بعد ذكره في مسلسل الإمام الشافعي.. من هو الليث ابن سعد
ظهر في مسلسل رسالة الإمام بطولة خالد النبوي، حب الشافعي للإمام ليث بن سعد، والذي كان منها طلب الإمام من أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، مؤرخ من أهل العلم، زيارة قبره لقراءة الفاتحة، وسعيه لجمع كتابه الذي اكتشف بعد ذلك أنه حرق.
الليث ابن سعد
شيخ الإسلام الإمام الحافظ العالم أبو الحارث اللَّيْث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي القلقشندي، فقيه ومحدث وإمام أهل مصر في زمانه، وصاحب أحد المذاهب الإسلامية المندثرة.
وُلد في قرية قلقشندة، من أسفل أعمال مصر، وأسرته أصلها فارسي من أصبهان.
وكان أحد أشهر الفقهاء في زمانه، فاق في علمه وفقهه إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ، وبلغ مبلغًا عاليًا من العلم والفقه الشرعي بِحيثُ إِنَّ مُتولِّي مصر، وقاضيها، وناظرها كانوا يرجعون إِلى رأيه، ومشُورته.
عرف بأنه كان كثير الاتصال بمجالس العلم، بحيث قال ابن بكير: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَة.
ومما كان يتميز به الإمام الليث أنه كان ذا ثروة كثيرة ولعل مصدرها الأراضي التي كان يملكها، لكنه كان رغم ذلك زاهدًا وفق ما نقله معاصروه، فكان يُطعمُ النَّاس في الشتاء الهرائس بعسل النَّحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السُكَّر، أما هو فكان يأكل الخبز والزيت.
وقيل في سيرته: أنه لم تجب عليه زكاة قط لأنه كان كريمًا يعطي الفقراء في أيام السنة، فلا ينقضي الحَول عنه حتى ينفقها ويتصدق بها.
مَاتَ اللَّيْثُ لِلنصف من شعبان، سنة خمس وسبعين ومائَةٍ، أي قبل وفاة الإمام مالك بأربع سنوات وقيل غير ذلك، وأقيمت له جنازة كبيرة في مصر.
كان لليث مجلسًا يعقده كل يوم، ويقسمه إلى أربعة أقسام الأول للوالي يستشيره في حوائجه، فكان الليث إن أنكر من القاضي أو الوالي أمرًا كتب إلى الخليفة فيأتي أمر العزل، والثاني لأهل الحديث، والثالث عام للمسائل الفقهية يُفتي السائلين، والرابع للناس ممن يسألونه المال فلا يرد أحدًا مهما كبرت حاجته أو صغرت.
علت منزلة الليث بن سعد في زمنه حتى استقل بالفتوى في زمانه، كما أثنى عليه الكثير من علماء أهل السنة والجماعة، فتناقلت كتب التراجم والسير أقوالهم في حق الليث بن سعد، فهذا يحيى بن بكير يقول: ما رأيت أحدا أكمل من الليث، وقال أيضًا: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة.
وقال أحمد بن حنبل: الليث ثقة ثبت، وقال العجلي والنسائي: الليث ثقة، وقال ابن خراش: صدوق صحيح الحديث، وقال الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
كما كان لليث بن سعد علاقات طيبة بعلماء عصره، فكان يتبادل معهم المراسلات ويصلهم بالمال وخاصة مالك بن أنس.
كما كان لليث بن سعد أيضًا منزلته في علم الحديث، وتعد رواياته عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة بنت أبي بكر وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عباس وعن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر وعن المقبري عن أبي هريرة من أعلى روايات الحديث النبوي إسنادًا.
تحصّل الليث بن سعد على قدر كبير من العلم من خلال سماعه من تابعي عصره في مصر والحجاز والعراق، حتى قال ابن حجر العسقلاني في الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية: إن علم التابعين في مصر تناهى إلى الليث بن سعد، كما ألمّ بفقه أبي حنيفة ومالك بل وكان على اتصال بمالك من خلال المراسلات.
كان الليث بن سعد في منهجه في الفتيا من أهل الأثر من كتاب وسُنّة وإجماع لا من أهل الرأي، وخالف الليث فقه معاصره مالك بن أنس كثيرًا خاصة فيما يتصل بآراء مالك الفقهية التي بناها على عمل أهل المدينة أحد أصول فقه مالك.
وقد فضّل الليث بن سعد الاعتماد في مذهبه الفقهي على ما صحّ عنده من الأحاديث، وإجماع الصحابة، وهو ما يتضح من رسالته إلى مالك التي قال فيها: فإذا جاء أمر عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر والشام والعراق على عهد أبي بكر وعمر وعثمان لم يزالوا عليه حتى قُبضوا لم يأمروهم بغيره، فلا نراه يجوز لأجناد المسلمين أن يُحدثوا اليوم أمرًا لم يعمل به سلفهم من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم.
وكان من سمات مذهبه الفقهي رؤيته لوجوبية ما داوم النبي على فعله كالتشهُّد الأول بعد ركعتين في صلاة المغرب أو الصلوات الرباعية، كما كان يرى جواز تخصيص القرآن بالسُنّة كرأيه في وجوب قراءة المأموم حتى وإن جهر الإمام لقول النبي محمد: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.