مراحل بنائها تمثل ضغطًا على أسعار مواد البناء مثل الحديد والأسمنت والطوب، ويرفع أسعارها لدرجة غير منطقية، كما أن هذه الظاهرة ضحيتها الأولى هو الحزام الأخضر الذى يدور حول المحافظات الكبرى، كما أن كبار ملاك هذه العقارات يضغطون بطريقة أو بأخرى على الحكومة حتى لا تتوسع فى ترفيق المدن الجديدة التى يجب أن يلجأ إليها الباحثون عن سكن سواء أرض أو شقة سكنية.. وبالتالى فالذى يدفع الثمن هو هذا التاجر أو المقاول العشوائى والمستهلك أيضا.

مدن الأشباح وصلت إلى حدود غير مقبولة، فى محافظة الجيزة على سبيل المثال، والتى وصل سعر متر الأرض الزراعية فيها إلى ما يقرب من ألفى جنيه، حاولنا فى إحدى المرات أن نتتبع أحد تجار العقارات الذى عرض أرض بمنطقة المريوطية بسعر 700 جنيه للمتر، وعندما اتصلت بالتاجر «السمسار» اكتشفت أن هذه الأرض موجودة بالفعل ولكن فى قلب منطقة زراعية ليس بها سوى قصور متناثرة لا يعرف أحد من يسكنها أو لماذا يسكن فى هذه المناطق الموحشة.. وبالمناسبة هذه الأرض «كما اعترف لنا التاجر» هى مصيدة للباحثين عن فرصة لبناء قطعة أرض بالقرب من العمران.. وهؤلاء الباحثون» فى النهاية يلجأون لشراء أرض تقترب من الطريق الدائرى بـ «ألفين أو ثلاثة».

ورغم عشوائية هذه الأبراج، التى تصل ارتفاعاتها لأكثر من 16 طابقًا، وشوارعها أقل من 6 أمتار، إلا أنها مرفقة بالكامل، كهرباء ومياه وصرف صحى، بالطبع يعرف أصحاب هذه الأبراج طرق ومسالك الفساد التى تمكنهم من ترفيق أبراج كاملة قبل بنائها، أحد السماسرة قال لى إنه يحصل على عدادات الكهرباء للشقق قبل أن يبنى قواعد البرج.. كل هذا بالطبع يعنى أنه لا يوجد أى إشراف على عمليات البناء وبالتالى قد تنهار قبل أن يسكنها أحد.