بعد إعلان عودة العلاقات السعودية الإيرانية.. خبيرة: إنخراطًا أمنيًا صينيًا فى شؤون المنطقة
أكدت الدكتورة نادية حلمى أستاذ العلوم السياسية والخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، أن إتمام عملية المصالحة السعودية الإيرانية تحت إشراف ورعاية الصين، يعد بمثابة إنخراط صينى فى الجانب الأمنى للمنطقة، فضلًا عن كونها خطوة سياسية فى المقام الأول لرعاية مصالح الصين الاقتصادية فى منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت “حلمى”، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن المصالحة السعودية الإيرانية تأتي نتاجًا لزيارة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى للعاصمة بكين مؤخرًا، حيث بدت بعدها مباشرةً مؤشرات لتلك الإنفراجة فى مجال استئناف العلاقات بين الجانبين السعودى والإيرانى.
وأوضحت الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، أن تلك المؤشرات ظهرت أيضًا من خلال عدد من المحادثات المعلنة التى أجراها أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى على شمخانى؛ لمتابعة اتفاقيات الزيارة وإجراء محادثات مكثفة مع الجانب السعودى.
وأشارت إلى أنه من المتوقع أن يسهم هذا الاتفاق السعودى الإيرانى فى تخفيف حدة التوتر فى المنطقة، وتعزيز دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومى العربى، وتطلعات شعوب المنطقة فى الرخاء والتنمية والاستقرار.
وتابعت بأنه وفق تصورها، فإن نجاح حكومة بكين من خلال جهود وساطة "فانغ يى" عضو المكتب السياسى باللجنة المركزية للحزب الشيوعى الحاكم، يعد إنخراطًا أمنيًا صينيًا حقيقيًا فى شؤون المنطقة، خاصةً وأن إنجاز حكومة بكين لملف المصالحة بين البلدين يتضمن أبرز قوتين إقليميتين في منطقة الخليج.
وواصلت نادية حلمي تصريحاتها، بأن هذا الإنجاز يأتي رغم أن السعودية وإيران، هما طرفى نقيض فى معظم الملفات الاقليمية والتي من أبرزها النزاع فى اليمن، حيث تقود الرياض تحالفًا عسكريًا داعمًا للحكومة المعترف بها دوليًا فى اليمن، وتتهم طهران بدعم المتمردين الحوثيين.
وأيضًا تبدى المملكة العربية السعودية قلقها من تزايد نفوذ إيران الإقليمى وتتهمها بـ "التدخل" فى شؤون عدد من الدول العربية، مثل: “سوريا، العراق، لبنان”، كما تتوجس السعودية فى الوقت ذاته من البرنامج النووى الإيراني وقدراتها الصاروخية بما لها من تأثير على أمن المنطقة.
ولذلك يشكل هذا الإتفاق خطوة إيجابية على طريق حل الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية بالحوار والطرق الدبلوماسية، كما يسهم فى دعم الأمن والسلام والاستقرار، وانتهاج الدبلوماسية فى تسوية النزاعات الإقليمية والدولية فى المنطقة، والسعى الحثيث لحل الأزمات العالقة بين إيران ومنطقة الخليج العربى.
وتعد الأهمية الأمنية لإنجاز ملف المصالحة السعودية الإيرانية بالنسبة للصين؛ تأمين ممرات مبادرة الحزام والطريق الصينية بحريًا واستراتيجيًا، عبر منطقة الممرات والمضائق البحرية والمائية، كمضيق هرمز وباب المندب وخليج عدن، فضلًا عن حاجة الصين الماسة إلى تخفيف حدة الصراعات المشتعلة فى المنطقة، خاصةً فى اليمن.
ولذلك فإن هذا الاتفاق السعودى الإيرانى، يصب فى مصلحة الجانب الصينى أمنيًا واقتصاديًا، فضلًا عن أهميته لحليفتها الإيرانية بالنظر لحاجتها إلى تأمين ظهرها وعمقها الاستراتيجى، خاصةً فى حال قررت إسرائيل منفردة أو بالإشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية، توجيه ضربة عسكرية لها.
كما أن هذا الإتفاق من شأنه أن يسهم فى تعزيز التضامن العربى الإسلامى، بما ينعكس إيجابًا على البلاد العربية والإسلامية وشعوبها؛ وستبدأ بموجبه صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين أطرافه، والذى سينعكس على تكامل العلاقات بين الجانبين، وسيعطى دفعة نوعية لتعاون دول المنطقة، وترسيخ لمفاهيم حسن الجوار والإنطلاق من أرضية مشتركة لبناء مستقبل أكثر إستقرارًا للجميع.
ولفتت إلى أن إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية برعاية صينية، يصب فى صالح أمن المنطقة كلها؛ لتسترد بها المنطقة ودول الخليج العربى، أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية وعلى رأسها التدخلات الأمريكية والإسرائيلية.
وخلال الفترة الماضية، عملت تلك التدخلات الأمريكية على استغلال تلك الخلافات الإقليمية بين الخليج وإيران، واتخذت من "الفزاعة الإيرانية" طريقًا ممهدًا لإثارة النزاعات والصراعات بين الأطراف المختلفة في اليمن منذ عدة سنوات.
ولا شك فى أن مصلحة الصين وإيران، خاصةً فى تلك الأجواء الإقليمية والدولية المتوترة، تكمن فى التقارب مع السعودية لعدم إنخراطها فى أى مخططات إقليمية ودولية معادية لإيران، وذلك بالسعى الصينى الإيرانى الجاد؛ لتحسين العلاقات معها بقدر المستطاع وبكل الوسائل الممكنة.
وهناك مصلحة أمنية صينية إيرانية كذلك فى إنجاز عملية المصالحة مع السعودية، للتخوف من احتمال دخول الحرب الدائرة على الساحة الأوكرانية مرحلة تصعيد جديدة؛ تؤدى لمزيد من الاستقطاب بين روسيا وحلفاؤها، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، من ناحية أخرى.
وعلى الجانب الإسرائيلى والأمريكى، فإن هذا الإتفاق وفقًا للتحليلات الإسرائيلية نفسها، يعد بمثابة فشل ذريع للسياسة الخارجية الإسرائيلية وإنهيار للجدار الأمنى الإقليمى الذى حاول الإسرائيليين بناءه ضد إيران على مدار عدة سنوات ماضية.
الجدير بالذكر أنه صدر اليوم الجمعة، بيان ثلاثى مشترك الصادر من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية، إثر مفاوضات استضافتها الصين، فى خطوة قد تنطوى عليها تغيرات إقليمية دبلوماسية كبرى، وتؤدى لخفض التوتر فى المنطقة بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية والإتفاق على إعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، فضلًا عن الإتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمنى بينهما والإتفاقية العامة للتعاون فى مجال الاقتصاد والتجارة والإستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب.