تدهور القطاع الخاص بسوريا وانهيار الاقتصاد
أكد خبراء ومختصون أن الاقتصاد السوري دخل في غيبوبة طويلة بعد استمرار سلسلة الاحتجاجات ضد النظام، ومنذ 5 أشهر باتت معظم القطاعات المالية والمصرفية غير قادرة على الاستمرار فالحركة الاقتصادية تدهورت بنسبة بلغت أكثر من 50%، مع تراجع الاستهلاك وتعثر القطاع الخاص في مقاومة الأحداث، حيث ارتفعت نسبة البطالة وصرف العاملين في قطاعات كانت نشطة وتقود الاقتصاد ومنها الفنادق والصيدلية والخدمات.
وتظهر أرقام جديدة لمعاهد دولية إلا أن مؤشرات الاقتصاد باتت تشير إلى الخطر، خاصة التوقعات بشأن تراجع النمو بما لا يقل عن 4% خلال العام الحالي.
ولعل القطاع السياحي والذي كان يشكل أحد أعمدة الاقتصاد ويمد الناتج المحلي بما لايقل عن 13% وبعائدات لا تقل عن 7 مليارات دولار بات في حكم المشلول مع تراجع أعداد السياح وهروب الاستثمارات منذ منتصف العام الحالي.
رجال أعمال ومستثمرون سوريون يؤكدون تخوفهم من استمرار تدهور الأوضاع، موضحين أن الضربات التي أصابت نشاطهم باتت قاصمة وباتت جميع الشركات على سدة الإفلاس أو التدهور التدريجي. فمبيعات المنتجات المحلية تدهورت بسبب تدني الاستهلاك في وقت باتت سوق الملابس والأجهزة الإلكترونية تعاني صعوبة الشراء بما لا يقل عن 20%. وفي آخر الإحصائيات التي نشرت فإن دمشق باتت تعاني صعوبة في الواردات حيث انخفض المعدل بما لا يقل عن 60%، في الوقت ذاته فقدت العملة السورية ما لايقل عن 9% من قيمتها أمام الدولار.
ورغم الاجراءات التي أطلقها البنك المركزي لحماية العملة – الليرة – إلا انها لم توقف نزيف الخسائر. ولحد الآن ليست هناك إحصائيات شفافة من النظام حول تدخله لحماية العملة وكم صرف من الاحتياطي لدعمها، وفي ظل غياب أرقام وإحصائيات واضحة من الأجهزة المالية السورية فإن التوقعات بشأن مخصصات الإنفاق والتخزين والاستثمار ستبدو غامضة.
الكماشة الاقتصادية
وأكد الخبير الاقتصادي محمد كركوتي أن الكماشة الاقتصادية باتت تضيق حول عنق رئيس سوريا بشار الأسد فقط استبق استحقاقات الثورة في حركة بائسة ويائسة، وضخ ما يقرب من 5.8 مليار دولار أمريكي في خزائن أسرة الأسد وعصاباتها، على أمل نجدته من مصيره المحتم، وهو الزوال. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهرين على ضخ هذه الأموال الطائلة، إلا أنها لم تمنع مظاهرة سلمية واحدة، بما في ذلك تلك التي تضم العشرات.
ويشير إلى أنه بعد تردد أقدمت دول الاتحاد الأوروبي على فرض حظر على استيراد النفط السوري، الذي يمثل الشريان المالي الدائم للأسد ولمن نسي، فإن موارد النفط السوري لا تدخل في نطاق الخزانة العامة أصلًا، وتذهب منذ عهد حافظ الأسد مباشرة إلى القلة الحاكمة في البلاد.
وقال إن الأسد يصدر لحسابه الخاص قرابة أربعين في المائة من النفط السوري إلى السوق الأوروبية، وهذا يعني أن الموارد التي يستخدمها لقتل شعبه، سوف تنخفض في الأيام القليلة المقبلة، إلى جانب تراجع العوائد المالية الناجمة عن مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد، فضلًا عن تراجع مخيف لعوائد غسيل الأموال، وإن كان الذراع المالي اللبناني ـــ السوري لهذه التجارة المشينة لا يزال يتحرك.
ويلفت كركوتي إلى أن الأسد هَرَّب إلى لبنان ما يقرب من 23 مليار دولار أمريكي منذ اندلاع الثورة ضده، في الوقت الذي تضيق فيه الكماشة الاقتصادية حول رقبته، وهذا أسلوب يعتمده عادة رؤساء العصابات الذين يتعرضون للملاحقة. فقد كان عليه أن يُبقي هذه الأموال في البلاد، لإعانته على مواصلة حكمه غير الشرعي أطول فترة ممكنة. لكن الواضح أنه بات يعرف ـــ حتى بعد أن فقد عقله ـــ بأن أيامه باتت معدودة، أو على الأقل أصبح يعرف ماهية مصيره المحتوم.
ويؤكد كركوتي، في مقالة بصحيفة الاقتصادية ، أن الوضع الاقتصادي الراهن في سوريا هو على الشكل التالي: تراجع مخيف في الاحتياطيات المالية للبنك المركزي (اعترف به حاكم البنك نفسه)، الذي تسيطر عليه مباشرة عائلة الأسد. انخفاض متواصل لقيمة الليرة السورية. هروب كبير لرؤوس الأموال الشرعية وغير الشرعية. اضمحلال العوائد السياحية كاملة. إغلاق مشاريع استثمارية كبيرة ومتوسطة. تأجيل مشاريع أخرى. ولو أضفنا إلى ذلك كله، العقوبات الدولية المختلفة، واحتمالات فرض عقوبات عربية مشابهة في المستقبل القريب، فإن الكماشة الاقتصادية، ستتحول إلى ما يشبه حبل المشنقة حول رأس السلطة الحاكمة في سوريا.
الدعم الإيراني
من جانب آخر، يؤكد محللون أن الدعم الإيراني كان السند الحقيقي لاستقرار الليرة من التدهور الخطير حيث تشير الأرقام إلى أن طهران قدمت لدمشق عشرة مليارات دولار، إلا أن النظام السوري لم يستخدم إلا 3 مليارات دولار لتعزيز العملة، وباقي المبلغ صار في الاحتياطي.
واذا استمر الوضع على حاله فان التدهور الشامل للاقتصاد السوري بات ملموسا، أما العزف على وتر المواجهة والقمع فإنها لن تنقذ الحالة الاقتصادية. النظام في سوريا قد يعتمد على الصمود في الخروج من الحالة السياسية المضطربة التي تعيشها البلاد لكن الانتظار قد يطول والتدهور بات حقيقيا مع استمرار التهريب ونشاط التحويلات المالية الى لبنان وتركيا، واذا بدأت العقوبات الاقتصادية فإن الأضرار ستصل الى مستويات عالية قد تتجه بسوريا نحو الهاوية.