حقيقة إصابة سيدنا يعقوب "عليه السلام" بالعمى
قال تعالي: "وتولى عنهم وقال يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن" يوسف:84، وهى تعني أن البكاء المتكرر هو سبب العمى الذي أصاب سيدنا يعقوب عليه السلام، فهل أصيب سيدنا يعقوب عليه السلام بالعمي حقا؟
والجدير بالذكر أن مقلة العين مؤلف في الأمام والمركز من طبقة شفافة تسمي (القرنیة) وفي وسطها دائرة مفرغة تسمي (الحدقة) ومن وراء الطبقة القرنية والحدقة، طبقة أخرى تحيط بالحدقة ذات لون أسمر، أو بني، أو رمادي، أو أرزق، أو عسلي، أو أخضر تسمى ( بالقزحية) وهي التي تعطي العين الصفة المميزة لها، ومن حول القرنية يأتي بياض العين الذي يؤلف القسم الأكبر من مقلة العين ويسمى ( بالصلبة)؛ وعلى ذلك فيكون المراد من القول في الآية 84 من سورة يوسف { وابیَضَّت عَينَاهُ مِنَ الحزنِ } هو القسم المركزي من العين، أي أنّه عبر بلفظ الكل وأراد الجزء.
ولوعبرت الآية الكلام على حقيقته بأن يقال {ذهب الله ببصره} لما دلـّت هذه شدة الآلآم والعذاب الذي عاشه نبي الله يعقوب عليه السلام على ابنه، وإنّما ذكر الكلّ وهو ( ابيضاض العين) لما يحمله ذكر الكلّ من دلالة يفتقر لها ذكر الجزء مباشرة. فابيضاض العين في الآية الكريمة يدلّ على شدة الحزن الذي يولد البكاء ومن ثمَّ يؤدي ذلك إلى القلب سواد العين إلى بياض فكأنّما انمحت معالم عينه بسبب كثرة البكاء وشدته وتحولت إلى قطعة بيضاء لا ترى فيها شيئًا من معالم العين،وإنّه ما فقد بصره إلاّ من كثرة الحزن والبكاء عليه فكأنّما ابيضاض العين مرتبط بالبكاء الشديد المصحوب بالعبرة والآلام وهذا ما كان عليه حال النبي يعقوب عليه السلام،
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ” كان ليعقوب أخ مؤاخيًا، فقال له: ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك ؟ فقال: الذي أذهب بصري ( البُكاءُ ) على يوسف، وقوس ظهري ( الحزن ) على بنيامين … ”، وذكر الرازي في تأويل قوله تعالى: { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن }.