حامد بدر يكتب: ليالي فبراير الحزين.. وانتهى عيد العشاق
ها هي أعياد الحب قد انتهت، وفرغت الفتارين من الدُمى والقلوب الحمراء، وحاوط الظلام بقايا الهدايا في محازن الـ (ستوك) ودواليب العُشاق، وعادت الأوضاع إلى برودتها.
ها هي انتهت كل الاحتفالات
انتهت كل الاحتفالات، وانطفأت أضواءُ الكرنفالات، وعَادَ الحبُّ إلى درجته الطبيعيه في الترتيب الأوسط من المشاعر القلبية التي تنتابُنَا، وعاد صاحبنا العاشق إلى معقوليته يرى الحياة كما كان يراها، بعدما ذبلت باقة الورود، واهترأت المجسمات، وخفت الصخب الذي كان يملأ وسط المدينة (Downtown). لقد عاد يرى الأمور كما هي بقية العام، عاد منتظرًا موسمًا آخر تبتهجُ فيه دقات قلبه، لترتفع، أو تدخل نوبة عاطفية جديدة، يبحثُ فيها عن جنبات يملاُها بما لديه، من مخوزن وافر من الأماني.
بعضًا من الدوبامين بلغ ذروته، فصار كمن انتشى؛ ليخفت معه حالات المجون؛ يواجه حقيقة مصطلح الحب.
يوم متعب جدًا
يرجع إلى انهماك عمله، يواجه الحياة الحقيقية، يدفع بالتي هي أشقى من أجل إكمال يومٍ جديد، تستقبله كل العبوسات نذيرًا بشؤم الحمول، فلا رَواح للنفس، وكأن العذابات تتداعى عليه فتتوالى.
يمرُّ اليوم بمساوئ تغلُبُ محاسن العيش فيه، ويعود إلى بيته منهكًا، يسرق بعضًا من الراحة، يرتمي بجسده المُنهك على فراشه، تصله رسالة من إحدى محال هدايا الـ (Brand)، والذي كلَّفه نصف راتبه تثقريبًا لتقديم هدية موسمية، ويشرُد سَرِحًا، يحادث نفسه بتمتمات:
"هل هذ الحب الذي أريد؟.. هل هذه الرغبة التي كنت أود؟
انتهت أعياد الحُب، ولم أصل إلى تلك القُدسية التي كنت أرجوها في قصيدي، وفي مسيري، وفي كل ما كنت آلوه نحو العاطفة، لربما تغيَّر الحب، أم تغير العهد الذي أعيش، أم أنَّ الحياة وما فيها على شفا حُفرة من فتور.".
ذكرى المواضي
ها هي النفس حين تسيطر وتقتل بحديثها صاحِبُها، يذكر يوم أن فرَّط في حبه الحقيقي، أنْ أفضى لما قدَّم من تنازلات لأجل المظاهر الكاذبة، يوم فِراقه وحبيبته الأولى، التي عرف معها القلب كيف يخفق وكيف يستقيم، كيف يتأرجح بين الحاضر والأمل في الغد.
أخذ يذكر، وكأنه كان ينسى، كيف أن كان الوداد، كيف كان الصبر على الأوقات، وانتظار المأمول، وكيف هي إرادته معها التي كانت أقوى من المراسيم المُحصَّنة، كيف كان بتاج الوفاء ملكًا، تخطفه العلياء من الدنيات، لا يصلنَ إليه؟
أخذ يذكر، وكأنه كان ينسى، يوم الوداع، بحُجَّة أنَّ الظروف أقوى، وكيف برَّر انسحابه، أو بالأحرى خذلانه حبيبته، وكيف حنثَ كل الأيمان، التي أقسم بها أن يبقى ظهيرًا ونصيرًا وسندا، لكنها الظروف.. تلك الحُجَّة السخبفة التي أخفت كل معالم المسؤولية، ليستبدل بها إطارًا من الرسمية، شكلًا فحسب.
كل هذه كانت صورًا ومشاهد متقطعة، تسير في نظم سنيمائي داخل عقله الواعي، رُغم الشرود، ونفسه الآثمة، رُغم كل ما تدعيه من الطُهر..
تلاشت الصور؛ ليمسح دمعة سقطت من عينيه، والتي فضحت ندمًا داخله بأنَّ عيد عشقه هو قد انتهى؛ ليعاني ويلاتها فيما تبقَّى من "ليالي فبراير الحزين".