تزامنا مع ذكراه.. تعرف على قصة حياة أبونا ميخائيل إبراهيم
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بتذكار نياحة القديس أبونا ميخائيل إبراهيم.
قال عنه قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث: "شخص من أهل السماء، انتدبته السماء زمنًا ليعيش بيننا وليقدم للبشرية عينة صالحة، وصورة مضيئة من الحياة الروحية السليمة. أدى واجبه على خير وجه. عمل على قدر ما يستطيع فى صحته وفى مرضه.. فى شبابه وشيخوخته.. فى قوته وفى ضعفه، ومازال يعمل كان يعمل كاهنًا ومرشدًا.. والآن أصبح يعمل كشفيع لنا أمام العرش السماوى.
وفى يوم نياحته كانت عيناه تزرف الدموع على رجل عاش بركة لنا فى هذا الزمان، وإنسانًا كان فيه روح الله.
كان نفسًا هادئة مملوءة من الإيمان والطمأنينة، مملوءة من السلام الداخلى.. مبتسم الوجه بشوشًا، طيبًا يعطى أكثر مما يأخذ.. يملأ كل من يقابله بالسلام والهدوء..يُخضع مشاكله ومشاكل أبناءه طوع مشيئة الله من خلال الصلاة.. أعطانا فكرة عن الأبوة الحقة، عن الرعاية السليمة..عن الحنان والحكمة التى من فوق التى هى من مواهب الروح القدس".
حياة الأب ميخائيل إبراهيم
ولد ميخائيل إبراهيم يوسف فى 20 أبريل عام 1899 ببلدة كفر عبده مركز قويسنا منوفية.. نشأ فى ظلال كنيسة العذراء مريم بكفر عبده.. والتحق بمدرسة الكنيسة وفيها تلقى مبادئ القراءة والكتابة والحساب من مرتل الكنيسة.. وكان دائم الصلاة والتسبيح وحفظ الألحان وحضور الإجتماعات، إلى جانب إشتراكه فى خدمة المذبح..
وفى عام 1908 التحق بمدرسة تابعة لجمعية (الترغيب فى التهذيب) لإتمام دراسته الإبتدائية.
وأتم جزءًا من دراسته بمدرسة الأقباط بقويسنا، ثم بمدرسة الأقباط الكبرى بالقاهرة التى أسسها البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح. وعين موظفًا بوزارة الداخلية مركز فوه ومركز شبين ثم مركز كفر الشيخ ثم إنتقل إلى ههيا ثم إلى الجيزة.
كان كثير التردد على كنيسة مار مينا بمصر القديمة حيث التقى بالقمص مينا المتوحد (مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس) وكان موضع انتباه الشعب والشباب الذين يترددون على الكنيسة بالصورة التقية العجيبة التى تمثلت فى شخص هذا الرجل المتواضع (ميخائيل أفندى) الذى يُقبِّل أعتاب الكنيسة وجدرانها وأيقوناتها حتى يصل إلى هيكلها ساجدًا عابدًا بدموع وورع.
وهو موظف بالجيزة دُعى للكهنوت فى كنيسة العذراء مريم بكفر عبده مسقط رأسه، لبى الدعوة ونال نعمة الكهنوت عام 1951 ثم رُقىَّ قمصًا عام 1952.
وقد أراد تحقيق أمنيته بتطبيق مجانية الخدمات فى الكنيسة ولكن لم تلائمه الظروف ففضل أن يبتعد إلى حين عن الكنيسة صونًا لسلامتها معتكفًا لدى أسرته بالقاهرة، مترددًا على كنيسة مارمينا بمصر القديمة للتعزية الروحية، إلى أن دعاه القمص مرقس داود للخدمة بكنيسة مار مرقس بشبرا عام 1956، وكان يسافر بين الحين والآخر قاصدًا كنيسة كفر عبده ليقدم للطلبة واليتيمات ولجميع أخوة الرب المساعدات السخية فى جميع المناسبات.
وقد هيأت الحكمة الإلهية أن يقطن القمص ميخائيل إبراهيم بجوار كنيسة مار مرقس بشبرا، وقد سمع القس مرقس داود بتقواه وفضائله فسعى للتعرف عليه وزاره فى مسكنه، وفى أحد المرات قام القس مرقس داود بصلاة القداس الأول وكان مكلفًا بالقداس الثانى أحد الأباء الرهبان الذى لم يحضر لعذر طارئ، ولكن عمل الله لم يتعطل إذ لمح أبونا مرقس القمص ميخائيل إبراهيم فى ركن بالكنيسة فعرض عليه الخدمة فقبل الدعوة، بعد إنتهاء القداس عرض عليه أمر الخدمة المؤقتة بها فلم يمتنع، وقد جذب بحكمته أفواج الشباب وأصبحت الكنيسة بفضل كاهنيها المثاليين كخلية النحل وقيل عنها (بالكنيسة التى لا تنام) ومازالت إلى الآن ببركة صلوات هؤلاء القديسين.
أبونا ميخائيل رجل إيمان ورجل صلاة، يصلى قبل كل شئ وقبل أى عمل يُقدم عليه مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، صلاة مصحوبة بالمطانيات، أسماء أولاده وأصحاب المشاكل مكتوبة على المذبح لكى يتدخل الرب الإله فيها.
ويذكر أبونا شنودة ماهر الذى كان أبونا ميخائيل أب اعترافه إنه عرض عليه موضوع ما، فبدأ أبونا ميخائيل يقول إرشاده لكنه توقف وصمت فى منتصف حديثه ولم يتكلم، وقال له انبدأ نصلى معًا ثم قال له أبونا ميخائيل توجيهًا وإرشاد عكس ما قاله قبلًا تمامًا. هذا هو عمل الروح القدس معه.
كان إيمانه بعلامة الصليب قويًا جدًا حيث أن كل من يقابله يرفع يده اليمنى ويرشم علامة الصليب على جبهته فينال هدوء وسكينة وإطمئنان وتذهب عنه كل المشاكل والأتعاب، كان يدرك بإختبار إنجيلى مدى أهمية التسليم للرب يسوع لكى يدبر حياته كما يليق وفق إرادته، فكان يقبل كل ما يسمح به الرب فى حياته من التجارب والآلام التى جازت فى نفسه وخاصة عندما انتقل طفليه فليمون وبولس فى آن واحد إلى السماء، ثم انتقال ابنه البكر الدكتور إبراهيم وإنتقال زوجته الفاضلة إلى السماء، ولكن تعزيات الروح القدس كانت تملأ قلبه.
فى 26/3/ 1975 م انتقل القمص ميخائيل إبراهيم إلى السماء لينعم فى أحضان الآب السماوى مع القديسين والملائكة بعد رحلة فى هذه الحياة دامت ستة وسبعين عامًا، كل يوم فيها له قدسيته وله تأملاته وصلواته وله شركته مع الله.
قال قداسة البابا شنودة الثالث فى يوم نياحته خسارة كبيرة أن نُحرم من هذا القديس، نحن نؤمن أنه لم يمت بل هو انتقل ولكن لاشك أن هذا المرشد العميق وهذا القلب المحب وهذه الطاقة الجبارة قد بعد عنا، نطلب أن يكون قريبًا منا بصلواته وطلباته.
قال البابا شنودة في مراسم الصلاة عليه "عندما طلبت منهم في كنيسة مارمرقس بشبرا أن يدفن هنا في الكاتدرائية اسفل الهيكل الكبير خلف ضريح مارمرقس فان السبب الظاهرى الذي قلته لهم هو الآتى: "إن القمص ميخائيل رجل عام ليس ملكا لكنيسة واحدة وابناؤه في كل موضع، كل حى في كل بلد ولا يصح أن يقتصر على مكان معين فالأفضل أن يدفن هنا في مكان عام". أما السبب الحقيقي الذي في أعماقي فهو أنني كنت أريد أن يصير جسد هذا الرجل سندا لنا في هذا الموضع، نستمد منه البركة.. (وهنا بكى البابا، وقام نيافة الأنبا يؤانس أسقف الغربية وكمل الكلمة).