الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني يكتب: الله ينتظرنا في علية صيهون
قبل ما ندخل في عمق ومعني العلية علينا أن نلقي نظرة سريعا في الكتاب المقدس وخاصة أول ذبيحة يقدمها الإنسان في التاريخ نرى في الكتاب المقدس سفر التكوين في الأصحاح الرابع حيث نقرأ أن هابيل ذبح خروفًا وقدمه علي المذبح ذبيحة لله، فقبله الله وحسبه بارًا (تك ٤: ٤، عب١١: ٤). فالزمن بالنسبة الله هو كل شيء حاضرًا وعندما نفهم قصد الله في قبول هذه الذبيحة ولم يأتي الوقت قبول ذبيحة قائيين سوف نفهم فيما بعد مع تاريخ الله الخلاصي وتعامله معنا. والتقدمة التي أراد الله في الوقت ذاته قبولها وهي ذبيحة الخروف. ويتطور هذا المفهوم مع ذبيحة أسحق، والخروف الفصحي مع شعب بني إسرائيل. ومسيرة شعب الله، إلى أن يتم تحقيق النبؤات في يسوع المسيح ويصبح هو التقدمة الكاملة من أجل خلاص البشرية، ولكي نفهم لأهوت الذبيحة في العهد القديم والعهد الجديد، علينا أن نقراء الكتاب المقدس بمفهوم محبة الله المجانية والتضحية التامة من أجل حبه للبشرية ويتحقق هذا في يسوع المسيح، الخروف الذي بلا عيب، الحمل الحقيقي. وكما قال عنه القديس يوحنا المعمدان" هوذاء حمل الله الذي يحمل خطية العالم" ويكلمنا الوحي الإلهي في رسالته إلى العبرانيين" لأنَّهُ إنْ كانَ دَمُ ثيرانٍ وتُيوسٍ ورَمادُ عِجلَةٍ مَرشوشٌ علَى المُنَجَّسينَ، يُقَدّسُ إلَى طَهارَةِ الجَسَدِ، فكمْ بالحَري يكونُ دَمُ المَسيحِ، الذي بروحٍ أزَلي قَدَّمَ نَفسَهُ للهِ بلا عَيبٍ، يُطَهّرُ ضَمائرَكُمْ مِنْ أعمالٍ مَيّتَةٍ لتخدِموا اللهَ الحَيَّ!" (عب9: 13-14). أما في سفر الرؤيا فيصف لنا الحمل ممجدًا ومتوجا، جالسًا علي العرش ( رؤ ٣:٢١ ).
وفي العشاء الأخير أخذ يسوع خبزا على يديه وهذا الخبز هو من "خيرات الأرض" يتحول في يد يسوع إلى غذاء روحي بعين الإيمان. وأعلن المجمع الفاتيكانيّ الثاني أن الذبيحة الإفخارستيا هي "منبع الحياة المسيحيّة كلّها وقمّتها". ذلك إن الإفخارستيا الكليّة القداسة تحتوي على كنز الكنيسة الروحيّ بأجمعه، أي على المسيح بالذات، الذي هو فصحُنا والخبز الحيّ، والذي جسدُه الذي يُحييه الروحُ القدس ويحيي، يعطي الحياة للناس". لذلك توجّه الكنيسة بصرها على الدوام نحو ربّها الحاضر في سرّ المذبح، والذي تكتشف فيه ملء التعبير عن حبّه العظيم. ولدت الكنيسة من السرّ الفصحيّ. لذلك بالضبط، فإن الإفخارستيا، التي هي كمالُ السرّ الفصحيّ، تأخذ لها مكانًا في وسط الحياة الكنسية. ونرى ذلك جيّدًا منذ الأوصاف الأولى عن الكنيسة التي يعطيها سفر أعمال الرسل: "وكانوا مواظبين على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز والصلوات" (2: 42).
الخيرات التي قدمها قائيين فى ذلك الزمان أصبحت الآن هي غذاء العالم الروحي عندما وضُعت في يد يسوع وتحول من خيرات الأرض إلى جسد الرب ودمه. ولا نستطيع أن نفصل بين خميس العهد والجمعة العظيمة لأنها قصة حب وبذل حياة من أجل البشرية وتقدسيها. حب الله يقدمه لأجل العالم.
فى العلية الليلة الأخيرة من حياة يسوع على الأرض يا لها من ليلة أثقلت التاريخ. وُلدت فى التاريخ فصنعت التاريخ وستبقي خالدة ما دام الكهنة موجدين ويجُدون الذبيحة الفصحية كل يوم.
وفي العلية نرى يسوع يقدم ذاته من أجل البشرية خذوا كلوا هذا هو جسدي وهذا "الخبز من ثمار الأرض". وعندما نضع حياتنا في يد الله يتغير كل شيء هكذا تغيرت الأمور في قلب العلية حيث يسوع كان هناك وأحتفل بالفصح.
في العلية صهيون نجد سر الإفخارستيا، أي حضور يسوع الخلاصيّ وسط جماعة المؤمنين وغذاءَها الروحيّ، هي أثمن ما يمكن أن تمتلكه الكنيسة في مسيرتها على امتداد التاريخ. هكذا تُفهم العناية المسارعة التي أحاطت بها على الدوام السرَّ الإفخارستيّ.
في العلية صيهون استلمت الكنيسة الافخارستيا من يد الرب لا كهبة ضمن باقي الهبات، بل كهبة متميّزة، لأنها هبة ذاته، هبة نفسه في بشريّته المقدسة وهبة خلاصه. فخلاص المسيح ليس خلاصا مغلقا على ذاته، "لأن المسيح، بكلّ ما صنعه وكابده في سبيل الناس أجمعين يشترك في الأبدية الإلهية ويشرف هكذا على جميع الأزمان" (تعليم الكنيسة الكاثوليكية رقم 1085).
في العلية صهيون نتحد مع المسيح، فكما أن الخبز واحد، مع أنه مؤلف من حبات قمح كثيرة، وهي حبات لا نراها لكنها موجودة ومتحدة بحيث يختفي الاختلاف فيما بينها داخل وحدة الخبز الواحد، هكذا نحن متحدون مع بعضنا البعض ومع المسيح"
في علية صهيون الله يقبل الذبيحتين القديمتين. ذبيحة هابيل وذبيحة قايين. الأولى تحقق في يوم الجمعة العظيمة وهي الحمل الحقيقي. أما الثانية تصبح غذاء الكنيسة المستمر وهي جسد الرب ودمه. وقد أصبح يسوع هو الذبيحة الشاملة والمقدسة لفداء الجنس البشري.
فعندما تحتفل الكنيسة بسر الافخارستيا، ذكرى موت الرب وقيامته، يصبح حدث الخلاص هذا حاضرا بشكل حقيقي، وهكذا "يتم عمل خلاصنا". وعمل الخلاص هذا من الأهمية بحيث أن المسيح لم يتركنا ويعود إلى أبيه إلاّ بعد أن ترك لنا إمكانية المشاركة فيه بشكل حقيقي، كما لو كنا حاضرين يوم خميس الأسرار. وهكذا يستطيع كلّ إنسان أن يشترك في سر الفداء ويجني ثماره الخلاصية
قايين العهد الجديد يتحول من القتل إلى رجل سلام يحمل سلام يسوع المسيح إلى العالم
قائيين الجديد من هو ؟
قائيين هو كل إنسان يتقابل مع يسوع المسيح، ويتغير ويتجدد بالتوبة والاتحاد بالله. قائيين الجديد هو كل إنسان يعيش في سلام مع الله ومع الآخرين.
قائيين الجديد هو الذي دخل العلية مع يسوع، سلك طريق النور لا ظلام فيه. قائيين الجديد هو كل إنسان يصغي إلى صوت الله. قائيين القديم اليوم الذي لم يتعرف على المسيح بعد. قائيين هو كل قاتل أخيه على وجه الأرض. قائيين القديم هو الذي يفكر بالشر في الآخرين، بعيد عن الله.
في العلية صيهون نرى يسوع يقدم ذاته من أجل البشرية.
والخروف المذبوح الذي قدمه هابيل يرمز إلى الرب يسوع، الحمل المذبوح علي الصليب. وكل ما فعله يسوع في العلية سوف يترجم في يوم الجمعة العظيمة، لقد كتُب ان الله في اليوم السادس من الخلق، نظر إلى كل ما كان قد خلقة فرأى أنه " حسن جدا" (تك 1: 31) وفي هذه الجمعة المقدسة وهي اليوم السادس لاسبوع الخلق الجديد، ينظر الله الآب إلى خلقه ويرى أنه، بفضل ذبيحة أبنة من جديد كل شي حسن جدًا. ومن جديد يبتهل الله بأعماله (مز104: 31).
يقول قداسة البابا بندكتوس السادس عشر "اُدخلو العلية لا تخافو فيها النور.ألم يقل القديس يوحنا أن يهوذا خرج إلى الظلام ؟ نعم خلف حدود تلك العلية كان يخُيم الظلام أتركو الظلام معي لندخل فى النور. قبل أن تدخلوا إفحصوا ضمائركم. الخاطي والدنس لا يدخل إلى هناك لان يسوع أقتصر على تلاميذه الطهار بعد خروج الخائن".