تزامنا مع وفاته.. قصة حياة قديس العصر الراهب فلتاؤس السرياني
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بذكرى مرور الثالثة عشر على وفاة الراهب القمص فلتاوس السرياني.
القمص فلتاؤس له مكانه خاصة لدى الاقباط، وسيرة عطرة ومعجزاته لمست الكثرين، تنشر “ الفجر” فى سطور رحلته على الارض حتى وفاته:
- ولد كامل “أبونا فلتاؤس” في 1922/4/1 م، فى منزل المقدس جرجس أيوب بمدينة الزقازيق وزوجته هيلانه عطيه، مع خمس بنات وولد، وهم، أوجينى، مارى، آجيا، أنجيل، عزيز، سعاد، وكان كامل أصغرهم سنا، وألحقه والده بكتاب الكنيسة مع أخيه الأكبر عزيز حيث حفظ المزامير وبعض ألحان الكنيسة والمردات.
وفي سن الثانية عشر عاما انتقلت أمه إلى السماء، وانتقلت الأسرة إلى حي شبرا بالقرب من كنيسة مارجرجس بجزيرة بدران، وتزوج المقدس جرجس من سيدة فاضلة راعت أبنائه بالحب والحنان وكانت لهم بمثابة أم حقيقيه فعوضهم الرب عن فقدانهم لأمهم.
كان كامل يتمتع بصفات خاصة توحي بشخص قريبا من الله ويحيا معه بأمانة وطهارة، فكان يستقطع من مصروفه ليعطى جاره الفقير وأيضًا يشترى الحلوى ليوزعها على أقرانه من الأطفال حتى وهو صغير السن فكل طفل يتمسك بما لديه من مال أو لعبه ولكن كامل صنع ما هو مختلف عن طبيعته كطفل
-التحق كامل بالمرحلة الثانوية ومع تقدمه فى الدراسه تقدم أيضا فى الروح وظهر هذا فى حبه الشديد للصلاة والتسبيح وانضم للخدمة فبدأ بافتقاد الأطفال والخدمة فى مدارس الأحد وانتهى بتعليم الألحان لبعض الفتيان والأطفال، وكانت له خطواته الروحية بالمنزل وكان ملتزما بقانونه الروحى بإرشاد أب اعترافه.
وفي إحدى المرات فى زياره روحية قام بها بعض من الشمامسة والخدام لطاحونة الهواء بمصر القديمة التى كان يقطنها القمص مينا المتوحد ” قداسه البابا كيرلس السادس فيما بعد ” وعند نهاية الزيارة أعطى القمص مينا ورقه لكامل مكتوب فيها: “لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه ؟” (مر 36:8)، وأصبحت هذه الآية محور تفكيره فانعكس ذلك على صلواته وأصوامه وقراءاته فى الكتب المقدسه.
وما أن انتهى من شهادة البكالوريا “الثانوية العامة ” حتى فكر في الانطلاق للبرية للرهبنة وتسليم حياته كاملة لله، وصارح أب اعترافه برغبته فوجد تشجيعا منه، وزاد من رغبته في حياة الرهبنة، أنه عمل على السفن والمراكب فى وسط البحر ولفترات طويلة مما أهله فيما بعد ليحيا حياة السكينة والتأمل.
وذهب أخيه الأكبر عزيز إلى دير السريان طلبا للرهبنة فذهب أبوه إلى هناك وتقابل مع المسئولين عن الدير وتحدث بانفعال وأصر على عودة إبنه معه إلى البيت ومع إصرار أبيه عاد عزيز إلى العالم ولم يمر إلا أشهر قليلة حتى أصيب عزيز بأورام فى الرقبة وعجز الأطباء عن علاجه وتوفى.
-صارح كامل والده برغبته في حياة الرهبنة فصار الأب فى حيره من أمره اذ أمامه اختارين لا ثالث لهما إما أن يقبل ولم يبق له من أبنائه الذكور سواه بعد نياحة الإبن الأكبر وإما أن يرفض وفى هذه الحالة يمكن أن يكون مصيره كمصير إبنه الآخر، وذهب كامل مع القمص جرجس بطرس والتقى بالقمص مينا المتوحد فنصحاه بأن يذهب إلى الأنبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان فى ذلك الحين فى مقر الدير بالقاهرة، فهندم نفسه واستعد للقاء وأراد مثلث الرحمات الأنبا ثاؤفيلس اختباره، هل يصلح للرهبنه ام لا؟، وعند اللقاء وعرض الرغبة للرهبنة على سيدنا الأنبا ثاؤفيلس نظر إليه قائلا: “رهبنة إيه دى !دى البدلة اللى لابسها يشرب منها العصفور ” ويقصد بقوله إنها نظيفه، فسارع كامل بالرد: ” يعنى يا سيدنا أنا هكون أحسن من مكسيموس ودوماديوس اللى كانوا أولاد ملوك ؟!
فأمر بأن يبيت فى مخزن ملىء بالفحم والشمع وقطع الحديد، فقضى كامل هذه الليلة ورغبته فى الرهبنة جعلته يتحمل أى مشقة فى سبيل تحقيق تلك الرغبة، ولم يجد مكانا لراحه جسمه ولكنه عبر تلك الليلة وذهنه متجه إلى الله القادر على كل شىْ وعند لقاء سيدنا فى الصباح كانت ملابسه متسخة، قال له: ” اهو كده ! انت يا ابنى تنفع راهب ! “.. فانتابته فرحه غامرة، وكتب سيدنا خطابا وناوله إياه قائلا: ” يالا روح الدير “، ووزع كامل كل ما لديه من مال ولم يتبقى معه سوى ثمن تذكرة الأتوبيس الذى سينقله فى رحلته للدير، ووصل الدير وقدم الخطاب الذى أخذه من سيدنا موجه لربيتة الدير لقبوله، وأعطاه حجرة صغيرة للمبيت وكلفه بعمل المطبخ فانتهى منه بهمه وزاد عليه نظافه الحمامات وخدمة الآباء الشيوخ، وكان هذا فى اغسطس 1948 م.
-ومنذ اللحظة الأولى لدخوله الدير كان كامل يستعد بهمة لارتداء زي الرهبنة، وبعد ثلاثة أشهر قضاها كامل استدعاه الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير بعد أن سأل الآباء بالدير عنه وسأل أب اعترافه فى الدير وهو أبونا عبد الملاك السريانى، فكانت التزكيه بالإجماع، وفي عام ١٩٤٨ تمت رسامته راهبا، وفى عشية رسامته ظهر ملاك من السيرافيم ذو الستة أجنحة وكان يحرك أجنحته كما لو كان يصفق بهم
وبات كامل تلك الليلة فى الكنيسة وفى الصباح الباكر تمت رسامته باسم الراهب فلتاؤس السرياني، حيث كان سيدنا يحب هذا الإسم، إذ كان اسم رئيس الدير الذى سبقه فى رئاسه الدير “القمص فلتاؤس الكبير “، والذى عينه وكيلا للدير فى فترة رئاسته للدير وأعطاه قلايته ايضا.
ومع بداية حياته الرهبانية أخذ ينسخ 10 صفحات من مخطوط ميامر مار اسحاق السريانى يوميا فزادته هذه الممارسه ثباتا فى الرب وحبا له وانطلاقا فى حياته النسكيه، وخلال السنوات الثلاث الأولى من رهبنته بدأ يجاهد جهادات نسكية شديدة حتى أنه كان يصوم يوميا إلى المساء ويعمل أكثر من 300 ميطانية يوميا عدا السبوت والآحاد وأيام الأعياد
-بعد مرور عام تقريبا من رهبنته مع أواخر عام 1949 وأوائل عام 1950 تقريبا نال أبونا فلتاؤس نعمة الكهنوت بيد مثلث الرحمات الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير ثم رقى إلى رتبة القمصية مع أواخر عام 1951 واول 1952 تقريبا.
-خرج أبونا فلتاؤس السريانى خارج بغرض الخدمة عندما ذهب إلى دير الشهيد العظيم مارمينا لتعميره وقضى هناك حوالى خمسة أشهر قام خلالها بأعمال المطبخ واعمال الدير، وهناك موقف طريف تعرضوا له هناك إذ ان بئر الماء يبعد عنهم بحوالى 2 كم وكان لديهم حمار يجر “كارته” ليحضروا بها الماء ويوم من الأيام تذمر الحمار عليهم من شدة التعب ورفض جر الكارته فقام القمص فلتاؤس السريانى بجر الكارته وأحضر الماء إلى للدير من هذا البعد ويدل هذا الموقف على محبته الكبيرة للرب وأنه مستعد لأن يصنع أى شىْ من أجل هذه المحبه وقد صنعها باتضاع شديد، ولم يعد إلى الدير إلا بعد أن أصابه عدو الخير فى كتفه وتسبب فى شلل فى ذراعه الأيمن بالكامل، فذهب لقداسه البابا كيرلس السادس فى ذلك الوقت وصلى له وضرب بصليبه على ذراعه 3 مرات فشفى تماما، وفى تلك اللحظه اشتاق إلى الرجوع إلى ديره وقلايته فسمح له قداسه البابا بالعوده إلى الدير.
و المرة الثانية التى خرج فيها أبونا فلتاؤس السريانى من الدير، عندما خرج ليخدم بالعزباويه وكان هذا فى 1970/9/9 وأتم خدمته هناك على أكمل وجه ثم عاد لديره يوم 1975/4/26 م أى ما يقرب من خمس سنوات فى هذه المره قضاها خارج اسوار الدير. وبعد أن عاد إلى ديره واصل جهاده الروحى بصوره شاقة، وازدادت معه قامته الروحيه قامه بعد قامه.
-أراد قداسة البابا شنودة الثالث أن يعيد طقس إلباس الإسكيم، حيث قام قداسته بإلباسه لبعض رؤساء الأديرة ولبعض الرهبان الذين قضوا أعواما طويلة فى الرهبنة، وكان أبونا فلتاؤس السرياني أول راهب يقوم قداسه البابا بإلباسه الإسكيم وكان هذا يوم السبت الموافق 2003/3/29، بعد ان قضى فى رهبنته 55 عاما.
-تزينت حياة القمص فلتاؤس السريانى بالعديد من الفضائل التى تحلى بها منها، المحبة لربنا يسوع المسيح ولمن حوله، كذلك الاتضاع، فلم يكن اتضاعه ظاهريا بل كان نابعا من داخله وانعكس هذا على تصرفاته مع الآخرين وكل من تعامل معه لمس اتضاعه الحقيقى، كذلك التسامح فكان يسامح كل من يخطىْ إليه فهو كان سريع التسامح لكل من يسىْ إليه، وقيل أنه لايدخل قلايته إلا وهو قد نسى كل خصومة أو إساءة.
و فى تسامحه كان يتحمل الإهانة، وأيضا التجرد فكان لا يحب المقتنيات الأرضية وظهرت هذه الفضيلة منذ صباه، فكان يفضل أن يوزع ما يمتلكه على من حوله ولا يفضل الاحتفاظ بأي شىْ حتى قلايته طغى عليها طابع البساطة فلا تحتوى على أي أثاث أو مقتنيات، بالإضافة إلى النسك فكان ناسكا فى ملبسه ومأكله وقيل أنه كان يذهب إلى طافوس الدير ليأخذ الجلاليب القديمة وقطع قماش من عند الآباء الراقدين ليرقع بها ردائه، أما عن طعامه فلم يكن يأكل إلا اليسير منها وصومه كما ذكرنا من قبل،فضلا عن فضيلة الصمت، فمنذ أن لبس الزي الرهبانى ودرب نفسه بأن يضع “زلطه” فى فمه ولا يخرجها إلا فى وقت الصلاة ووقت الطعام حتى يدرب نفسه على الصمت فاقتنى هذه الفضيلة طوال حياته الرهبانية، وفضائل أخرى مثل السلام والفرح – الجديه والالتزام – البساطه – والعفة والطهاره – ونقاوه القلب.
-قبل انتقاله بحوالى ثلاثة أعوام بدأت حالته الصحية تتدهور فظهرت مشكلات فى القلب ووظائف الكلى وجلطة فى المخ واحتباس فى البول وورم فى البروستاتا وجلطة فى القدم اليمنى والتهاب فيروسي بمنطقه الصدر وكان يعاني من ارتفاع فى ضغط الدم والسكر، كل هذه الآلام تحملها القمص فلتاؤس السريانى قبل أن ينتقل عن عالمنا وفى فجر يوم الأربعاء الموافق 2010/3/17 فى حوالى الساعه الثالثه والنصف، انطلقت روحه الطاهرة ليسكن فى أحضان آبائنا إبراهيم واسحاق ويعقوب فى صحبة الآباء القديسين أحبائه والذى كان يخاطبهم ويخاطبوه، وكل من يطلب صلاته وشفاعته يستجيب له.. وكثيرون اتى لهم بعد نياحته وشفى أمراض كثيرين.