كيف نجحت الصحافة في تأهيل الدولة والجيش لحرب النصر بأكتوبر 73؟
لم ينقل الإعلام الحربي كثيرًا من الوقائع الحقيقية والنتائج الباهرة التي حققتها القوات المصرية، ولعل أهم مثال على ذلك تقصيره في نقل البطولات المصرية العديدة أثناء القتال، ونقل الواقع الذي يجرى من خلال صورة حقيقية مباشرة ومؤثرة.
فبينما كان الإعلام الإسرائيلي خلال حرب يونيه 1967 يتابع انتصاراته ويبالغ فيها ويستفيد منها، كان الإعلام الحربي والإعلام الشامل المصري حذرًا في التعامل مع المعلومات برغم مصداقيتها وبرغم توفر الصور التليفزيونية العديدة والتي صورتها الكاميرات الأجنبية من أجل إثبات الواقع.
ولعب التمهيد السياسي لحرب أكتوبر 1973،واستخدام الإعلام المصري على أسس علمية سليمة، في تقبل الرأي العالمي للحرب، فكان قرار الحرب وكان للإعلام الحربي المصري دوره الهام ومساهمته في إعداد الدولة للصراع المسلح المقبل، وفي تهيئة الجبهة الداخلية للوقوف بجانب القوات المسلحة استعدادا للمعركة المصيرية من أجل تحرير الأرض.
اختلف الإعلام العسكري خاصة في الفترة الممتدة من وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، وحتى نشوب الحرب في السادس من أكتوبر 1973، وحدثت تغيرات في الإعلام كان أهمها تخفيف القيود التي كانت مفروضة وبشكل تدريجي على الصحافة وتصفية الأجواء المرتبطة بالصحافة باعتبارها السند الرئيسي لتهيئة الرأي العام المصري للمعركة القادمة.
تحرك الإعلام الحربي المصري ووجه نشاطه لكشف حقيقة النوايا التوسعية لإسرائيل والتي كشفت حرب يونيه 1967 عن الكثير من أطماعها واستطاع الإعلام الحربي المصري من خلال برامجه في الوسائل المرئية والمقروءة والمسموعة في ذلك الحين أن يتجه إلى الجماهير التي تباينت خصائصها تباينا واضحًا، وفي الوقت نفسه استطاع أن يستعيد الثقة أو المصداقية التي فقدها في حرب يونيه 1967 كما أصبح الهدف الذي يسعى الإعلام الحربي لتحقيقه واضحًا تمامًا، كما أصبح مضمون الرسالة الإعلامية واضحًا لا غموض فيه، فهي موجهة أساسًا ضد العدو.
وبدأت تبرز المقالات التي كتبها العسكريون والسياسيون والتي توضح وقوف الجماهير المصرية خلف قواتها المسلحة للدفاع عن تراب مصر وتحرير أرضها، وإحباط المخطط الإسرائيلي لبث دعايته المضادة والتي تهدف إلى تفتيت الوحدة الوطنية وبث روح اليأس،كما بدأت المجلة الحربية تركز على إعداد القوات المسلحة والتصميم على القتال من أجل تحرير الأرض، وأنه لا بديل آخر عن خوض حرب التحرير.
استطاع الإعلام الحربي كسب تأييد الرأي العام إلى جانب إقناع الجماهير بحرية المقال والكلمة والحديث ونجح الإعلام الحربي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، في تعميق مفاهيم الصمود والتحدي، وبدأت أحزان وذكريات الهزيمة تختفي تدريجيًا، وكان لنشر المقالات والتحقيقات للحديث عن الشعوب التي تعرضت للمحن واستطاعت تجاوزها، أكبر الأثر في إعطاء الجماهير دفعة معنوية هائلة لمواجهة احتمالات الموقف في المستقبل القريب.
واهتم الإعلام الحربي المصري والعربي في تلك المرحلة بنشر الدراسات الجادة عن العدو والمتعاونين معه،وشرح تحركاته واتصالاته ونشر بعض ما كتب عنه،خاصة من الناحية الحربية، ولم تؤخذ هذه الدراسات والكتابات بلهجة الاستخفاف أو التهوين،كما لم تؤخذ بشكل مبالغ فيه، بل سلكت طريقًا متوازنًا يهدف إلى توضيح صورة العدو الحقيقية.
واتجهت القيادة الحربية نحو إعداد خطة إعلامية حربية متكاملة، وإعداد القوات نفسيًا ومعنويًا استعدادًا للحرب، وقد تجلى ذلك في كتابات كبار الكتاب على صفحات الجرائد وفي مجلة النصر وتأكيدهم بأن الحرب مع إسرائيل قادمة لا محالة وأن استعادة التراب الوطني أمر مفروغ منه، والمسألة تتعلق بالوقت والاختيار الجيد لتوقيت التنفيذ وقد التزمت وسائل الإعلام بهذه الخطة.
وكان العمل الحربي المصري في السادس من أكتوبر مفاجأة للإعلام الحربي المصري، ولعل ذلك قد جاء نتيجة لرغبة القيادة في المحافظة على سرية وقرار الحرب لأسباب إستراتيجية، وذلك نتيجة لعقدة هزيمة يونيه 1967.
ونتيجة للصدمة التي تلقاها الإعلام الحربي والإعلام المصري في تلك الحرب، ومن ثم ظل الإعلام الحربي مترددًا خلال الأيام الأولى من الحرب في إظهار النتائج الضخمة التي حققتها القوات المصرية وحجم الخسائر الإسرائيلية ومن الواضح أن هذه الحرب قد أتت بأرضية واقعية، كان الإعلام الحربي بل والإعلام الشامل في انتظارها من أجل استعادة الثقة.