القصة الكاملة لأزمة "نساء المتعة" بين كوريا الجنوبية واليابان
تسعى كل من اليابان وكوريا الجنوبية إلى غلق ملف استغلال الفتيات والذي يعرف بـ "نساء المتعة".
البداية
يعود اسم نساء المتعة كتعبير مُلطف للنساء اللائي أجبرن على على تقديم خدمات جنسية لقوات الجيش الإمبراطوري الياباني خلال الحكم العسكري الياباني الذي انتهى بنهاية الحرب العالمية الثانية واللائي عشن عمومًا في ظل ظروف العبودية الجنسية.
فمنذ عام 1932 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، تم احتجاز نساء المتعة في بيوت دعارة تسمى "محطات المتعة" التي تم إنشاؤها لتعزيز الروح المعنوية للجنود اليابانيين وتقليل الاعتداءات الجنسية العشوائية، وقد تم إغراء بعض النساء بوعود كاذبة بالتوظيف حيث وقعن ضحية ما يرقى إلى مخطط ضخم للاتجار بالبشر يديره الجيش الياباني.
وتم اختطاف الكثيرات وإرسالهن رغمًا عنهن إلى محطات المتعة، والتي كانت موجودة في جميع المناطق التي احتلتها اليابان، بما في ذلك الصين وبورما، بالإضافة لمحطات المتعة داخل اليابان نفسها، وكانت تلك النساء يعشن عادة في ظروف مروعة حيث كن يتعرضن للاغتصاب المستمر والضرب أو القتل إذا قاومن.
وكانت الحكومة اليابانية مهتمة بالحفاظ على الجنود أصحاء فكانت تُخضع تلك النساء بانتظام للفحص الطبي.
في عام 1996، تم إعدام العديد من نساء المتعة في نهاية الحرب العالمية الثانية، كما خلص تقرير حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1996 إلى أن النساء كن ضحايا "للاستعباد الجنسي العسكري".
وتعترض اليابان على هذه النتيجة، ولم تتناول اتفاقية التعويضات لعام 2015 بينها وبين كوريا الجنوبية مسألة ما إذا كان الإكراه سياسة ممنهجة من جانب الإمبراطورية اليابانية آنذاك.
وغالبا ما عانت النساء الناجيات من أمراض جسدية بما في ذلك العقم وأمراض نفسية والنبذ من أسرهن ومجتمعاتهن، كما تم التخلي عن العديد من الناجيات في البلدان الأجنبية من قبل اليابانيين في نهاية الحرب وكُن يفتقرن إلى المال للعودة إلى بلادهن.
وقد قامت أكثر من 30 مجموعة نسائية في كوريا الجنوبية في عام 1990 بتأسيس المجلس الكوري للنساء اللائي تم تجنيدهن للاستعباد الجنسي العسكري من قبل اليابان بعد إنكار اليابان الأولي للمسؤولية.
وطلب المجلس من اليابان الاعتراف بالذنب والاعتذار وإقامة نصب تذكاري وتقديم التعويض المالي للضحايا وتعديل الكتب المدرسية اليابانية بشكل مناسب لتعكس حقائق العبودية الجنسية.
ومن جانبها، نفت الحكومة اليابانية وجود أدلة على إكراه بعدًا دوليا في عام 1991 عندما قامت مجموعة من النساء الناجيات، بعد كسر عقود من الصمت، برفع دعوى قضائية جماعية ضد الحكومة اليابانية. وقد رفعت النساء وأنصارهن دعوى للحصول على تعويض على أساس انتهاكات حقوق الإنسان.
في نفس الوقت تقريبا، اكتشف يوشيمي يوشياكي، وهو مؤرخ من جامعة تشو في طوكيو، وثائق في أرشيف قوة الدفاع الذاتي اليابانية ونشر تقريرا عن النتائج التي توصل إليها والتي ربطت الجيش والحكومة اليابانية في زمن الحرب بإدارة برنامج نساء المتعة.
وعقب ذلك اعترفت الحكومة اليابانية علنا لأول مرة بوجود محطات المتعة أثناء الحرب، وعام 1992، أقرت الحكومة في بيان صادر عن رئيس مجلس الوزراء بتورطها في تجنيد نساء المتعة وخداعها لهؤلاء النساء، واعتذرت عن الإساءة إلى شرفهن.
وعلى الرغم من أن الحكومة اليابانية نفت أي مسؤولية قانونية عن الاعتداءات الجنسية، إلا أنها أنشأت صندوق المرأة الآسيوية في عام 1995 كمحاولة لحل المشكلة.
وظلت هذه القضية مسألة حساسة للغاية في اليابان، فعلى الرغم من أن ما حدث خلال الحرب أصبح معروفا هناك إلا أن العديد من اليابانيين، ولا سيما القوميين اليمينيين، استمروا في دحض تلك الحقائق لا سيما ما إذا كانت النساء قد أُجبرن على العمل في محطات المتعة.
ويقول بعض المعارضين للاعتذار إن السيدات كن يعملن بالبغاء ولم يجبرن على ذلك، الأمر الذي تنفيه كوريا الجنوبية.
أعداد نساء المتعة
يقدر المؤرخون أعداد نساء المتعة 200000 من النساء الشابات حيث تم توظيفهم لخدمة رغبات الجيش الياباني.
ويقول البرفسور هيروفومي هاياشي في جامعة كانتو قاكواين أن معظم نساء المتعة من اليابان، كوريا، الصين وأخريات من الفلبين، تايوان، تايلند، فتنام، سنغافورة وإندونيسيا.
استدعاء اليابان للسفير الكوري
في عام 2019، استدعت اليابان السفير الكوري الجنوبي للاحتجاج على قرار سول إنهاء اتفاقية للتعاون الاستخباراتي مع طوكيو.
وجاء ذلك بعد أن سحبت اليابان وضع الشريك التجاري التفضيلي من كوريا الجنوبية، وفرضت المزيد من القيود على وارداتها منها.
وكان قرار سول إنهاء اتفاقية للتعاون الاستخباراتي مع طوكيو هو الحلقة الأخيرة على خلفية نزاع تاريخي برز فيه بقوة عبارة "نساء المتعة".
فقد حذفت سول في وقت سابق اسم اليابان من قائمة الدول الموثوقة تجاريا، وجاء القرار الكوري الجنوبي ردا على القرار الذي كانت اليابان قد اتخذته في وقت سابق بحذف اسم كوريا الجنوبية من قائمتها الخاصة بالدول المفضلة تجاريا.
وقال وزير الصناعة الكوري الجنوبي سونغ يون مو آنذاك إن اليابان ستوضع في قائمة استحدثت مؤخرا للدول المقيدة التجارة معها.
فقد كان التوتر بين البلدين قد تصاعد في عام 2018 عندما أمر القضاء الكوري الجنوبي شركات يابانية بتعويض الكوريين الذين أجبروا على العمل قسرا في المجهود الحربي الياباني إبان الحرب العالمية الثانية.
ولكن اليابان أدانت هذا القرار القضائي، وقالت إن الخلاف سبق له أن حُسم عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1965.
السعي لحل الخلاف
وتقترح كوريا الجنوبية آلية مفصلة لتعويض الضحايا، بينما ترحب اليابان بتلك الخطة، وتعقد عليها آمالًا في إعادة العلاقات الصحية بين طوكيو وسول، في سبيل تحقيق الرغبة المشتركة في تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
الخطة التي تحدث عنها وزيرا خارجية كوريا الجنوبية واليابان، تتعلق بكيفية تعويض ضحايا العمل القسري في زمن الحرب، المتعلق بصندوق يتم تمويله من خلال تبرعات من الشركات المحلية بدلًا من الدفع المباشر من الشركات اليابانية المسؤولة، كما تم اقتراحه في السابق.
وبموجب الخطة المعلنة من وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، ستسعى مؤسسة ضحايا العمل القسري الذي فرضته اليابان أثناء استعمارها للبلد الجار (1910-1945) إلى تعويض 15 ضحية ربحت دعاوى قانونية ضد الشركات اليابانية المتهمة من المحكمة العليا، كما ستعوض المدعين الذين يكسبون القضايا المعلقة.