رحاب جمعة تكتب: في بيتنا مجنونة
ذات مساء دخل أبي المنزل وبيده سيدة بيضاء جمالها يلفت النظر ولكن لم يشفع هذا الجمال لمرضها العقلي أن يتزن ويغير جملها الوحيدة التي ظلت ترددها لكل من تقابله، الأولى "ده حبيبي" في إشارة منها على والدي وهي مبتسمة وسعيدة سعادة تشعر بها من كل جسدها والثانية "هاتي خاتي" أي خاتم.
تلك الجملتين أثارت بداخلنا وبداخل كل من يسمعها تساؤلات كثيرة لماذا تنادي والدي بحبيبي، ولماذا تجمع الخواتم في شنطة كبيرة تحضنها طوال الوقت حتى وهي نائمة.
لم تثيرني ووالدتي قصة الخواتم بقدر كلمة حبيبي التي ترددها كلما رأت والدي أو كلما هاتفناه وأثارت غيرتنا لدرجة أننا حاولنا استخلاص المعلومات من صاحبة "العقل الخفيف" وفي محاولة لجمع معلومات عن قصتها ظلت تردد أن زوجها ضربها فهربت منه ليحاول البعض تجريدها من ملابسها في القطار ولكن تمكنت من الهرب إلى أن رأت والدي والذي أتى بها لمنزلنا.
خافت جدتي من المسائلة القانونية وخفنا نحن أن تجسد بنا "خفيفة العقل" جريمة كالتي نراها في برنامج خلف الأسوار الذي كان أمسية سهرتنا في جزء كبير من حياتنا..ظللنا هكذا إلى أن حاول والدي تهدئة الجميع.
قال لجدتي أن العاطفة من جعلته يرحم تلك المسكينة من وحوش الشارع الذين لم يرحموا خفة عقلها، وأنه مستعد لأي مسائلة قانونية ولن يفرط في "سعدية" حتى يتمكن من إرجاعها لمدينتها وأهلها.
لم أتذكر إذا كان معها أوراق باسم سعدية حين كانت بمنزلنا أو أن هذا الاسم أطلقناه عليها من شدة السعادة التي جعلتنا نشعر بها في أسبوع واحد كانت جليستنا فيه.
حاول أبي تهدئة خوفنا وقال أننا نفعل خير ولن يقابلنا الشر أبدا..وتحولت سعدية لأيقونة سعادتنا..كنا نطعمها ونحضر لها ملابس جديدة..كنا نتسلى معها كثيرا ونسليها بالخواتم التي كانت تعشقها…نشتري لها خواتم كل مرة نخرج بها للمدرسة أو لشراء مستلزمات للمنزل حتى ولو كنا نخرج باليوم خمس مرات كانت تتحصل هي على خمس خواتم.
ظلت تلك السعادة أسبوع كان وقتها لم يهدأ بال لأبي في رحلة بحثه عن أهل سعدية في مختلف المحافظات، حتى وجدهم..وحان وقت الرحيل، أتذكر حينها خزن البيت وأفراده جميعًا.
ظللنا نفكر أي ذكرى تجعل سعدية ببالنا، فذهبنا لاستديو نلتقط معها صور تذكارية..وبالفعل التقطنا الصور الفوتوغرافية حتى لا ننسى سعدية.
لم ننسى سعدية يا أبي..ولم ننسى طيبة قلبك يا حبيبي.