نصر أكتوبر.. الشيوخ حصلوا على تصاريح حمراء لدخول التحصينات والثكنات العسكرية على طول خط الجبهة لدعم الجنود
لم يكن نصر أكتوبر 1973 وليد صدفة، بل كان نتاجًا التخطيط على كافة مستويات أجهزة ومؤسسات الدولة جميعها، ولقد كان لمؤسسة الأزهر الشريف دورًا بارزًا في إعداد الجنود البواسل وتهيئتهم معنويًا للحرب، وغرس الإيمان بالقضية المصرية وقتها، فقد كان لمصر وقتها جيشًا من الأئمة والخطباء والشيوخ الذين سخروا علمهم لتحقيق تلك الغاية، ولم تكن رسالتهم خلف المنابر بل امتدت لتصل لأقصي الحصون داخل المواقع المصرية على الجبهة وقت الحرب، فما كان من الجنود وقتها أن رفضوا رخصة الإفطار قبل الهجوم قائلين "نريد الإفطار في الجنة" بعد أن وصلوا إلى أقصى مراحل الإيمان والعزيمة في مهمتهم السامية لتحرير الأرض من المغتصبين.
كان الأئمة والشيوخ يواصلون مهمتهم الدعوية لإعداد الجنود البواسل معنويًا للحرب في أقصى الظروف على مدار سنوات الإعداد للحرب، وكانوا يلقون خطبهم ودروسهم في الثكنات والتحصينات العسكرية المصرية على طول خط الجبهة دون خوف من الموت، وكانت المخابرات الحربية وقتها تصدر لهم تصريحات باللون الأحمر تخولهم دخول تلك التحصينات شأنهم شأن العسكرية في تلك المواقع فكانت رسالة طمأنة بعث بهم حملة الرسالة للجنود والضباط المرابطين على خط النار.
الشيخ "حسن مأمون" كان شيخ الأزهر في ذلك الوقت قبيل حرب أكتوبر المجيدة وتولى مشيخة الأزهر منذ عام 1964 خلفًا للشيخ " محمود شلتوت " بقرار جمهوري من الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”.
وأفتى الشيخ "حسن المأمون" شيخ الأزهر الأسبق في إحدى خطبة قبيل الحرب أن الحرب مع إسرائيل هي حرب في سبيل الله وأن من يموت فيها سيكون شهيدًا وسيدخل الجنة وأما من تخلف عنها ومات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق.
لم يكن الشيخ "حسن مأمون" وحده من حمل راية التنوير المعنوي للجنود والضباط لتأهيلهم معنويًا قبل قرار العبور والنصر بل كان هناك عددًا من الشيوخ الأئمة الذين كان لهم دور بارز في ذلك الدور الهام ومنهم الشيخ محمد متولي الشعراوي" والشيخ "محمد الفحام"، والشيخ العدوي وغيرهم من الخطباء والشيوخ والأئمة الذي دفع بهم الأزهر الشريف لترسيخ روح الإيمان والفداء في الجنود والمقاتلين.
وبشر الإمام “ عبد الحليم محمود ” الرئيس الراحل" أنور السادات والذي قال في مذكراته "لا ننسى أنه بشرنا بالنصر عندما رأى رسول الله يعبر القناة وهو يرفع راية الله أكبر للجنود على الضفة الشرقية للقناة فتحمس السادات لاتخاذ قرار الحرب وقتها.
جاء بعد الشيخ الفحام بعد الشيخ عبد الحليم محمود، وهو من أكثر علماء الأزهر إسهاما فى التهيئة المعنوية للجنود لحرب أكتوبر، حتى قبل أن يتولى المشيخة، فقد كان عميدا لكلية أصول الدين بالقاهرة ولقد ترك تصريف أمور الكلية لوكيل الكلية، وتفرغ هو للمساهمة فى تثقيف الجنود وحثهم على نيل الشهادة لاسترداد الأرض، وعندما تولى وزارة الأوقاف جعل من مفردات خطاب وزارته تأهيل المجتمع لتحمل تبعات الحرب حتى النصر.
كان شعار «الله أكبر» سرًّا من أسرار النصر فى حرب أكتوبر المجيدة، وإن كان لذلك الشعار قصة مع فإن الشيخ الدكتور "محمد نايل" فى أثناء حرب الاستنزاف والذي انبثق منه الشعار، فعندما كان محمد نايل بكتيبة المدفعية رأي الجنود لا يكبرون عند اشتباكهم مع قوات العدو الإسرائيلي فقال لهم " عند حملكم داناتِ المدفعية، أو انطلاقها؟ بل وفى جميع تحركاتكم؟ فإن عناية الله ستكون معكم "، فأصبح بعدها ذلك الشعار هو شعار المعركة والحرب من وقتها، وأصبحت المدفعية تخرس مدافع العدو عند اشتداد تلك الصيحات وانتصرت المدفعية من لأول مرة، والتى أطلق عليها العدو بأنها معركة المدفعية لشراستها، ومن وقتها حتى الأخوة الأقباط كانوا يصيحون بذلك الشعار وقت العبور والالتحام.
ومن وقتها أيقن المشير "أحمد إسماعيل" وزير الحربية وقتها أهمية ذلك الشعار حتى أصدر قرارًا بوضع مكبرات صوت على طول خط الجبهة وقت العبور لينطلق صدي ذلك الشعار "الله أكبر في كافة أرجاء القناة على طول خط العبور لتحميس الجنود وقت الحرب والعبور وأصبح تأثيرها مدويًا ومرعبًا في صفوف العدو الذين تركوا مواقعهم عند أقتراب أصوات المصريين من ثكناتهم وتحصيناتهم العسكرية.
أما الشيخ "أحمد فرحات"، إمام مسجد سيدنا الحسين، وقد كان مصابا بمرض في عينيه إلا أنه كان يذهب كل أسبوع مع قافلة الدعاة إلى السويس والعين السخنة ورأس غارب ويلقى فيها الموعظة، ولم يتخلف قط عن المشاركة في ترسيخ مبادئ الوطنية والإيمان في الجنود على طول خط الجبهة.
وقد شارك الآلاف من أبناء الأزهر الشريف كجنود فى هذه المعركة، من هؤلاء فضيلة الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر رحمه الله الذي شارك فى حرب أكتوبر كجندى لمدة ست سنوات من عام 1967 وحتى تحقق النصر المجيد عام 1973م.